تمييز ضد الصينيين... العنصرية أخطر من فيروس كورونا

07 فبراير 2020
صاروا مستهدفين اليوم (العربي الجديد)
+ الخط -
مع تفشّي فيروس كورونا الجديد انطلاقاً من مدينة ووهان في إقليم هوبي بوسط الصين، راح يُسجَّل تمييز بغيض تجاه الصينيين والآسيويين عموماً في أنحاء مختلفة من المعمورة.

قبل أيام، في أحد فروع سلسلة مقاهٍ شهيرة في الدنمارك، رفضت شابة كوب القهوة الذي قدّمه لها النادل الصيني، بحجّة أنّه لا يضع قناعاً واقياً على وجهه ولا يرتدي قفّازَين. والنادل الشاب الذي يتابع دراسته في الدنمارك، شعر بإهانة واستغرب تصرّف الشابة الدنماركية التي ألقت الكوب أمامه في سلّة المهملات.

وعلى الرغم من أنّها عادت لتعتذر منه بسبب تصرّف أتى على خلفية حالة هلع من جرّاء فيروس كورونا الجديد، فإنّ ما حصل يترجم ببساطة ما يُحكى عنه من "عنصرية" راحت تنتشر بأشكال مختلفة بالتزامن مع تفشّي السلالة الجديدة من الفيروس. ويطاول ذلك الآسيويين، والصينيين خصوصاً، في دول مختلفة، انطلاقاً من معتقدات خاطئة تحمّل العرق الأصفر وعاداته وتقاليده ومطبخه مسؤولية تشكّل الفيروس الجديد.
ويُترجم ذلك أيضاً في طريقة تغطية بعض وسائل الإعلام هذه القضية التي أعلنتها منظمة الصحة العالمية قبل أسبوع "حالة طوارئ صحية عامة تثير قلقاً دولياً"، بالإضافة إلى انتشار كمّ هائل من الشائعات على وسائل التواصل الاجتماعي حول طبيعة كورونا الجديد وأسبابه.



في خلال شهر يناير/ كانون الثاني المنصرم، مع تخطّي فيروس كورونا الجديد حدود الصين، وجد الصينيون أنفسهم أمام أزمة من نوع آخر. فإلى جانب محاولات السلطات في بكين للتخفيف من وطأة انتشار الفيروس ومن المخاطر ذات الصلة المحدقة بشعبها، راح التمييز يتزايد بأشكاله المختلفة، حتى في دول تعدّ كلّ ما يُصنَّف في خانة العنصرية والتمييز أفعالاً غير مقبولة. على سبيل المثال، نشرت صحيفة "يولاندس بوستن" الدنماركية رسماً لعلم الصين بأسلوب تهكمي، مستبدلة نجومه بأشكال ترمز إلى فيروسات.
وعلى الرغم من الاحتجاج الصيني في كوبنهاغن، ورسمياً عبر سفارة بكين، فإنّ جهات دنماركية راحت ترفع لواء "حرية التعبير". فصحيفة "بوليتيكن" رفضت الاحتجاج الصيني وكذلك تقديم الاعتذار الرسمي، ناشرة بدورها رسمة العلم الصيني نفسه كما المؤسسة الزميلة، إنّما هذه المرة على الغلاف وبحجم كبير، مؤكدة أنّ "لا إهانة في رسم العلم الصيني بهذا الشكل".

هكذا وجد الصينيون أنفسهم، في فترة زمنية من المفترض أن تكون مبهجة بالنسبة إليهم، نظراً إلى وقوع رأس السنة الصينية في هذا الوقت، في مواجهة عنصرية بغيضة في دول سجّلت إصابة أو اثنتَين بالعدوى وفي أخرى لم تسجّل أيّ إصابة. وأتى ذلك أسرع من وتيرة تفشّي فيروس كورونا الجديد بنفسه، فاستُهدف الصينيون، لا بل الآسيويين جميعاً بسبب التشابه في ما بينهم أو بالأحرى بسبب النظرة الشمولية إلى أبناء العرق الأصفر.

