تونس: انطلاق مشاورات تكليف رئيس "حكومة الرئيس"

13 يناير 2020
اختار سعيد إطلاق مشاورات اختيار رئيس الحكومة بلقاء الغنوشي(Getty)
+ الخط -
لم يبق سوى أسبوع فقط أمام الرئيس التونسي قيس سعيد للكشف عن الشخصية التي سيكلفها بتشكيل "حكومة الرئيس"، وسط اختلاف قانوني واحتقان سياسي حول مستقبل الحكومة التونسية القادمة وتركيبتها وحزامها الداعم.

واختار سعيد إطلاق مشاورات اختيار رئيس الحكومة بلقاء مع رئيس حزب "النهضة" ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، الذي التقاه أول من أمس، وجاء في بلاغ الرئاسة أن رئيس الدولة أكد للغنوشي بالخصوص على ضرورة احترام الدستور.

ويتطرق البند 89 من الدستور إلى سيناريو ما بعد فشل منح الثقة للحبيب الجملي، رئيس الحكومة المقترح من حزب "النهضة"، باعتباره متصدر الانتخابات الأخيرة، ليفسح المجال لرئيس الجمهورية لإجراء مشاورات مع الأحزاب والائتلافات والكتل النيابية لتكليف الشخصية "الأقدر" في مدة 10 أيام، وذلك من أجل تكوين حكومة في أجل أقصاه شهر.

وانطلق الجدل بين الأحزاب وخبراء القانون الدستوري بسبب غموض هذا البند الدستوري، بين من يعتبر أن اقتراح رئيس الحكومة هو نتيجة مشاورات واقتراح الأحزاب، ودور الرئيس يقف عند التكليف بعد موافقة الكتل الداعمة والقادرة على جمع أغلبية 109 المطلوبة لمنحه الثقة، وبين رأي مخالف يعتبر المبادرة بيد الرئيس، وهو من يختار الشخصية التي يراها أقدر، وهو من يدير المشاورات مع الكتل والأحزاب خلال شهر تشكيل الحكومة لإقناعهم بالتصويت لبرنامجه.

وبين هذين الرأيين تتأرجح الأحزاب والكتل، التي وجدت نفسها أمام خيارات محدودة ولا يفصلها عن حل البرلمان وانتخابات مبكرة سوى شهر وحيد ينتهي برفضها التصويت لـ"حكومة الرئيس".

وتعتبر غالبية الكتل البرلمانية، ما عدا حركة "الشعب"، أنه لا وجود لما يسمى بحكومة الرئيس، بل إن دور الرئيس محدد في البند 89 من الدستور ولا يمكن الحديث عن ذلك إلا في الأنظمة الرئاسية، في وقت أن نظام الحكم في تونس برلماني معدل.


التفاصيل القانونية لاختيار رئيس الحكومة

وقالت منى كريم، أستاذة القانون الدستوري، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "رئيس الجمهورية قيس سعيد عند قيامه بالمشاورات مع الأحزاب السياسية والائتلافات الانتخابية والكتل النيابية لتكليف الشخصية الأقدر لتشكيل حكومة لا يمكنه اختيار شخصية ما بمفرده وفرضها على الأحزاب، بل إنه مطالب بأخذ عديد المعطيات بالاعتبار وتكثيف المشاورات لتحظى بثقة المجلس".

وأضافت أن الشخصية التي سيتم اختيارها بالتشاور مع الأحزاب والكتل والمجموعات البرلمانية يجب أن تحظى بالإجماع والتوافق حولها لتحصل الحكومة التي ستقترحها هذه الشخصية بثقة المجلس النيابي، وفي حال إسقاطها مرة أخرى، فإن ذلك فيه مس بمصداقية الرئيس قيس سعيد لأنه أصبح شريكا في العملية السياسية.

وبينت أستاذة القانون الدستوري في حديثها لـ"العربي الجديد"، أنه "لا توجد في الدستور التونسي ما سميت لدى الرأي العام بحكومة الرئيس التي دعت إليها بعض الأطراف السياسية"، مشيرة إلى أن هذا الخيار "ممكن فقط في النظام الرئاسي، أما في النظام الحالي لتونس فلا معنى له سياسيا ولا قانونيا ودستوريا".

