ولم تكن أشغال الاختتام سهلة بتاتاً؛ ففي الوقت الذي ثمّن فيه بعض الضحايا التجربة، بدا آخرون غير راضين عن النتائج الختامية، فكانوا تارة يقاطعون التدخلات وتارة يثمنون بعض الكلمات، خاصة تلك التي ركزت على معاناتهم في فترة الاستبداد وعلى تحميلهم المسؤولية في مواصلة المشوار.
وبعد كلمات مؤثرة من أعضاء الهيئة تطرقت للإشكاليات وتجربة العدالة الانتقالية في تونس، أكد بعض المتدخلين الأجانب أنّ "التجربة، وبعد مرور 4 سنوات، تعتبر قيمة ومهمة، وهي مخاض طبيعي لإرساء ديمقراطية ناشئة ومسار للعدالة الانتقالية سينطلق الآن".
وقالت مسؤولة سيادة القانون وعدم التمييز بمكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان بجنيف، منى عشماوي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، إنّ مسار "العدالة الانتقالية عبارة عن رحلة استمرت 4 سنوات وتضمنت كمًا هائلًا من المعلومات، وما تم خلال أمس واليوم هو عرض للمعلومات والتجارب بطريقة استعرضت الأحداث التاريخية ومسائل عاشها البعض من الضحايا وأخرى مستمدة من ذاكرة الأهل".
وتوضح عشماوي أن "التعريف بما تم في الحقبات التاريخية المختلفة في تونس من 1956 إلى 2013 مهم، ويبقى السؤال في النهاية عن كيفية المرور من التاريخ إلى المستقبل، وهو ما يحتاج إلى خطة ووضوح في الرؤيا".
وبيّن رئيس لجنة المصالحة والتحكيم بهيئة الحقيقة والكرامة، خالد الكريشي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "الهيئة أنهت عهدتها الموكولة لها قانونًا، بعد أن أنجزت آليات العدالة الانتقالية من تحكيم ومصالحة وحفظ الذاكرة، وستسلم التقرير الختامي إلى الرؤساء الثلاثة بداية من يناير/ كانون الثاني 2019 ومطلوب من مكونات المجتمع المدني متابعة تنفيذ التوصيات النهائية".
ولفت الكريشي إلى أن "الهيئة اشتغلت في ظروف صعبة ومناخ معادٍ للعدالة الانتقالية، ورغم ذلك، واصلت أشغالها، وكان هناك إصرار على إنهاء مهامها تحقيقًا للعدالة الانتقالية، وإنجاح الانتقال الديمقراطي"، مبينًا أن "عمل الهيئة بشري، وقد يتضمن نقائص، ولا يمكن أن يحوز على رضى الجميع، وبالتالي وجب الاعتذار لمن يرى أن حقوقه هضمت من قبل الهيئة أو أن نتائج أعمال الهيئة لم تنصفه، ولا بد من مواصلة المسار من أجل تونس، ولعدم تكرار التجاوزات التي حصلت في الماضي".
ويؤكد الناشط مصدق عبد الحق من المغرب أنه "ساهم في تجربة العدالة الانتقالية بالمغرب والتي انطلقت في 2004، واستمرت لمدة 22 شهرًا"، مضيفًا لـ"العربي الجديد" أن "تنفيذ توصيات الهيئة المغربية لا يزال متواصلًا، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان مؤتمن على متابعة تنفيذ التوصيات".
ويضيف أنه "سبق أن تم عرض التجربة المغربية على أعضاء هيئة الحقيقة والكرامة بتونس"، مبينًا أن "لكل تجربة سياقها وخصوصياتها، إذ إنه تم الاشتغال في التجربة المغربية على نار هادئة، وكان لديهم الكثير من الوقت، في حين أن التجربة التونسية عملت تحت ضغط كبير؛ الثورة من جهة وسقف المطالب وانتظارات الضحايا التي تعتبر كبيرة من جهة أخرى، وبالتالي لكل تجربة سياقها ونتائجها".
ويلفت إلى أن "الهيئة ختمت أشغالها رغم كل الصعوبات، ولا بد للمجتمع المدني والسياسي مهمة من متابعة تنفيذ التوصيات".
وتبين عضو هيئة الحقيقة والكرامة، علا بن نجمة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّه تم تحويل المساءلة والمحاسبة إلى القضاء، وتحميل جبر الضرر وحفظ الذاكرة الوطنية وتقديم توصيات للبرلمان والحكومات لتنفيذها، مشيرة إلى أن العمل كان مهماً وشمل فترة طويلة، تقريبًا أكبر فترة للجان الحقيقة، وعدد الملفات المودعة وصل إلى ألف ملف، وتم العمل ليلًا نهارًا بمجهودات بسيطة، وما تم التوصل إليه، رغم بعض التقصير، لا يمكن تحقيق أكثر منه، على أمل أن يحسن استثماره ويتم المرور إلى الديمقراطية المنشودة".
وترى أنه "لا بد من إصلاح المؤسسات وتعزيز استقلال القضاء، لأن الأمانة سيتسلمها القضاء، وبالتالي لا خوف عليها"، على حد تعبيرها.