"أنا لست فيروساً"
في نهاية الأسبوع الماضي، اضطر رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو إلى التدخل شخصياً بعد موجة من العنصرية التي طاولت أفراداً في جالية صينية ضخمة في بلاده. وتطرّق ترودو خلال مشاركته باحتفالات رأس السنة القمرية إلى هذه القضية، بعدما انتشر ذعر وكذلك أحكام مسبقة إزاء الصينيين والآسيويين على خلفية فيروس كورونا الجديد، فعبّر عن تضامنه مع مواطنيه من أصول صينية، علماً أنّ كندا سجّلت فقط أربع إصابات بالعدوى، بالإضافة إلى عدم إثبات ارتباط الفيروس بطريقة تناول الصينيين بعض المأكولات بحسب ما روّج ناشطون كنديون على مواقع التواصل الاجتماعي متهكّمين بعادات الصينيين الغذائية.

يُذكر أنّ موقف ترودو اختلف عن موقف سياسيين دنماركيين إزاء السخرية من علم الصين، فهؤلاء سارعوا إلى التعبير عن تضامنهم مع ناشري الرسم الذي سبق أن عدّه الصينيون مهيناً لهم كشعب ولبلدهم.

وما يتعرّض له الصينيون وكذلك مجموعات آسيوية مختلفة من مواقف تمييزية وعنصرية استناداً إلى الجهل والخوف والاستعلاء العرقي، يُسجّل في دول مختلفة حول العالم، سواء في أوروبا أو أميركا الشمالية أو أستراليا أو غيرها، وأبطاله عادة ناشطون على مواقع وسائل التواصل الاجتماعي.



في هذا الإطار، لم ينج مواطنون فرنسيون من أصول صينية من التعليقات التمييزية، ما دفع بعضهم إلى التعبير عن أسفه إزاء ما يحصل والذي طاول حتى تلاميذ مدارس من أصول آسيوية. وهو ما دفع شباباً من تلك الأصول في فرنسا إلى إطلاق وسم "JeNeSuisPasUnVirus#" (أنا لست فيروساً)، فهؤلاء أبدوا امتعاضهم من التعليقات التي وُصفت بالكريهة واستهدفت العرق الأصفر. يُذكر أنّ وسائل إعلام فرنسية تورّطت في ذلك، منها صحيفة "كورييه بيكارد" التي نشرت على غلافها صورة لامرأة صينية تضع قناعاً طبياً واقياً مع عنوان "الإنذار الأصفر"، كأنّ في ذلك استعادة للنظرة الاستعلائية والعنصرية في الولايات المتحدة الأميركية قبل أكثر من 150 عاماً عند وصول المهاجرين الصينيين الأوائل إليها.
وعلى الرغم من اعتذار الصحيفة وادّعائها أنّها لم تقصد الإساءة للصينيين والآسيويين، فإنّ مواطنين فرنسيين من أصول آسيوية نقلوا ما يواجهونه في الأماكن العامة، لا سيّما مع الملاحظات التي يتلقّونها وكأنّهم من تسبّب بالفيروس الجديد، ومرّة جديدة تُظهّر بعضاً من عاداتهم الغذائية في هذا السياق.

تمييز آسيوي
لكنّ ثمّة دولاً آسيوية متورّطة بموجة التمييز الأخيرة ضدّ الصينيين، بالإضافة إلى ما يأتي به مواطنون آسيويون من جنسيات مختلفة. وعلى سبيل المثال، وقّع أكثر من نصف مليون شخص على عريضة في ماليزيا تطالب بمنع دخول الصينيين إلى البلاد.

الهلع منتشر في كلّ أرجاء العالم (Getty)












كذلك الأمر في إندونيسيا التي رفض سكان في بعض من مدنها دخول الصينيين إليها. ومثال على ذلك تظاهر عدد من سكان مدينة بوكيتينغجي لمنع إقامة سياح صينيين في فندق "نوفوتيل"، فارتدوا أقنعة طبية واقية مردّدين هتافات ورافعين لافتات تعبّر عن عدم ترحيب بهؤلاء الصينيين وعددهم 170 سائحاً، بحجّة الخوف من انتشار فيروس كورونا الجديد. وقد اضطر السياح بالتالي إلى الانتقال إلى مدينة ثانية، غير أنّهم لم يجدوا كذلك أيّ ترحيب فيها. ويبدو أنّ حالة الهلع شبه معممة في إندونيسيا، وهو ما ظهر من خلال معاملة عمّال صينيين وصلوا حديثاً إليها للمساهمة في مشاريع إعمار مصانع في البلد.

