توريط أوباما وتفخيخ العراق

11 مايو 2015

أوباما في مكتبه في البيت الأبيض (19نوفمبر/2014/Getty)

+ الخط -
أقرت لجنة القوات المسلحة في مجلس النواب الأميركي مشروع قانون "تفويض الدفاع الوطني لعام 2016"، أثار انتقادات واسعة داخل واشنطن وخارجها. تركزت على شق واحد منه، هو المتعلق بتسليح السنّة والأكراد، على الرغم من أن هذا الجزء يحتل النصف الثاني فقط من المشروع، بينما ينص النصف الأول منه، بوضوح، على ضرورة أن تشرك الحكومة العراقية المكون السني في السلطة ومؤسسات الحكم. وذلك في غضون ثلاثة أشهر من صدور القرار. وهذا هو الجزء الأهم الذي يمثل اعترافاً أميركياً بأن ثمة خللاً فادحاً في معادلة السلطة والحكم في العراق. بل يعني ما هو أبعد من ذلك، هو أن الحكومة العراقية مسؤولة عن هذا الخلل، أو على الأقل تستطيع تصحيحه، وهذا ما يطلبه منها مشروع القانون الأميركي الجديد بوضوح. وهذا الاتهام صحيح، لكنها مغالطة مفضوحة أن يصدر من واشنطن، فهي شريك أصيل في تطورات الوضع العراقي منذ الاحتلال عام 2003. لذا، يجب أن يؤخذ هذا الجديد الأميركي في سياقين أساسيين: أولهما السياق الداخلي في الولايات المتحدة الأميركية. وثانيهما مستجدات المشهد العراقي.

أميركياً، من تقدم بمشروع القانون هو السناتور الجمهوري، ماك تورن بيري. وبدا واضحاً من المناقشات التي أحاطت بعملية تقديم مسودة المشروع، والمداولات بشأنه بين الجمهوريين والديمقراطيين، أن العامل الحزبي حاضر بقوة في حسابات هذه الخطوة، وأن المستهدف منها ليس العراقيين وحدهم، وإنما أيضاً إدارة أوباما والحزب الديمقراطي في النطاق الأوسع. والفكرة هنا تهيئة الأجواء تشريعياً وسياسياً، لتوريط إدارة أوباما في خطوات وتحركات خارجية، لا تغلق الملفات المفتوحة، بل تزيدها اشتعالاً وتعقد الخيارات المتاحة أمام أوباما. بحيث يكون أي بديل يختاره في غير صالحه، بكشف الحساب النهائي لإدارته الديمقراطية، ما ينعكس سلباً على الحزب الديمقراطي في الحملة الانتخابية الرئاسية المقبلة قريباً. ومما يؤكد هذا التحليل أن الكونغرس الأميركي ناقش قانوناً آخر، يقضي بمراجعة أي اتفاق، تبرمه إدارة أوباما مع إيران بشأن برنامجها النووي. ولا يعتبر هذا الاتفاق سارياً إلا بموافقة الكونغرس عليه بعد مراجعته.

عراقياً، أفضت الحرب على داعش وما تطلبته من حشد للجهود واستعداء لأطراف وقوى من داخل العراق وخارجه، إلى تعميق الخلل الحاصل في مصفوفة القوة، وبالتالي معادلة السلطة والحكم في العراق. ووصل هذا الخلل إلى وقوع أحداث العنف وعمليات التصفية المذهبية على أيدي الميليشيات الشيعية المسلحة التي اغترّت بمكاسبها الميدانية، واتساع نطاقات تمركزها على الأرض، وغض الطرف عن ذلك من جانب بغداد وواشنطن، ما أثار غضب القوى السنية، وبدأ موقف العشائر يتغير، تأثراً بما يتعرض له السنة في بعض المناطق.

من هنا، جاء النص على ضرورة توسيع مساحة إشراك السنة في الحكم في العراق، لاستيعاب هذا المكون سياسياً والحفاظ عليه ضمن التحالف المضاد لداعش، غير أن ربط تلك الخطوة بمهلة ثلاثة أشهر، وإلا تنتقل واشنطن إلى الشق الثاني من مشروع القانون، وهو تسليح السنة والأكراد، أمر يدعو إلى التساؤل، بل والارتياب، إذ ليس من المتصور أن يصبح السنّة شركاء في الحكم في تلك الفترة القصيرة، كما أن واشنطن تملك من الأوراق والقدرات ما يكفل لها الضغط على حكومة بغداد، لتنفيذ هذا المطلب، من دون الحاجة إلى عملية التسليح تلك، خصوصاً أن التسليح ليس بديلاً عن الاستيعاب السياسي، ولا رابط فعلياً بينهما، إلا إذا كانت الفكرة هي إما الائتلاف والتواؤم سياسياً أو الاختلاف والصراع عسكرياً. وإذ تدرك واشنطن جيداً أن التوافق السياسي في العراق يتراوح بين صعب إلى مستحيل، فإن مغزى ذلك القانون يذهب، بالضرورة، إلى جرجرة أوباما إلى مزيد من الورطات في المنطقة، وتفجير الموقف الداخلي في العراق.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.