توجّه "تحالف ميركل" لتقييد النقاب: العين على الانتخابات الألمانية

20 اغسطس 2016
تناغمت تصريحات ميركل مع وزير الداخلية بشأن النقاب (Getty)
+ الخط -
باتت قضايا الإرهاب، والاندماج، والنقاب، والبوركيني  (لباس بحر ترتديه المسلمات ويغطي كامل الجسد) من الأسلحة القوية في خطاب اليمين المتشدد في ألمانيا وعموم دول الشمال. فما جرى في فرنسا، وتحديداً في جزيرة كورسيكا التي شهدت خلافات، أخيراً، بعدما منعت لباس البوركيني، ليس بمعزل عما يجري شمالاً. وعلى الرغم من تصريحاتها المتتالية عن تمسكها بسياسة اللجوء التي اتبعتها، وجدت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل نفسها مضطرة لإطلاق تصريحات كالتي أشار إليها وزير الداخلية الألماني، توماس دي ميزيير، حول النقاب، بعدما لمست تراجعاً في شعبيتها وشعبية تحالفها الحاكم (الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي) في الانتخابات المحلية في مارس/آذار الماضي.

ودعا دي ميزيير، أمس الجمعة، في ختام اجتماع مع نظرائه المحليين المحافظين، إلى "منع جزئي" للنقاب، ولا سيما أثناء القيام بمعاملات إدارية وفي قاعات الدروس في ألمانيا. أمّا المستشارة، فعبّرت عن رأيها وهي تجوب الولايات الألمانية لإعادة التوازن لشعبيتها وتحالفها قائلة، "وفقاً لي، فإن المرأة المنقّبة بالكاد لديها فرصة للاندماج في ألمانيا".

وتناغم تصريح الوزير مع ما قالته ميركل حول "معوقات الاندماج" للمنقبات، أول من أمس الخميس، إذ ربط بين الأمن والاندماج في مقترحه لمنع النقاب بالقول، "نحن متفقون بأنه يجب منع النقاب، متفقون على طرح قانون يطالب الناس بإظهار وجوههم من أجل ضروريات التعايش". لكن ميركل، وعلى الرغم من انتقادها للنقاب في الأماكن العامة تجد نفسها أمام معوقات سياسية ودستورية ـ قانونية في فرض منع النقاب كلياً في ألمانيا.

وحاولت في تصريحاتها، يومَي الأربعاء والخميس، التخفيف من محاولات الربط بين اللاجئين والإرهاب بالقول "ظاهرة الإرهاب الإسلامي لم تدخل البلاد مع اللاجئين، إنما هو أمر نعرفه سابقاً". وفي الوقت عينه، تمسّكت ببعض التوازن حين عبّرت عن دعمها الصريح لوزير الداخلية وخطواته في محاربة التشدد، كما جاء في مقترحات الأسبوع الماضي تحت عنوان "تعزيز أمن ألمانيا"، بنشر المزيد من قوات الأمن، والتلويح بسحب الجنسيات عمن يثبت تورطه في أعمال إرهابية.

وبعدما وجدت المستشارة الألمانية نفسها أمام تراجع حزبها المحافظ (الاتحاد الديمقراطي المسيحي) في الأشهر الأخيرة، والذي عزاه مراقبون إلى سياسة اللجوء التي انتهجتها ميركل منذ 2014، سعت لترميم شعبيتها. واعتمدت في هذه الهيكلة، منذ تفاقم أزمة تدفق اللاجئين في خريف 2015، على تشديد في بعض القوانين، ومنها لمّ الشمل، والترحيل السريع وفق مقترحات مستحدثة، فضلاً عن تصريحات غير معتادة منها ومن أقطاب تحالفها الحاكم. وعلى الرغم من ذلك، تحاول ميركل ألا تقع في مطبّ شعبوي باتهام اللاجئين بأنهم "سبب الإرهاب".





واضطرت ميركل للقيام بجولة في ولاية مكلنبورغ ـ فوربومرن، أقصى شمالي ألمانيا على بحر البلطيق، لقطع الطريق على اليمين المتشدد، وخصوصاً أن الولاية تضم أشخاصاً من أصحاب التوجهات النازية. ويحظى حزب "البديل لأجل ألمانيا" بشعبية مقلقة لميركل في الولاية التي تضم 1،6 مليون نسمة. وتشكل مكلنبورغ ـ فوربومرن صداعاً لميركل في انتخابات الخريف المقبل، بعدما أظهرت استطلاعات الرأي تقدماً واضحاً لـ"البديل" المعادي للمسلمين، بنسبة 20 في المائة، في حين حصل حزب ميركل على 5 في المائة فقط.

وتكمن أهمية هذه الولاية في أنها ستشهد مع العاصمة برلين انتخابات محلية في سبتمبر/أيلول المقبل، ويحكم تحالف الديمقراطي المسيحي والاجتماعي في الولايتين. ويخشى الحزبان من خسارة قد تكون مؤشراً على ما ستكون عليه نتائج انتخابات خريف العام المقبل. التراجع الحاصل في شعبية الحزبين يدفع بالمستشارة ونائبها سيغمار غابرييل للقيام بهذه الجولة الانتخابية ومحاولة إقناع الناخبين وطبقة رجال الأعمال بصحة السياسة التي ينتهجها التحالف الحاكم. اختيار هذه الولاية الشمالية، الألمانية الشرقية سابقاً، التي تحد براندبورغ، حيث ترتفع نسب البطالة، وبالتالي الجنوح نحو اليمين المتشدد، لم يخفف من هيمنة النقاش حول اللاجئين ومخاطر الإرهاب.

كما فجّرت قضية النقاب حالة الاختلاف بين التحالف الحاكم، بحسب ما ورد في وسائل إعلام ألمانية. ففي اجتماع برلين بين دي ميزيري ووزراء داخلية الولايات، مساء الأربعاء، خرج "الاجتماعي" باتهام قاس لشريكه "الديمقراطي" بأنه "يفجر قضية النقاب إرضاءً للناخبين في برلين، ومكلنبورغ ـ فوربومرن، وسكسونيا السفلى قبيل الانتخابات المحلية في سبتمبر/ أيلول المقبل". ومن الواضح، أن تلك الولايات ترغب بحظر كلي للنقاب في شوارعها ومؤسساتها على الرغم من أن النقاب غير منتشر، بشكل كبير، كظاهرة بين مسلمي ألمانيا.

ما يقلق المستشارة ميركل وتحالفها هو أن بعض الاستطلاعات تمنح حزب البديل لأجل ألمانيا 15 في المائة من أصوات الناخبين، مع تراجع ملحوظ للتحالف الحاكم. هذا السيناريو المطروح بوجه أكبر حزبين ألمانيين مخيف لمستشارة عيْنها على إعادة تعيينها في انتخابات برلمانية عامة تجري بعد عام من الآن. في هذا السياق، يطرح بعض المراقبين الألمان والأوروبيين سؤالاً حول ما إذا كانت أنجيلا ميركل بالفعل ستغامر وتترشح للمرة الرابعة على ضوء ما يجري من تحولات وتبدلات هذا الخريف أم أنها ستقرر الخروج من هذا السباق دون أن تشعر بهزيمة كاملة.