تونس: انتخابات رئاسية هادئة والحسم إلى الجولة الثانية

24 نوفمبر 2014
طغى كبار السن على مشهد المقترعين صباحاً (ياسين غيدي/الاناضول)
+ الخط -

لم يكن يوم أمس الأحد، مجرد يوم انتخابات عادي في تونس، فتاريخ 23 نوفمبر/تشرين الثاني سيُسجَّل كواحد من آخر محطات المرحلة الانتقالية في البلاد بعد ثورة 2011.

أكثر من خمسة ملايين ناخب تونسي، كانوا أمام انتخابات رئاسية تاريخية، تحدّد نتائجها معالم المرحلة المقبلة، وتأتي بعد انتخابات تشريعية شهدت إقبالاً مُرضياً. منذ الساعة الثامنة صباحاً بالتوقيت المحلي، فُتحت مراكز الاقتراع أمام الناخبين، وسط حضور أمني كثيف، لمنع أي مساس بالاستحقاق الدستوري.

وأعلن المتحدث الرسمي باسم وزارة الداخلية التونسية محمد علي العروي أن 65 ألف شرطي يقومون بتأمين الانتخابات التونسية، إضافة إلى 35 ألف فرد من الجيش التونسي وقوات الديوانة (الجمارك) والحماية المدنية، وهو رقم يُعدّ الأعلى في تاريخ تونس.

غير أن نسبة الإقبال لم تكن في ساعات الصباح الأولى بقدر الطموحات، بل سجلت نسباً ضعيفة في ظل غياب واضح للشباب، إذ كان أغلب المقترعين من المسنين والكهول.

هذا الأمر أسف له الأمين العام لحزب "نداء تونس" الطيب البكوش، الذي قال لـ "العربي الجديد"، "كنا نودّ أن تكون نسب الإقبال على التصويت أكبر من المعلن عنها، ولكن هذه النسب تُعدّ في نظري ضعيفة مقارنة بالانتخابات التشريعية"، لكنه اعتبر أن "المشهد الانتخابي كان جيداً بصفة عامة، لأن الحكم على نسب المشاركة يحتاج إلى قراءة تأتي فور الإعلان عن النتائج مفصلة".

من جهته، أوضح القيادي في "الجبهة الشعبية" زياد الأخضر لـ "العربي الجديد" أن "أسباب العزوف تعود إلى انشداد الناس إلى الانتخابات التشريعية لأهميتها في تحديد مصير البلاد، أضف إلى ذلك أن نتائجها النهائية قد حُسمت فطمأنتهم، ما جعل الكثيرين لا ينتخبون".

ورأى الأخضر أن "من توجّهوا إلى صناديق الاقتراع هم من حسموا أمرهم واختاروا مرشحهم منذ البداية، وهذا مؤشر سلبي وغير جيّد يعكس نوعاً من العزوف عن العملية السياسية خصوصاً من قِبل الشباب"، ولكنه أعرب عن اطمئنانه "لأن الأجواء الانتخابية كانت مميزة وهادئة، ولم يُسجل فيها إشكاليات من شأنها أن تعطل المسار الانتخابي".

هذا الأمر أكده رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات شفيق صرصار، الذي أعلن في تصريح صحافي أنه "تمّ تسجيل الكثير من الإشاعات، ولكن لم نلاحظ تجاوزات خطيرة من شأنها أن تخلَّ بسير العملية الانتخابية".

واتسمت الأجواء الانتخابية في العديد من مكاتب الاقتراع وسط العاصمة بالهدوء، إذ لم تُسجل أي مناوشات تُذكر في صفوف الناخبين. ووصف عدد من المواطنين، ممن تحدثت إليهم "العربي الجديد"، الأجواء بالباهتة، مستغربين ضعف الإقبال على الاقتراع.

وأوضح رئيس مركز الاقتراع في مدرسة "شارل ديغول" في العاصمة، الأزهر الصغير لـ "العربي الجديد"، أن "نسبة الإقبال في الساعات الأولى كانت ضعيفة مقارنة بالانتخابات التشريعية، ولم تتجاوز إلى حدود الساعة العاشرة والنصف صباحاً نسبة 15 في المائة"، مشيراً إلى أن "المسنين كانوا الأكثر إقبالاً على مكاتب الاقتراع".