وأوضحت أن الدستور التونسي ينص بوضوح على أن الحكومة منبثقة من مجلس نواب الشعب وهي مسؤولة أمام البرلمان، الذي يمنحها الثقة، كما يمكنه حجب الثقة عنها، فضلا عن أن رئيس الجمهورية الحالي ليست له كتلة برلمانية حتى يتسنى له تمرير الحكومات وفرضها.

ولفتت كريم إلى أن الدستور "صمت في حالات عدم تشكيل الحكومة في الأجل وعدم منحها ثقة، وتعرض فقط إلى حق رئيس الجمهورية في حل البرلمان بمرور 4 أشهر على التكليف الأول دون منح البرلمان الثقة للحكومة، وهي ليست آلية، كما أنه ليس وجوبا على الرئيس حل البرلمان، وبالتالي بإمكانه تأويل الدستور وإعادة تكليف شخصية أخرى، ويواصل يوسف الشاهد تسيير الحكومة الحالية إلى حين تشكيل حكومة جديدة".


حكومة الرئيس "بدعة"

واعتبر القيادي في حزب "النهضة" سمير ديلو، في تصريح صحافي، أن سعيد اختار إطلاق المشاورات مع رئيس حزب "النهضة" باعتباره الحزب الأول في البرلمان، وبالرغم من أن القانون لا يفرض عليه ذلك، إلا أن استشارة حزب آخر قبل "النهضة" لن يجد له تفسيرا منطقيا، لأن "النهضة" هو الحزب الأول عدديا في البرلمان، بحسب توصيفه.

وأضاف ديلو أن "النهضة مستعدة للتشاور من أجل مصلحة البلاد ولديها ثقة في الشخصية التي سيكلفها رئيس الجمهورية"، مشيرا إلى أن الحديث عن حكومة الرئيس "بدعة، باعتبار أنه ليست لديه كتلة برلمانية أصلا".

من جانب آخر، قال القيادي في حزب "قلب تونس" عياض اللومي، إن "لدى حزب قلب تونس ثقة في رئيس الجمهورية باعتباره المسؤول عن احترام الدستور، كما أنه أستاذ قانون دستوري"، مستبعدا أن يخرق الدستور باختيار شخصية دون الرجوع إلى الأحزاب وفرضها على الكتل.

وأضاف اللومي في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن مجموعة من الكتل تجمعت في مبادرة سياسية تجمع أكثر من 90 نائبا لتقديم مقترحاتها إلى رئيس الجمهورية بشكل عملي وذلك لتفادي إضاعة الوقت، مبيناً أن المبادرة السياسية تتمثل في مقترح إنقاذ تتمثل في خطوط عريضة لبرنامج إصلاح، إضافة إلى مقترح شخصيات لقيادة حكومة إنقاذ.

وبين اللومي أن "قلب تونس منفتح على التشاور والعمل مع جميع الكتل، وليست لديه نية إقصاء أو عزل أي طرف أو العمل بمفرده، وخصوصا أن الظرف الحالي يقتضي العمل المشترك لإنقاذ الاقتصاد الوطني والخروج من المشاكل الاجتماعية".

وشرعت شخصيات سياسية وحزبية في طرح نفسها أمام الرأي العام "الأقدر" على قيادة الحكومة المقبلة مقدمة مقترحات وبرامج ووعود بإنقاذ البلاد.

وقال الكاتب والنائب الصافي سعيد، في تصريحات صحافية، إنه لو كلفه الرئيس سيكون الشخصية الأقدر لقيادة الحكومة، وكذلك قال لطفي المرايحي، الأمين العام لحزب "الاتحاد الشعبي الجمهوري"، الممثل في البرلمان بنائبين، إنه مستعد لرئاسة الحكومة المقبلة إذا كلفه سعيد بتشكيل الحكومة.

وينتظر أن يستقبل سعيد في إطار المشاورات "الكتلة الديمقراطية" التي تضم "التيار الديمقراطي"، و"حركة الشعب"، كما يتوقع أن يلتقي بمجموعة مبادرة الإنقاذ التي تتكون من كتلة "قلب تونس"، و"تحيا تونس"، و"الإصلاح الوطني".