تونس: الشاهد أمام الخيارات الصعبة ضدّ معارضة مبكرة

05 اغسطس 2016
الشاهد سيواجه معارضة شرسة (فتحي بلعيد/فرانس برس)
+ الخط -
بعد تكليف يوسف الشاهد رسمياً بتشكيل الحكومة التونسية الجديدة، يقفز حزب "نداء تونس" من جديد إلى صدارة الواجهة، ويسيطر بالتالي على الرئاسات الثلاث، الجمهورية والحكومة والبرلمان، من دون أن ترتفع أصوات هذه المرة، على غرار ما حصل بعد الانتخابات الماضية، لتتهم هذا الحزب بـ"التغوّل" ومحاولة السيطرة الكاملة على مفاصل الدولة. وهذه الاتهامات والمخاوف كانت قد سيطرت على المشهد السياسي التونسي بعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية الماضية، وأدّت إلى البحث المضني عن شخصية مستقلة عن الحزبين الكبيرين، "النداء" وحركة النهضة، أو قريبة من كل منهما، وهو رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد. غير أن المعارضة قررت الانسحاب من مشاورات تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بسبب "تعسف الرئيس الباجي قائد السبسي" في تسمية يوسف الشاهد. وقال المتحدث باسم حزب "المسار"، سمير بالطيب، إن حزبه شارك في الحوار بكل جدية لكن الائتلاف الحاكم "كانت له رغبة في القفز على المرحلة المفصلية لإنجاح مبادرة رئيس الدولة". وبالإضافة إلى "المسار"، انسحب من المشاورات كل من حركة الشعب والحزب الجمهوري.

ولن تكون هناك أية مبالغة في وصف المشهد الحالي بالتغيير الكليّ، إذ إن الاتهامات القديمة تحوّلت إلى مباركة واضحة، من كل أحزاب الائتلاف، وبعض الأحزاب والمنظمات الأخرى، لا سيما من طرف حركة النهضة، وفتح الطريق كاملاً أمام حزب "النداء". وكانت "النهضة" قد شجّعت منذ أسابيع، رئيس الدولة الباجي قائد السبسي، على تعيين قياديّ من "نداء تونس"، وبذلت في هذا الاتجاه مجهوداً إعلامياً واضحاً، بضرورة تحمل الحزب الأول ما بعد الانتخابات، لمسؤوليته كاملة وترشيح رئيس جديد للحكومة من بين قياديّيه. وبغض النظر عن نوايا "النهضة" في هذا الشأن، فإن الثابت أن "نداء تونس"، بسيطرته على الرئاسات الثلاث، سيكون في مواجهة صريحة مع التونسيين، وسيتحمل المسؤولية كاملة حين تأتي ساعة الحساب في الانتخابات المقبلة.

ولكن هذا الأمر لن يكون بالسهولة التي قد تتوقعها بعض الأطراف. وستكشف تشكيلة الحكومة الجديدة ما إذا كان السبسي والشاهد سينجحان في "توريط" حركة النهضة ودعوتها للمشاركة المكثفة في الحكومة، لتقاسم المسؤولية السياسية. وقد يبدو هذا الحديث سابقاً لأوانه، قبل ثلاث سنوات من الانتخابات المقبلة، لكن تحليل المتغيرات الجديدة، يقود إلى الاعتقاد بأن الحزبين يستعدان لذلك، وإنْ بطرق وأدوات مختلفة. وسيكون على "النداء" أن يسحب البساط من تحت أقدام كل منافسيه الذين يعوّلون على فشله في إخراج البلاد من أزمتها، لا سيما أمام المعطيات المعروفة للواقع الاقتصادي والاجتماعي التونسي.

