ووفقاً لمصادر عسكرية عراقية في بغداد، فإن استعادة مدينة الرطبة تم بتوافق عراقي ـ أميركي بعد إبلاغ عمّان بموعد الهجوم، تحسباً لتسرب إرهابيين إلى أراضي المملكة، ولاتخاذ الأردن الاستعدادات لهذا الأمر. وتشير المصادر لـ"العربي الجديد" إلى أن العملية لم يشارك فيها أي من فصائل مليشيات الحشد الشعبي مقابل الدعم الجوي الأميركي الذي حسم نحو 60 في المائة من المعركة قبل تقدم القوات البرية العراقية المشتركة.
وتزداد أهمية استعادة مدينة الرطبة العراقية التي ذاع صيتها إبان حرب الخليج الأولى عام 1980، إذ قصفت بغداد بصواريخ سكود تل أبيب من تلال المدينة الجنوبية، باعتبارها أقرب نقطة في البلاد إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكونها تمثل رابع مدينة بالأنبار التي يتم تحريرها، منذ مطلع العام الحالي، بعد الرمادي وهيت وكبيسة.كما يكتسي حدث استعادة الرطبة أهمية كبيرة على خريطة الصراع العسكري في العراق، فضلاً عن الاقتصادي، إذ أدى احتلال التنظيم للمدينة إلى إغلاق معبر طريبيل الحدودي بين البلدَين، والذي كان من بين أهم ثلاثة منافذ اقتصادية للعراق. وبلغ مجمل حجم التبادل التجاري فيه عام 2014، قبل اجتياح التنظيم المدن العراقية، نحو 11 مليار دولار سنوياً، فضلاً عن أهميته للأردن الذي كان يستقبل من خلاله شاحنات النفط الخام العراقي بأسعار منخفضة.
ويبلغ عدد سكان مدينة الرطبة نحو 100 آلاف نسمة، غالبيتهم من قبائل شمر، وعنزة، وزبيد، والقيسيين. وتمثل المدينة نقطة ربط بين الأردن غرباً، وسورية شمالاً، والسعودية جنوباً، إذ تتبعها مدينة النخيب وجديدة عرعر العراقيتَان المحاذية للأراضي السعودية. ومطلع العام 2011، أعلنت السلطات العراقية أنها اكتشفت كميات كبيرة من الغاز الطبيعي والنفط في المنطقة، فضلاً عن مناجم الفوسفات والزجاج. وتنافست شركات غربية على عقود استثمار فيها، إلا أن اجتياح تنظيم داعش للبلاد حال دون ذلك.
وعلى الرغم من سقوط معظم مدن الأنبار بيد التنظيم، بما فيها الحدود السورية، ظلّ معبر طريبيل صامداً بواسطة قوة عراقية صغيرة رفضت الاستسلام لأيام عدة، قبل أن تتقدم القوات الأردنية وتحشد قواتها على الحدود، وتوفد بغداد قوات إضافية بواسطة الطائرات إلى المنطقة لمنع سقوطه، كما حدث مع معبرَي الوليد والتنف الحدوديين مع سورية. وطيلة العامين الماضيين، حاول التنظيم إسقاط المعبر، إلا أنّ جميع محاولاته باءت بالفشل، لكن المعبر كان مغلقاً بسبب سقوط المناطق الأخرى بالأنبار، ومحاصرة التنظيم له من كل الجهات.
ويقول قائد قوات الجيش المسؤولة عن عملية تحرير الرطبة، اللواء علي إبراهيم، لـ"العربي الجديد" إن "مقاتلي داعش فرّوا من المدينة، وتعمل قواتنا، حالياً، على إزالة الألغام والمتفجرات"، مبيّناً أن "الخسائر لا تُذكر بالنسبة للقوات المشتركة، ونسعى لتأمين المدينة وتحصينها قبل الانتقال إلى المناطق المجاورة"، واصفاً استعادة الرطبة بـ"الإنجاز".
من جانبه، يقول رئيس الحكومة المحلية لمحافظة الأنبار، صباح الكرحوت، إن "تحرير الرطبة غيّر مجريات المعارك وقلب الموازين العسكرية لصالح العراقيين". ويضيف الكرحوت لـ"العربي الجديد" أن "استعادة السيطرة على المدينة سيعيد ربط بغداد مع العاصمة الأردنية عمّان سياسياً، وتجارياً وعلى مختلف الأصعدة"، لافتاً إلى أن "الخطوة المقبلة ستكون استئناف العمل بالمنفذ الحدودي قريباً"، على حدّ تعبيره.
بدوره، يوضح مدير عام المنافذ البرية الحدودية العراقية، اللواء سامي السوداني، لـ"العربي الجديد" أن "مساحة 114 كيلومتراً يتم تطهيرها من التنظيم، حالياً، على يد قوات الأمن التي تربط المنفذ الحدودي مع الطريق الواصل إلى بغداد"، مبيّناً أن "ما حدث تطور كبير، خصوصاً بالنسبة لمدينة مثل الرطبة".
وأعلن قائد حرس الحدود العراقي في المنطقة الغربية، اللواء الركن عمار الكبيسي، أمس الأربعاء، تأمين المنفذ بالكامل وفتح الطرق والمناطق المحيطة به، بدءاً من الشريط العراقي الأردني الحدودي لغاية مفرق مدينة الرطبة المحرّرة. وأضاف الكبيسي أن القوات العراقية أمّنت المنفذ ونشرت نقاطاً للتفتيش وقوات من حرس الحدود على طول الطريق الواصل بين مدينة الرطبة والمنفذ". وأوضح أن "القطعات العراقية من حرس الحدود تسيطر حالياً على منفذ طريبيل مع الأردن وتؤمنه بشكل كامل، فيما تقوم القوات العراقية بتطهير الطريق الرابط بين المنفذ ومدينة الرطبة الحدودية".