يتجه حزب "نداء تونس" إلى تسمية المرشح المستقل، الحبيب الصيد، اليوم الإثنين، لرئاسة الحكومة التونسية العتيدة. ومن المفترض أن يقدّم "النداء"، الذي تصدّر الفائزين في الانتخابات التشريعية في 26 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، الاسم المقترح، إلى رئيس الجمهورية، الباجي قائد السبسي.
وعلمت "العربي الجديد" أن "النداء حسم أمره وسيعلن اليوم عن اسم رئيس الحكومة الجديد، بعد استيفائه المدة الدستورية، بسبب الخلافات المتعددة التي شابت المشاورات الداخلية حول هوية الشخصية التي ستتقلد هذا المنصب، وأيضاً بسبب تمنّع بعضهم وعدم حصول آخرين على إجماع الشركاء الجدد في الساحة السياسية".
وأكدت مصادر مطّلعة أن "كتلة النداء النيابية اجتمعت مساء أمس، الأحد، مع الهيئة التأسيسية للنظر في اسمين، أبرزهما الحبيب الصيد، بعد إعلان المرشح الأبرز، عبد الكريم الزبيدي، انسحابه من قائمة المرشحين". وشددت المصادر على أن "السباق انحصر بين الصيد ورئيس الحكومة السابقة مهدي جمعة (على الرغم من رفضه المنصب في وقتٍ سابق) والحبيب كراولي". وجزمت أن "الأمور تسير في اتجاه تعيين الصيد، على الرغم مما سيثيره من ردود فعل قوية كانت قد رافقت تعيينه في وزارة الداخلية بعد الثورة (2010)، بسبب انتمائه للمنظومة القديمة".
وأصبحت الطريق سالكة أمام الصيد، بسبب تردد الزبيدي، الذي أكد لـ"العربي الجديد"، أنه "غير متمسك بعدم توليه إدارة الحكومة الجديدة مع عدم ممانعته تولّي حقيبة وزارية ما، أو شغل منصب في دائرة دولية ممثّلاً لتونس". وأبدى عدم حماسته للمنصب.
فالزبيدي يُعتبر شخصية مستقلّة، يرفض أن يتدخل أحد من خارج الحكومة في شؤونها، وهو ما لا يحبّذه السبسي كثيراً، لأن حزبه يتحمل مسؤولية فشل أو نجاح الحكومة. كما أن الزبيدي متمسك بتعيين من يراهم مناسبين لمختلف الحقائب، وسيرفض الإشراف على تشكيلة معدّة سلفاً من طرف الأحزاب المتحالفة، بالإضافة إلى تمسكه الشديد بدخول "حركة النهضة" الحكومة إلى جانب "الاتحاد الوطني الحرّ" وحزب "آفاق" و"النداء"، من أجل ضمان مساندة كبيرة سياسياً للإجراءات الإصلاحية التي ستتخذها الحكومة، في الوضع الاقتصادي الصعب للغاية.
وألمحت بعض المصادر، القريبة من الزبيدي، إلى أن "تردده قد يعود أيضاً إلى عدم استعداده النفسي وعدم تشبثه بمثل هذه المهمات والمناصب، وغياب الطموح الشخصي فيها".
ولم تخفِ بعض المصادر، المعنية بالمشاورات الحكومية، أسفها لقرار الزبيدي، خصوصاً أنه يحظى بموافقة كل الأحزاب المعنية بالحكومة الجديدة، كـ"حركة النهضة"، التي أبدت قيادات بارزة فيها لـ"العربي الجديد" موافقتها على الزبيدي وثقتها فيه.
تراجع الزبيدي دفع ببعض الأسماء الأخرى إلى العودة للسباق مجدداً منذ أيام، مثل وزير التجهيز، الهادي العربي، الذي لا يحظى بإجماع، ووزير الصناعة، كمال بن ناصر، ووزير الدفاع، غازي الجريبي. وكذلك الفاضل خليل، الذي كان يتمتع بحظوظ حقيقية لتولي المنصب.
وأبدت بعض قيادات الأحزاب المشاركة في المشاورات انزعاجها من تأخر "النداء" في حسم الموضوع الحكومي، على الرغم من تقدم المشاورات حول هيكلة الحكومة وبروز بعض الأسماء المرشحة لتسلّم الحقائب. وتُعدّ حقيبة الداخلية من أهم الحقائب المطروحة، خصوصاً أنه يُرجح إسنادها إلى الصيد، الذي تولّاها سابقاً في حكومة السبسي الأولى، ثم واصل العمل "الأمني" مع حكومة حمادي الجبالي، مستشاراً للشؤون الأمنية. وقال قيادي بارز في "حركة النهضة"، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن "الحركة لا تمانع تعيين الصيد"، كما أكد محسن مرزوق، مستشار السبسي الجديد في قرطاج الأمر أيضاً.
وعلى الرغم من حظوظ الصيد المرتفعة، غير أن قيادياً بارزاً في "النداء"، من المجتمعين في منطقة الحمامات، رفض الكشف عن اسمه، أبدى قلقه حول الصيد، وهيكلية وزارة الداخلية العتيدة ومهمة الحكومة عموماً.
ولفت إلى أنه "لا بدّ من مراجعة هيكلية الداخلية، وإمكانية الفصل بين المهمتين الأمنية والسياسية إلى وزارتين". واقترح "إضافة حقيبة حكومية تعنى بالتواصل بين الحكومة والبرلمان، لأننا في نظام برلماني". كما اقترح إضافة بعض الحقائب "التي تتيح تواصلاً مرناً بين قرطاج (مقرّ رئاسة الجمهورية) وباردو (مقرّ مجلس النواب) والقصبة (مقرّ رئاسة الحكومة)".
ويُصرّ المجتمعون في الحمامات على أن تخضع كل مقترحات الحكومة الجديدة إلى مصادقة الكتلة النيابية، قبل عرضها، مع احتفاظها بحقّ التدخل والتعديل والاقتراح، وهو ما يبدو مشروعاً ديمقراطياً من ناحية، ولكنه لن يساهم بالتأكيد في حسم الأمر بالسرعة المطلوبة دستورياً خلال ساعات.
وذكرت مصادر مطّلعة لـ"العربي الجديد" أن "الطيب البكوش قد يتقلّد حقيبة الخارجية وهو منصب يتلاءم مع نفوذه وطبيعته، ويُرضي طموحاته ويقف دون تصدّع الحزب في آن".
وأفادت بعض قيادات "النداء"، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، بأن "جعبة السبسي لم تخلُ من حلول وأسماء وأن باب المفاجأة يبقى مفتوحاً، خصوصاً وأن تونس لديها كفاءات كثيرة يمكن أن تتولّى المنصب، ولكنها تبقى رهينة موافقة الحلفاء الجدد، تحديداً حركة النهضة، التي لا يُمكن بأي حال من الأحوال تجاوزها في هذا الموضوع".
وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد" عن أن "زعيم النهضة، الشيخ راشد الغنوشي، حسم مع السبسي موضوع التحالف، منذ أشهر، وقد لا يُظهر في التشكيلة الحكومية ولكنه يعطي للنهضة حق الرأي والموافقة على رئيسها وتشكيلتها وبرامجها، لضمان مساندتها الحكومة الجديدة، في مرحلة تستوجب توافقاً واسعاً حقيقياً في ظرف اقتصادي واجتماعي يتسم بالصعوبة".