وفي المقابل، سيكون أمام السبسي والشاهد ونداء تونس، أن يثبتوا قدرتهم على تحريك المياه الراكدة، وتغيير الوضع الراهن، على الرغم من صعوبة الأمر. كذلك، سيكون الشاهد، بشكل خاص، مطالباً بأن ينجح حيث فشل سلفه، لا سيما على مستوى التواصل مع التونسيين. ولم يكن السبسي يخفي انتقاده للصيد في هذه النقطة بالذات، ويعتبرها فشلاً مهماً عطّل الحكومة. لكن القدرة الاتصالية لن تكون كافية لتغيير حياة التونسيين، وإقناعهم بأن الوضع يتغير، وسيكون مطالباً ببثّ رسائل إيجابية وبسرعة عالية جداً، قبيل الامتحان المقبل، أي الانتخابات المحلية.


وتتمثل أولى استحقاقات الحكومة الجديدة في إعادة عجلة الإنتاج إلى مستواها الطبيعي، لا سيما في القطاعات الحساسة ذات المردودية العالية، وأولها قطاع الطاقة واستخراج الفوسفات. فهل سينجح الشاهد في هذه المسألة بالذات؟ وهل يستطيع أن يكرس رهان السبسي الانتخابي، المتمثل بعودة هيبة الدولة؟ وهل يتمكن من فرض الانضباط في الحوض المنجمي، ولو بالقوة؟

رئيس الحكومة السابق، الصيد، قبيل مغادرته الحكومة في جلسة منح الثقة، عاد إلى هذه النقطة بالذات، وأخبر التونسيين بأنه رفض تحويل مناجم الفوسفات إلى منطقة عسكرية، معتبراً أن معالجة مشاكل المنطقة لن تتم بهذه الطريقة. وطرْح الصيد لهذه الفكرة، أثار موجة سخط فورية في أوساط أحزاب المعارضة وزعماء المنطقة، وكأنه أراد أن يزرع ألغاماً أمام خلفه، الشاهد. غير أن الأخير أشار، باقتضاب، في كلمته بعد التكليف، إلى أن المشاكل التونسية في بعض المجالات ستحتاج إلى حلول غير تقليدية، وسيكون عليه أن يتسلح بكل ما يتوفر لديه، ولدى حزبه، ليغيّر المعطيات في الحوض المنجمي، نظراً لأهميته القصوى والمصيرية بالنسبة للاقتصاد التونسي، الذي سيكون محتاجاً لكل الإمكانات للخروج من الأزمة الحالية، وتفادي تهديد الإفلاس على مشارف سنة جديدة ستكون صعبة جداً على التونسيين، مع بداية فترة استخلاص الديون المتراكمة على الدولة.

ويتساءل التونسيون عمّا إذا كان الشاهد هو رجل المرحلة. ويشكك المعارضون في ذلك، لا سيما بعد انسحاب حزب المسار وحركة الشعب من المفاوضات أمس، ومن قبلهما الجبهة والحراك. غير أن الحقيقة هي أن المرحلة تحتاج إلى جبهة داخلية متماسكة، ولن يكون بإمكان رجل أو امرأة أو حزب لوحده، أن يحمل حلولاً لوضع شديد التعقيد والصعوبة. ويتضح جلياً أن المعسكرات الحزبية التونسية تحافظ على نفس مواقعها، إذ فشلت محاولات السبسي في توفير أرضية سياسية أوسع لحكومته الجديدة، وتأكد أن مبادرة الوحدة الوطنية لم تغير من التوازنات القديمة شيئاً مهماً، على الرغم من أنها قد تكسبه بعض الوقت القصير.

وسيكون الشاهد بالتأكيد أمام خيارات صعبة للغاية، ومحدودة بذات الوقت. فإما أن يتسلح بشجاعة في اتخاذ قرارات غير تقليدية بالفعل، مثلما قال، أو أن يعتمد الأساليب القديمة نفسها التي تبين أنها لم تنجح في إحداث فرق مهم في الأوضاع التونسية، ولكنه في كل الأحوال سيكون بمواجهة معارضة شرسة، بدأت تستعد منذ فترة للمعركة المقبلة.

المساهمون