وعن الهلع المسجّل في أكثر من بقعة، تقول الباحثة في شؤون الأقليات الصينية في جنوب شرقي آسيا، من جامعة سنغافورة، شارلوتا ستيجادي، وفقاً لما نقلته عنها صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، إنّ اتّخاذ مواقف تمييزية في حقّ الصينيين ليس قائماً على شعور بتهديد أيديولوجي أو سياسي فحسب، إنّما على مشاعر محدّدة وملموسة بالنسبة إلى كثيرين من الذين عبّروا سلبياً عن مواقفهم تجاه هؤلاء. أضافت أنّ آخرين عمدوا إلى ذلك انطلاقاً من شعور بالخوف غذّته وسائل إعلامية مختلفة.



وفي الإطار نفسه، راحت مطاعم ومؤسسات مختلفة، حتى في هونغ كونغ، ترفض استقبال صينيين بحجج تمييزية من قبيل "نريد العيش أطول، ونريد حماية زبائننا المحليين"، مثلما أعلن مطعم ياباني في هذه المنطقة الإدارية الخاصة التابعة لجمهورية الصين.
الأمر نفسه تكرر في سيول، عاصمة كوريا الجنوبية، مع إعلان مطعم أنّ "لا مكان للصينيين" أو "ممنوع دخول الصينيين" قبل أن يضطر إلى إزالة تلك اللافتة. وفي فيتنام، أعلنت بعض صالونات التجميل النسائية صراحة: "نعتذر عن استقبال النساء الصينيات بسبب فيروس كورونا".

ولعلّ القرارات التي اتّخذتها دول عدّة بمنع دخول الصينيين إلى أراضيها وإقفال الحدود أمامهم، في مقدّمتها الولايات المتحدة الأميركية وأستراليا، ساهمت وتساهم في تغذية التمييز ضدّ هؤلاء، الأمر الذي دفع السلطات الصينية إلى توجيه انتقادات إلى الدول المعنية.وقرارات المنع تلك أتت على الرغم من تأكيد منظمة الصحة العالمية في أكثر من مناسبة، على لسان أمينها العام تيدروس أدهانوم غيبريوس ومسؤولين آخرين، أنّ الفيروس الجديد لا يستدعي تقييد حركة السفر ولا التجارة ولا إقفال الحدود. وفي هذا الإطار، راح صينيون ينشرون على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، صوراً لهم في طائرات مع تعليقات من قبيل "لا أحد يرغب في الجلوس إلى جانبنا"، فيما وصف آخرون كيف عمد زملاء العمل إلى إطلاق نعوت عنصرية وتمييزية عليهم.

جدارية تنتقد الجهل في إيطاليا (فيليبو موتيفورتيه/ فرانس برس) 











وفي مواجهة ذلك التمييز الذي يتفاقم أكثر فأكثر، سُجّلت مبادرات عدّة إحداها في روما على شكل جدارية فنية ترفض هذا الهلع واستهداف الصينيين، مشددة على أنّ "ثمّة وباءً ينتشر هو الجهل... علينا أن نحمي أنفسنا منه". وقد أتى هذا رداً على تمييز انتشر كذلك في إيطاليا على خلفية أحكام مسبقة حول الآسيويين وإن كانوا مواطنين إيطاليين.

وفي إيطاليا كذلك، ذكرت صحيفة "لا ستامبا" أنّ بلديات عدّة يرأسها يمينيون متشدّدون في حزب "ليغا نورد" اقترحت منع الأطفال الذين زاروا آسيا حديثاً من الالتحاق بالمدارس والحجر الصحي عليهم، وهو الأمر الذي رفضته الحكومة المركزية في روما.
المساهمون