التقييم نفسه أكده لـ "العربي الجديد" أحمد السعيدي وهو رئيس مركز الاقتراع في المدرسة الابتدائية في شارع روسيا في العاصمة، إذ قال صباحاً إن "نسبة إقبال الشباب على الاقتراع ما زالت ضعيفة".

واختلفت انطباعات الناخبين الذين التقتهم "العربي الجديد" وسط العاصمة التونسية حول مشاركتهم في هذه الانتخابات الرئاسية، فقال فاروق الطرودي إنه رأى أنه من واجبه المشاركة في الانتخابات "نظراً لما مررنا به في السنوات الأخيرة، فما ألاحظه أن البلاد تسير نحو المجهول وكلّ المؤشرات تؤكد على التراجع"، مضيفاً "صوّتُ لمن رأيته الأصلح من بين المرشحين على الرغم من عدم اقتناعي الكلي به ولكن أعتبره الأفضل".

من جهته، أكد عادل الضامر لـ "العربي الجديد" أنه تفاجأ بنسبة الإقبال، مشيراً إلى أنه "في الساعة العاشرة صباحاً، كانت الصفوف طويلة والأجواء أكثر حماساً خلال الانتخابات التشريعية، لذلك انتخبت في وقت قياسي". وتمنى أن يفوز أحد المرشحين للانتخابات الرئاسية منذ الدورة الأولى.

أما سنية عبد اللطيف، فأعربت عن إعجابها بالحضور المكثّف للمسنين والكهول وإقبالهم على مكاتب الاقتراع منذ الساعات الأولى، متمنية في حديث لـ "العربي الجديد"، "لو كانت صفوف الناخبين مليئة بالشباب، فخوفي أن يكون هذا العزوف مقصود من قبلهم بغاية المقاطعة".

لكن هذا المشهد الانتخابي البارد بدأ يتغير منذ ساعات الظهر وما بعدها، إذ بلغت النسبة العامة للمشاركة في التصويت عند الساعة الثانية من بعد الظهر نحو 32 في المائة، بعد أن كانت عند الساعة 11 من صباح الأحد نحو 11 في المائة، ثم ارتعفت إلى أكثر من 53 في المائة، كما أعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، وسط ترجيحات بأن ترتفع نسبة المشاركة في المساء، في سيناريو معاكس للانتخابات التشريعية التي انطلقت بكثافة ثم تراجعت نسبة التصويت فيها.

هذا المشهد ظهر في بعض مراكز الاقتراع في العاصمة تونس، التي بدأت تشهد ظهراً نسقاً تصاعدياً في عدد المقترعين، بعدما كان الإقبال صباحاً ضعيفاً مقارنة بالانتخابات التشريعية.

ولاحظت "العربي الجديد" في أحد مكاتب الاقتراع في منطقة مقرين الواقعة في الضاحية الجنوبية للعاصمة، أن الحضور الأبرز في عملية الانتخاب كان للمسنين والكهول الذين توافدوا على الرغم من الحالة الصحية لبعضهم، والذين استعانوا بأقربائهم للوصول إلى مكاتب الاقتراع.

واعتبر العوّادي الناصري، الذي عايش فترة الاستعمار، في حديث لـ "العربي الجديد"، يوم أمس تاريخياً في حياة التونسيين، معرباً عن سعادته لمشاركته بالتصويت "لأنه يشعر أن هذه الانتخابات هي أول انتخابات رئاسية في تاريخ تونس، وتعبرّ عن إرادة التونسيين".

أما يسرى غزواني فقالت لـ "العربي الجديد" إنّ الانتخابات حدث مميز ومناسبة لن تتكرر إلا بعد خمس سنوات، معتبرة أن التونسيين سيختارون رئيساً يعيد إلى البلاد استقرارها، وينقذها من المخاطر المحدقة بها. وأضافت "لا نريد رئيساً يجلس على الكرسي فقط، بل يجب أن يقوم بإصلاحات جوهرية ويعيد إلى البلاد استقرارها وأمنها".

