تمرّد الصورة السوريّة... وندمها

28 يوليو 2016
كانت صورته تحتل الشوارع (لؤي بشارة/فرانس برس)
+ الخط -
في السنوات الأولى للثورة السورية تماهت الموالاة في سورية مع رأس النظام السوري بشكل هوسي. انتشرت صور بشار الأسد في كل مكان، واحتلت صوره المختلفة التعريفات العامة عن الذات السورية الموالية. فصور بشار أصبحت دلالة على الانتماء الفردي الشخصي، وتماهٍ مع القائد الذي يعظمه الإعلام العام من جهة، ويُقدسه إلى حدٍ كبير الانتماء العصبوي الطائفي من جهة أخرى.
الإعلام يدفع الأسد إلى مرتبة الأسطورة، والشعور بالعصبة الطائفية يجعله منقذاً وأملاً وحيداً للخلاص.
في تواتر الأيام، وانتقال الصراع الثوري في سورية إلى طابعه المسلح، لم تُنتزع صورة بشار الأسد من ريادة الوجود البدئي لأهالي القتلى من الموالين، كان التماهي على أشده وضرورة الانتماء تدفع الموالين إلى حجب قيمة الابن المقتول، والدفع بقيمة التضحية التي قُدمت من أجل القائد المُفدى فلا تُوضع صورة الشهيد بل صورة الأسد. من هنا نجحت قناة الدنيا إضافة إلى التلفزيون الرسمي على مدار ثلاثة أعوام بإجبار أهالي القتلى بالإقرار على تمجيد الأسد والتوكيد على القيمة العظمى التي اجتنوها بتضحية فقيدهم من أجل الأسد. ولا بد أن نتحدث عن القيمة المعنوية التنافسية بين العائلات الموالية العلوية في السنوات الثلاث الأولى على تقديم الأضحيات بالأبناء من أجل النظام والعائلة الحاكمة. هنا في الجانب الموالي العلوي تحديداً، تدور الشهادة بمعناها الديني أسوة بالتنظيمات السلفية المقاتلة في سورية، الفارق الوحيد هو
الدلالة الاجتماعية التي كان الأهالي يُريدون امتلاكها في التماهي مع الأسد، فالتضحية من أجل القائد صنعت أوهاماً بأنه ستجعل الأهالي في مرتبة اجتماعية أعلى، أو أنها ستحصل على تقدير كبير من النظام أو مؤسسات الدولة.
كُل هذا قد اختفى في السنتين الأخيرتين من عمر الثورة والحرب، فلم يعد التلفزيون السوري أو القنوات الإعلامية تغطي الجنازات الفردية، ولا حتى الجماعية، فأصبح الموت واجباً للجميع دون أي فخر. من هنا برز تمرد الصورة الفردية، على صورة القائد الجمعية. بدءاً من الذوات الموالية على الصفحات الاجتماعية انتهاءٍ بالشوارع العامة والبيوت الخاصة والأحياء الشعبية وأهالي القتلى. لم يعد في الساحل العلويون يدفعون بصورة القائد بجانب قتيلهم، فقد الأسد معياريته العامة كضرورة للانتماء، فقد تحول الانتماء الإشهاري إلى الحالة الفردية الخاصة، الألم الذاتي والخسارة المؤلمة للشباب، على حساب الشخصية الأسطورية المُنقذة المُضحى من أجلها. صورة العسكري قتيل البيت أو قتلى البيت فقط (بعض العائلات فقدت أكثر من ثلاثة عساكر في الحرب) فقط، دون البُعد الغائي المُستثمر به من قِبل النظام. فلم يعد أحد يضع صورة أحد أفراد العائلة الحاكمة إلى جانب ابنه القتيل مثلاً، بل يضع صورة القتيل واسمه بصورة كبيرة، وبالكاد يوضع العلم السوري. هناك تمرد بالصورة على ضرورة الموت وغايته ورمزه الطغياني. وفي السنة الأخيرة يلجأ الكثر إلى نزع السلاح من يد العسكري المقتول في الصورة، وكأنه ندم داخلي على تمجيد الحرب، بعد التمرد على رمزها أي بشار الأسد ونظامه.
في تواتر الأيام فقدت صورة الأسد أحقيتها في الوجود اليومي، على حساب الوجود العميق للعائلات السورية الموالية، فقد الأبناء المفتوح بلا توقف، أثار اعتقاداً بأن الناجين يقلون على حساب الرمز الذي بات شنيعاً ومُزاحاً. تلجأ هنا المنظمة الأمنية إلى رعاية التمرد الإشهاري ولا تعترض عليه، من باب الاكتفاء بحيازة النظام للإعلام العام والخاص، والسيطرة على طرف انتاجاته الموجهة نحو الخارج، أما في العمق فالنظام فقد قوته الرمزية، ودلالته الغائية.


المساهمون