احتشد أهالي درعا مجدداً يوم الأحد، كنوع من التعبير عن رفضهم لتنصيب تمثال حافظ الأسد في مدينتهم مجدداً.
فهذه التماثيل التي يبتغي منها الأسد إعادة هيمنته بصرياً على البلاد؛ يبدو أنها بدأت تلعب دوراً عكسياً.
من المفارقات، أن هوية النحات الذي يشيّد التماثيل في سورية ليست مهمة على الإطلاق، لا يتم ذكرها عند إنشاء التماثيل أو تدشينها؛ فالخبر يتم تداوله من قبل إعلام النظام دائماً بالصيغة ذاتها: "تم تدشين تمثال جديد" لحافظ الأسد، أو أحد أقرانه. الخبر يأتي بصيغة الغائب دائماً، ليؤكد ذلك أن هوية الفنان القائم على العمل ليست مهمة أبداً، والأمر المهم حقاً هو ولادة تمثال جديد للأسد، وتكريس صورته باعتباره المكون الرئيسي للهوية البصرية في المدن السورية وساحاتها، التي تحتوي على هذه التماثيل، والتي يزيد عددها عن 300.
ففي سورية، قلما يتم وضع تمثال أو صرح لشاعر أو فنان أو شخصية تاريخية باستثناء أفراد العائلة الحاكمة، وفي حقبة حكم الأسد لم يتم تشييد سوى تمثال واحد لصلاح الدين الأيوبي على مدخل قلعة دمشق بالإضافة لعشرات التماثيل لحافظ الأسد وابنه الراحل باسل الأسد. ولا يوجد في دمشق سوى بعض التماثيل لشخصيات تاريخية مؤثرة تم تنصيبها قبل حكم الأسد، كتمثال يوسف العظمة في الساحة التي تحمل اسمه، والتمثال النصفي لابن رشد في كلية الآداب.
اقــرأ أيضاً
يعود السبب في ذلك إلى أن فن النحت كان أشبه بالتابو، إذ إن الإسلام كان قد حرّم تصوير الجسد البشري، وبسبب ذلك تم التخلص من كل التماثيل القديمة التي تعود إلى العصر الجاهلي؛ ولم يتم تفعيل هذا الفن مجدداً إلا في القرن الماضي، بعد أن استورد العرب الفنون الغربية كتأثير لعملية المثاقفة الكولونيالية.
وبالنسبة لنظام الأسد، فإنه أعاد لهذا الفن دوره القديم؛ فنحت التماثيل ونصبها بالساحات العامة لم يكن الهدف منه فنياً أبداً، ولم يكن يهدف لتكريم الشخصيات التاريخية والتذكير بدورها، بل كان له دور واحد فقط: هو تأليه الأسد، لتبدو هذه التماثيل الشامخة في ساحات المدن السورية وكأنها تلعب دور الأصنام، وتشير لفكرة الخلود، التي تم الترويج لها بشعارات حزب البعث الحاكم، الذي كان يحث أفراده على الهتاف: "إلى الأبد، إلى الأبد، يا حافظ الأسد"، والذي أطلق على حافظ الأسد لقب القائد الخالد.
عندما اندلعت الثورة في سورية سنة 2011، استهدف الناشطون السلميون تماثيل الأسد، وعمدوا إلى تخريبها وإزالتها، وفي يوم 25\3\2011 قام الثوار بإسقاط أول تمثال لحافظ الأسد في مدينة درعا، مهد الثورة السورية، وكان ذلك بمثابة صورة رمزية عن إسقاط النظام في المدينة. وسرعان ما انتقلت العدوى إلى باقي المدن السورية، وأسقط الثوار عدة تماثيل للأسد في حمص وحماة وإدلب، وغيرها.
في ذلك الوقت، كانت قوات النظام السوري تسعى جاهدة إلى الدفاع عن تماثيل الأسد، وكأنها تحمي ديانتها أو تحمي أصنامها. وفي ما بعد، قامت حكومة النظام السوري بإزالة بعض تماثيل حافظ الأسد من ساحات المدن السورية الثائرة بهدف حمايتها، كما فعلت في مدينة دير الزور، حيث أزالت التمثال الموجود في ساحة "السبع بحرات" وأعادته بعد أن سيطرت على زمام الأمور نهاية العام الماضي.
