تونس.. الدين والانتخابات الرئاسية

18 نوفمبر 2014

المرزوقي والسبسي وأربعة مرشحين في انتخابات الرئاسة التونسية (أ.ف.ب)

+ الخط -
اقتربت الانتخابات الرئاسية التونسية من نهايتها، وأخذت المنافسة بين أبرز المرشحين تشهد أقصى درجات الحرارة والصراع، خصوصاً أن المؤشرات تتجه نحو وضع التونسيين بين خيارين، تمديد العهدة للرئيس منصف المرزوقي أو التصويت لرئيس الحكومة السابق الباجي قايد السبسي، من دون استبعاد حدوث مفاجأة. وفي هذا المنعطف المهم للحملة الانتخابية، تم استحضار العامل الديني.
عندما فاز حزب نداء تونس، أحسّت أوساط محافظة بخوف من احتمال عودة النظام القديم، بنزعته الاستئصالية لظاهرة الإسلام السياسي، إلى درجة التورط في المساس بحرية المعتقد والتدين. وتستند هذه الأوساط على أن حزب نداء تونس يضم وجوهاً من الحزب الحاكم السابق المنحل، وأن بعضهم اعتبر فوز النداء في الانتخابات البرلمانية "انتصاراً على الرجعية والظلامية".
في هذا السياق المحموم، أخذت ردود فعل الأوساط المحافظة تتواتر، فقد أصدر أئمة مساجد بياناً، فهم منه محاولة لتوجيه الناخبين ضد المرشح السبسي الذي يذكّرهم بخصومتهم السابقة للرئيس الحبيب بورقيبة الذي قوّض سلطة الزيتونيين، عندما ألغى التعليم الزيتوني، وأخضع المؤسسة الدينية، بعد تحجيمها، لسلطة الدولة. وبعد البيان، راجت على الصفحات الإلكترونية لقطة فيديو تظهر الداعية السلفي، إبراهيم بالحسن، يمسك بيد المنصف المرزوقي في اجتماع انتخابي شعبي، وهو يزكيه ويرى فيه المرشح الأفضل للرئاسة. واستثمر هذه اللقطة الإعلام وعدة مرشحين وأنصار قايد السبسي، لشن هجوم مضاد، باتهام هذا الداعية وأمثاله بتجاوز الحياد ومخالفة الدستور الذي ينص على تحييد المساجد. واستغلت اللقطة للهجوم على المرزوقي، واتهامه بالتحالف مع السلفيين، وروابط حماية الثورة المحظورة، من أجل كسب الانتخابات.
هناك خشية من أن يصاب ربع الساعة الأخير من السباق الرئاسي بانزلاقٍ خطير نحو إفراغ الرهان الانتخابي من خصوصياته السياسية، وتحويله إلى معركة افتراضية مع الدين والتدين أو ضدهما، أي السقوط من جديد في الورطة التي حصلت في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. في حين أن مصلحة التونسيين تكمن في الدفع بسياسييهم وأحزابهم ومجتمعهم المدني نحو التصدي للتحديات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية التي لا تزال تهدد البلاد والثورة، وتجنب أي شكل من تغذية حرب أيديولوجية، تخلف وراءها دماراً على جميع الأصعدة الشخصية والفكرية والسياسية، ولن يترتب عنها تقدم أو تنمية.
هناك في تونس من يدفع في اتجاه تصعيد المواجهة، من جديد، بين الإسلاميين والعلمانيين، وذلك على الرغم من حسم الدستور في مسألة الهوية، وترك بقية التفاصيل للحوار أو التوافق أو الصراع السلمي والمؤسساتي. فالذين يحلمون بالعودة إلى مرحلة إقصاء خصومهم هم خارج الدورة التاريخية، ولم يدركوا بعد أن تونس تغيرت، وأن المنظومة القديمة تفككت، وإن بقي بعض أجزائها يشتغل داخل أجهزة الدولة وخارجها. لكن، المؤكد أن ملاحقة الإسلاميين، بسبب انتمائهم السياسي وطرق تفكيرهم، لم يعد أمراً مقبولاً، وتلك صفحة قد طويت نهائياً. يستثنى من ذلك من رفع السلاح في وجه الدولة، أو مارس العنف ضد المواطنين.
في المقابل، من حق أي داعية أن ينتخب من يراه أقرب إليه، أو يحقق له، ولتوجهه، مصلحة ما، لكن، عليه أن يفعل ذلك في الخلوة يوم الاقتراع. أما أن يعلن عن ذلك، داخل المسجد أو خارجه، فإنه يفتح باباً خطيراً لأن مكانته الرمزية تفرض عليه، في هذه المرحلة الانتقالية الحرجة، أن يبقى على المسافة نفسها من جميع المرشحين ومن كل الأحزاب. فإذا تحول إلى جزء من اللعبة السياسية، يخدم هذا الطرف أو ذاك، فمن شأنه أن يغذّي الصراع، ويعمّق الانقسام، ويعجل بعودة الحرب الباردة في بلد يريد أهله أن تستقر أحوالهم، ويبدأوا في جني ثمرات ثورتهم، قبل أن تجف وتسقط في الطريق، كما حدث في دول أخرى.
266D5D6F-83D2-4CAD-BB85-E2BADDBC78E9
صلاح الدين الجورشي

مدير مكتب "العربي الجديد" في تونس