تونس بعيون سيّاح كسروا طوق الفنادق

08 فبراير 2016
سياح يعيشون حياة التونسيين اليومية (فضل سينا/ فرانس برس)
+ الخط -
بعيدا عن الشريط السياحيّ الكلاسيكيّ، حيث الشواطئ والفنادق، والبرامج الترفيهيّة المعدّة بعناية لملاءمة ذوق السيّاح وإعطاء صورة نمطيّة عن تونس، يجوب العاصمة وعددا من مدن البلاد نوع آخر من السيّاح الذين اختاروا أن يروا تونس الأخرى دون تجميل أو إعداد مسبق. يبيتون عند بعض الأصدقاء المحليّين، يأكلون من المطاعم الشعبيّة ويجوبون أكثر الأحياء اكتظاظاً وفقراً ويمعنون الغوص في أكثر تفاصيل البلاد غموضاً وتناقضاً.
تحاول "العربي الجديد" أن تنقل صورة تونس بعيون هؤلاء السياح، وأن ترى انعكاس هذا البلد في أذهان من أحبّوه وقررّوا أن يزوروا تونس الحقيقيّة، وراء أسوار الفنادق الفاخرة وبعيداً عن عيون الأمن السياحيّ.

تقول فانيسا سكازال، من الولايات المتحّدة الأميركيّة، إنها تعيش في شقّة بمنطقة المنار. رفضت منذ قدومها إلى تونس أن تقيم في أحد فنادق العاصمة، حيث تعتبر أنّ المتعة الحقيقيّة تكمن في العيش وسط الناس. وتضيف سكازال أنّها تفضّل أن تبدأ يومها ككلّ التونسيّين، بقهوة الصباح في أحد المقاهي الشعبية والصغيرة، لتشارك التونسيّين فيما بعد معاناة انتظار الحافلة أو الميترو والمزاحمة للصعود والنزول. هنا تكمن المتعة الحقيقيّة بحسبها، فالسياحة الحقيقيّة هي أن تعيش تفاصيل البلد المضيف بكلّ إيجابياته وسلبياته.
وتؤكّد فانيسا أنّ أكثر ما يعجبها في تونس هو التناقض الرائع بين الشارع والأماكن المغلقة، بين المُشاع والمُعاش. في الشارع على سبيل المثال الجميع يستنكر أن يرى أحدهم سكراناً أو أن تُشتمّ رائحة الخمر من أحد المارة، ولكن في المساء، فإنّ العثور على كرسي شاغر في إحدى الحانات أمر شبه مستحيل نظراً للاكتظاظ الهائل وإقبال التونسيّين على الشرب.
ليس هذا فقط، إذ تشير فانيسا إلى أنّ تونس تبهرها بالتنوّع والتناقض في كلّ تفاصيل الحياة اليوميّة، اليساريّ والإسلامي والليبراليّ، يختلفون حتّى البغض في المعارك والنقاشات السياسيّة، ولكن هذه الاختلافات تختفي بمجرّد الحديث عن المعاناة الاقتصاديّة التي يعيشونها يومياً نتيجة الغلاء والبطالة وسوء الخدمات.
مسألة أخرى أثارت انتباه فانيسا وهي عشق التونسيّين للكلام، فالجميع بتحدّث ويناقش ويحلّل ويصل حدّ الإفتاء في جميع المواضيع. وتقول: "الثورة بعثت روحاً جديدة لهذا الشعب المقبل على الحياة رغم مظاهر البؤس التي لا تخفى على أحد، إنّها ببساطة روح الثورة".

هيلين لوغايي، طالبة فرنسيّة جاءت لتقضي بضعة أشهر في تونس، لتكتشف هذا البلد ولتنهي دراستها الأكاديميّة حول بلدان الثورات العربيّة. تقول إنها اختارت تونس كنموذج نظراً لطبيعتها الفرنكوفونية وسهولة التواصل مع التونسيّين. هيلين هي الأخرى رفضت الإقامة في نزل واختارت العيش في شقّة صغيرة في قلب العاصمة التونسيّة. وتشرح أنّها دهشت من حجم التطابق بين العادات اليوميّة المعيشيّة للفرنسيّين والتونسيّين. إضافة إلى هيكلة الإدارات ومواقيت العمل، طبعاً مع اختلاف جودة الخدمات وسرعتها. أكثر ما أثار انتباه هيلين هو انفتاح السكّان ومعرفتهم الجيّدة للثقافات والشعوب الأخرى. أمّا عن العادات والتقاليد المحليّة فتؤكّد هيلين أنّ رمضان في تونس حدث استثنائيّ، حيث تتغيّر الشوارع وأمزجة الناس والعادات.
"كنّا نخال البلاد جحيماً حتّى وطئت أقدامنا تونس لنجد واقعاً مغايراً لما يرسمه إعلامنا عن هذا البلد الجميل"، بهذه الكلمات يبدأ كيفين الآتي من بلجيكا حديثه. ويضيف أنّه قرّر التوجه إلى تونس برفقة زوجته سيلين لتمضية عطلة قصيرة. ما دفعه لذلك كان أحد الأصدقاء الذي روى له عن كمّ المغالطات التي يروج لها الإعلام الأوروبيّ. وقد أقرّ كيفين أنّه شعر بالخوف في بداية الأمر خصوصاً مع تتالي الهجمات على السيّاح في سوسة ومتحف باردو، ولكنه منذ أن وصل تونس، لم يشهد أيّا من مظاهر العنف أو العدائيّة تجاه الأجانب، حيث يبدو السكّان ودودين ويرحّبون بأيّ زائر أياً كانت جنسيّته.
ويلاحظ كيفين انشغال الناس بالشأن السياسيّ، وهو أمر أثار إعجابه، ليضيف ضاحكاً أنّه يشفق على السياسيّين التونسيّين في ظلّ هذه الرقابة الشعبية اللصيقة.
أخيرا، يستغرب كيفين تعامل الإعلام الأوروبي مع تونس ويعتبر أن "فيه الكثير من الإجحاف خصوصاً مع تصوير الوضع بشكل كارثي ومرعب، وهو ما يزيد من المعاناة الاقتصاديّة للتونسيّين الذين يعتمدون بشكل كبير على عائدات السياحة".

اقرأ أيضاً: مؤشر تعاسة التونسيين: البطالة واجهة فقط