فعلياً، فإن النظام السوري عمد في الفترة الأخيرة إلى إعادة تدشين صروح وتماثيل لعائلة الأسد بعد أن ظن أنه قد تمكن من إخماد روح الثورة لدى ما تبقى من شعبه؛ وكانت أول عودة لتمثال حافظ الأسد، في سنة 2017، وبالتحديد في ساحة العاصي بمدينة حماة، وتزامنت عودة التمثال مع ذكرى مجزرة حماة الخامسة والعشرين؛ وذلك لأن النظام كان ينوي أن يعلن انتصاره الجديد من خلال التذكير بسحق خصومه في الثمانينيات، ليبدو وكأنه يسعى إلى نشر رسالة رمزية، أن النظام باقٍ ومستعد لارتكاب المزيد من المجازر للمحافظة على بقائه ورموزه.
وفي الوقت الذي كثر فيه الحديث عن إعادة الإعمار، بعد انتصار النظام عسكرياً على أعدائه، قام النظام السوري بتشييد تماثيل حافظ الأسد في المدن المنكوبة، ليبدو أن عودته الرمزية إلى تلك المدن هي من أولويات إعادة الإعمار.
اقــرأ أيضاً
انتصبت تماثيل حافظ الأسد أمام الدمار، لتشير تلك الصورة بطريقة رمزية إلى هوية القاتل.
وفي ضوء ذلك، فإن التعاطي مع تماثيل الأسد بوصفها منحوتات فنية يبدو أمراً صعباً، نظراً لثقل الرمزية فيها، ولكونها لا تحمل سوى طابع أيقوني، تأليهي. لكن فعلياً الأمر الذي حول هذه التماثيل إلى عمل فني هو ممارسة فعل التخريب فيها، كمنحوتة الأسد والحذاء، الموجودة في معرة النعمان، والتي أضيف فيها حذاء على تمثال الأسد، لتسلم بطابعها الأيقوني، ومن خلال تخريبها تكسبها بعداً فنياً يحتمل التأويل.
من المفارقات، أن هوية النحات الذي يشيّد التماثيل في سورية ليست مهمة على الإطلاق، لا يتم ذكرها عند إنشاء التماثيل أو تدشينها؛ فالخبر يتم تداوله من قبل إعلام النظام دائماً بالصيغة ذاتها: "تم تدشين تمثال جديد" لحافظ الأسد، أو أحد أقرانه. الخبر يأتي بصيغة الغائب دائماً، ليؤكد ذلك أن هوية الفنان القائم على العمل ليست مهمة أبداً، والأمر المهم حقاً هو ولادة تمثال جديد للأسد، وتكريس صورته باعتباره المكون الرئيسي للهوية البصرية في المدن السورية وساحاتها، التي تحتوي على هذه التماثيل، والتي يزيد عددها عن 300.
ففي سورية، قلما يتم وضع تمثال أو صرح لشاعر أو فنان أو شخصية تاريخية باستثناء أفراد العائلة الحاكمة، وفي حقبة حكم الأسد لم يتم تشييد سوى تمثال واحد لصلاح الدين الأيوبي على مدخل قلعة دمشق بالإضافة لعشرات التماثيل لحافظ الأسد وابنه الراحل باسل الأسد. ولا يوجد في دمشق سوى بعض التماثيل لشخصيات تاريخية مؤثرة تم تنصيبها قبل حكم الأسد، كتمثال يوسف العظمة في الساحة التي تحمل اسمه، والتمثال النصفي لابن رشد في كلية الآداب.