من جهته، شدد نادر الرحموني على أنّ الانتخابات واجب، وأن على التونسيين الاقتراع مهما كانت الظروف لأنهم سيصوتون لمستقبل تونس، مشيراً إلى أنّ الإقبال بدا ضعيفاً مقارنة بالانتخابات التشريعية.

وأكد لـ "العربي الجديد" خلال وقوفه أمام مركز اقتراع في انتظار دوره، أنه حسم خياره ولديه مرشح يرى أنه الأجدر لقيادة المرحلة المقبلة.

أما خديجة بن قارقة فأعادت ضعف الإقبال خلال ساعات الصباح بإجراء الانتخابات يوم الأحد وهو يوم عطلة وراحة للتونسيين، متوقعة أن "ساعات الظهيرة ستشهد توافداً أكبر للتونسيين".

وقالت لـ "العربي الجديد": "نحن ننتخب من أجل أن يكون لدينا رئيس بمستوى تطلعات التونسيين"، آملة "أن يكون الشخص الذي اختارته في مستوى تطلعاتها وألا يخذلها، ويطبّق ما وعد به في خطاباته".

أما حمدة شعيب فوصف أجواء الانتخابات بالجيدة، مضيفاً أنه تذكر فترة الاستعمار والمراحل التي مرّت بها تونس وصولا إلى هذا اليوم، قائلاً إنه لم يكن يتخيل أنه سيعيش هذه التجربة وأن يمارس الانتخابات بكلّ ديمقراطية. وأكد لـ "العربي الجديد" أنه "لن ينسى هذا اليوم"، متمنياً "أن يكون الرئيس الذي سينتخبونه في مستوى تطلعاتهم وأن يقود البلاد نحو الأفضل".

من جهتها، وصفت لطيفة شعيب لـ "العربي الجديد" هذا اليوم بـ"التاريخي"، وقالت "نحن ننتخب من أجل الأجيال القادمة ومن أجل الأمان لأولادنا"، متمنية أن يكون مستقبلهم أفضل.

من جهته، أصر عبد الرزاق باشا على المشاركة في الانتخابات، على الرغم من أنه كان مريضاً وطلب الطبيب منه أن يركن إلى الراحة، فهو رأى أن التصويت واجب. واعتبر في حديث لـ "العربي الجديد" أن صوته مهم وسيرسم مستقبل تونس، متسائلاً كيف ستنجح تونس في مسارها الديمقراطي إذا لم يقم هو وغيره بهذا الواجب. كما قالت زوجته عواطف الدهماني باشا إنهم ينتخبون "من أجل تونس والأجيال المقبلة"، متمنية أن ينهض الرئيس الجديد بوضع الشباب والبلاد.

وشرح رئيس مركز الاقتراع في مدرسة مقرين العليا كمال قلولو لـ "العربي الجديد"، أنّ الإقبال على الاقتراع صباحاً كان أقل بكثير من السابق، ولكنه شهد تصاعداً وتحسّناً ملحوظاً، مرجحاً أن يكون المواطن التونسي قد اتعظ من الانتخابات التشريعية، حين توافد كثيرون منذ السابعة صباحاً وكانت الطوابير على أشدها، وبالتالي اختار التونسيون القدوم إلى مراكز الاقتراع على مهل.

أما عن التجاوزات التي شهدتها عملية الانتخاب، فأكد قلولو "أنها قليلة جداً مقارنة بالانتخابات التشريعية"، مشيراً إلى "أن الحوادث المسجلة حتى الآن عادية، مثل تنبيه البعض ممن كانوا يحاولون التأثير على الناخب بعدم الاقتراب من الناخبين"، لافتاً إلى أنّ "عدد المراقبين والملاحظين هو أيضاً أقلّ من الانتخابات التشريعية". واعتبر أن أغلب الناخبين اكتسبوا تجربة من الانتخابات السابقة، وبالتالي فإن المخالفات أقل.

ومهما تكن نتائج العملية الانتخابية، إلا أن المؤكد أن تونس استطاعت إحياء عملية انتخابية ديمقراطية بعد سنوات من حكم الحزب الواحد، ما يضعها على طريق التحوّل إلى دولة مدنية ديمقراطية حديثة.

المساهمون