في 23 من تموز/ يوليو الجاري، قضت محكمة في تونس العاصمة بحبس الكاتب التونسي توفيق بن بريك (1961) لمدة سنة على خلفية تصريحات كان قد أطلقها في 2019 اعتبرت "اعتداء على هيبة القضاء".
لم تتأخر الأصوات المطالبة بالإفراج عن صاحب رواية "اللص"، في مشهد يذكّر بحملات مماثلة حدثت في تونس قبل "ثورة 2011" حين كان بن بريك أحد أكثر الأقلام مشاكسة لنظام بن علي، وتعرّض لاعتداءات عدة بدأت في 1988 حين طرد من الصحيفة الحكومية التي كانت يعمل فيها.
لكن أشهر حادثة تضييق ضدّه في عام 2000 حين سُحب جواز سفره، ليخوض بعد ذلك إضراب جوع سلّطت عليه الصحافة الدولية والمنظمات الحقوقية الأضواء مما ضغط على نظام بن علي لإعادة حقوقه. وكانت آخر الاشتباكات مع السلطة في 2009 حين حُكم عليه بالسجن لمدة ستة أشهر بعد إدانته بتهمة التهجّم على امرأة في الشارع وهو ما اعتبره بن بريك قضية ملفقة، ورغم الحملة الدولية الجديدة لإسقاط الحكم ضدّه قضّى الكاتب التونسي مدة عقوبته ليخرج قبل شهور قليلة من اندلاع الثورة (منتصف كانون الأول/ ديسمبر 2010).
هذا "المسار"، أتاح لبن بريك موقعاً في مرحلة ما بعد الثورة كأحد صنّاع الرأي فأطلق جريدة بعنوان "ضد السلطة" كانت قريبة من أقصى اليسار أو بالأحرى إلى النزعة الفوضوية، لكنها توقّفت بعد أشهر من إطلاقها لأسباب مادية ودون أي إشكاليات مع أجهزة الدولة، ليستمر حضور بن بريك على المستوى الإعلامي من خلال فقرات قارة كانت تخصصّها له قنوات تلفزيونية للتعليق على الشأن السياسي، واتسمت جلّ تدخّلاته بالحدة والسخرية من السياسات المتبعة.
مثل شخصيته وانتماءاته السياسية هناك صعوبة بتصنيف قضية بن بريك
بدا بن بريك وكأنه قد انتقل إلى ضفة سياسية جديدة قبيل انتخابات 2014، حين شارك في الحملة الرئاسية لرجل الأعمال نبيل القروي، والذي طاولته خلالها أحكام قضائية متعلقة بالفساد اعتبرها أنصاره توظيفاً لأدوات الدولة لضرب الخصوم السياسيين، وفي هذا الإطار كانت تصريحات بن بريك المنتقدة للقضاء.
القضية الجديدة لصاحب "الإخوة هَملت" تضعنا أمام إحدى مفارقات الزمن الديمقراطي؛ فمن جهة هي استقواء من السلطة القضائية على حرية التعبير، ومن جهة أخرى تتضمّن "اعتداء لفظياً" من مثقف على جهاز سيادي لا تستمر الدولة دون فرض هيبته.
هكذا، ومثل شخصيته وانتماءاته السياسية (وحتى الأدبية) هناك صعوبة في تصنيف قضية بن بريك، من أي وجه نأخذها، وكل منطلق يؤدّي إلى نتائج معروفة سلفاً، إنه صراع متجدّد بين الدولة والمجتمع المدني يتجلي في كل مرة عبر مفردات جديدة ومن كل زاوية يختلط المعتدي بالضحية. فهل نعرف أي حدود لحرية التعبير في تونس؟ وهل نعلم أيّ حدود للقضاء كسلطة في المجتمع؟
أسئلة لن نجد إجاباتها، لأن الزمن الديمقراطي في تونس أدخل الجميع في نسق عال من الحوادث والسجالات (لن تكون قضية بن بريك آخرها) من دون أن يرافق ذلك تفكير أو نظر في التركيبات العميقة للواقع الجديد بما فيه من تناقضات وتابوهات متضاربة.