يعود السبب في ذلك إلى أن فن النحت كان أشبه بالتابو، إذ إن الإسلام كان قد حرّم تصوير الجسد البشري، وبسبب ذلك تم التخلص من كل التماثيل القديمة التي تعود إلى العصر الجاهلي؛ ولم يتم تفعيل هذا الفن مجدداً إلا في القرن الماضي، بعد أن استورد العرب الفنون الغربية كتأثير لعملية المثاقفة الكولونيالية.
وبالنسبة لنظام الأسد، فإنه أعاد لهذا الفن دوره القديم؛ فنحت التماثيل ونصبها بالساحات العامة لم يكن الهدف منه فنياً أبداً، ولم يكن يهدف لتكريم الشخصيات التاريخية والتذكير بدورها، بل كان له دور واحد فقط: هو تأليه الأسد، لتبدو هذه التماثيل الشامخة في ساحات المدن السورية وكأنها تلعب دور الأصنام، وتشير لفكرة الخلود، التي تم الترويج لها بشعارات حزب البعث الحاكم، الذي كان يحث أفراده على الهتاف: "إلى الأبد، إلى الأبد، يا حافظ الأسد"، والذي أطلق على حافظ الأسد لقب القائد الخالد.
عندما اندلعت الثورة في سورية سنة 2011، استهدف الناشطون السلميون تماثيل الأسد، وعمدوا إلى تخريبها وإزالتها، وفي يوم 25\3\2011 قام الثوار بإسقاط أول تمثال لحافظ الأسد في مدينة درعا، مهد الثورة السورية، وكان ذلك بمثابة صورة رمزية عن إسقاط النظام في المدينة. وسرعان ما انتقلت العدوى إلى باقي المدن السورية، وأسقط الثوار عدة تماثيل للأسد في حمص وحماة وإدلب، وغيرها.
في ذلك الوقت، كانت قوات النظام السوري تسعى جاهدة إلى الدفاع عن تماثيل الأسد، وكأنها تحمي ديانتها أو تحمي أصنامها. وفي ما بعد، قامت حكومة النظام السوري بإزالة بعض تماثيل حافظ الأسد من ساحات المدن السورية الثائرة بهدف حمايتها، كما فعلت في مدينة دير الزور، حيث أزالت التمثال الموجود في ساحة "السبع بحرات" وأعادته بعد أن سيطرت على زمام الأمور نهاية العام الماضي.
فعلياً، فإن النظام السوري عمد في الفترة الأخيرة إلى إعادة تدشين صروح وتماثيل لعائلة الأسد بعد أن ظن أنه قد تمكن من إخماد روح الثورة لدى ما تبقى من شعبه؛ وكانت أول عودة لتمثال حافظ الأسد، في سنة 2017، وبالتحديد في ساحة العاصي بمدينة حماة، وتزامنت عودة التمثال مع ذكرى مجزرة حماة الخامسة والعشرين؛ وذلك لأن النظام كان ينوي أن يعلن انتصاره الجديد من خلال التذكير بسحق خصومه في الثمانينيات، ليبدو وكأنه يسعى إلى نشر رسالة رمزية، أن النظام باقٍ ومستعد لارتكاب المزيد من المجازر للمحافظة على بقائه ورموزه.
وفي الوقت الذي كثر فيه الحديث عن إعادة الإعمار، بعد انتصار النظام عسكرياً على أعدائه، قام النظام السوري بتشييد تماثيل حافظ الأسد في المدن المنكوبة، ليبدو أن عودته الرمزية إلى تلك المدن هي من أولويات إعادة الإعمار.
وفي ضوء ذلك، فإن التعاطي مع تماثيل الأسد بوصفها منحوتات فنية يبدو أمراً صعباً، نظراً لثقل الرمزية فيها، ولكونها لا تحمل سوى طابع أيقوني، تأليهي. لكن فعلياً الأمر الذي حول هذه التماثيل إلى عمل فني هو ممارسة فعل التخريب فيها، كمنحوتة الأسد والحذاء، الموجودة في معرة النعمان، والتي أضيف فيها حذاء على تمثال الأسد، لتسلم بطابعها الأيقوني، ومن خلال تخريبها تكسبها بعداً فنياً يحتمل التأويل.