عادة لا يمكن للمحتجّين في مناطق صينية الاستمرار طويلاً في اعتراضهم، سواء في الشارع أو عبر وسائل الإعلام، أكانت تقليدية أو افتراضية. دائماً ما تقمع السلطات الصينية أي فكرة تعارض توجّهات السلطات في مهدها، وبقوة كبيرة. وتجلّى هذا الأمر في قمع تظاهرات التيبت المتكررة، وتحرّكات الأويغور في إقليم شينجيانغ في السنوات الأخيرة، وفي قمع ساحة تيان ان مين في العاصمة بكين بالدبابات عام 1989. الآن، تواجه الصين مساراً أكثر تعقيداً في هونغ كونغ. الإقليم الذي أظهر بوادر انفصالية، بعد إعادته إلى السيادة الصينية عام 1997، بات مسألة يستوجب حسمها بالنسبة للصينيين. فبعد نحو 5 سنوات على "ثورة المظلات"، التي أفرزت واقعاً معارضاً لتوجّهات بكين في هونغ كونغ، ثم موجة الاحتجاجات واسعة النطاق في الأسابيع التسعة الأخيرة، هددت الصين بوضع حدّ لهذه الاحتجاجات، مهما كان الثمن.
في عام 2014، قامت "ثورة المظلات" في هونغ كونغ، على خلفية إقرار قانون يسمح بتزكية الصين 3 مرشحين لرئاسة الإقليم، على أن تُسمّي بكين أحدهم رئيساً. وهو ما اعتبره المتظاهرون وقتها بمثابة محاولة لقمع استقلاليتهم. واظب المحتجون على ملء الشوارع رفضاً للقرار، قبل أن تقوم بكين بإرسال عصابات من المافيا الصينية اعتدت على المتظاهرين، الذين انكفأوا وتراجعوا، قبل أن تخمد ثورتهم.
"العقاب الصيني" بات معروفاً، بحسب الكاتب التايواني في مجلة "فورين بوليسي"، هيلتون ييب. فقد شرح ييب المسار الأمني الذي ستنتهجه السلطات الصينية في هونغ كونغ. وبعد إشارته إلى القمع الدموي الذي أقدم عليه "جيش التحرير الشعبي" (الجيش الصيني)، في التيبت وشينجيانغ، كشف أن الدور الأكبر سيكون للشرطة الشعبية الصينية، التي كانت تعمل في الأساس في حماية الحدود ومكافحة الحرائق والعمل في الغابات وقطاع الطاقة، قبل أن تتحوّل إلى قوة عسكرية مرادفة للجيش، قوامها 1.5 مليون عنصر يقومون بـ"الأعمال القذرة" التي جعلت الجيش أسير الانتقادات الدولية. الشرطة العسكرية تُحكم الطوق حالياً على التيبت وشينجيانغ، وموازنتها وعتادها وعديدها منفصلة عن الجيش، وهو ما منحها سطوة معيّنة.
للشرطة العسكرية الصينية مركز قيادة قبالة المراكز الحكومية في هونغ كونغ، غير أنه نادراً ما تتحرّك في الشارع، تاركة الأمر للشرطة المحلية. لكن المعطيات المستقبلية تشي بإمكانية تدخّلها لقمع التظاهرات. ففي 30 يوليو/تموز الماضي، ذكرت الولايات المتحدة، أن عدد عناصر الجيش الصيني ارتفع بشكل ملحوظ على الحدود مع هونغ كونغ، ومع أنه تمّ تبريره بتنظيم احتفال في مدينة غوانغزهو، البعيدة نحو 80 كيلومتراً عن الإقليم، إلا أن الأميركيين تحدثوا أيضاً عن وجود 20 ألف عنصر من الشرطة العسكرية على الحدود مع هونغ كونغ، التي تمّ تبرير وجودها أيضاً بتنظيم احتفال بمناسبة الذكرى الـ70 لتأسيس الحزب الشيوعي الصيني. مع ذلك، فإن واشنطن لحظت إمكانية استخدام هذه العناصر في أي لحظة، لقمع التظاهرات في هونغ كونغ، على الرغم من "تأكيد" السلطات في الإقليم وفي بكين على "ثقتهما" في قدرة شرطة هونغ كونغ على معالجة الوضع.
أمام الصين حل من اثنين: إما ترك التظاهرات في هونغ كونغ من دون ردّ، والاستناد على عامل الوقت وقدرات الشرطة المحلية، من دون التراجع عن التشريع المتعلق بتسليم المشتبه بهم لسلطات بكين، وإما الاستعجال بقمعها. الوقت عامل أساسي للصينيين. في حال ترك الأمور على حالها في هونغ كونغ، فإن الأميركيين سيواصلون ضغطهم بنشر الصواريخ، وستُدرك مقاطعتا شينجيانغ والتيبت أنه في وسعهما القيام بأمر مماثل لهونغ كونغ، وسيطالبان ربما بالحكم الذاتي أو الاستقلال. أما في حال الاستعجال، ستنجح الصين في السيطرة على هونغ كونغ، لكنها ستفتح باباً لتنديد دولي واسع النطاق، كما حصل إبّان أحداث ساحة تيان ان مين، وستجدها الولايات المتحدة فرصة لمزيد من الضغط وفرض الشروط. ستختار الصين الملف الأقل خسارة: قمع هونغ كونغ.