تكريم سمير فريد في برلين: مغامرة ناقد

06 فبراير 2017
سمير فريد (1943): تحليل وتأريخ وتوثيق (فيسبوك)
+ الخط -
يصعب اختزال السيرة المهنية للناقد السينمائيّ المصريّ سمير فريد (1943). أسباب ذلك عديدة، يكمن أبرزها في اشتغاله النقديّ على مدى 53 عاماً، يمضيها في متابعة دقيقة ويومية لأحوال صناعات سينمائية، تمتدّ من مصر إلى العالم، مروراً بالبقاع العربية المختلفة. بالإضافة إلى تشعّب اهتماماته، تحتوي كتبه الكثيرة على كمٍّ هائل من المعطيات والتحليل والقراءات، المنفلشة على أحوال السينما وصناعاتها العديدة، أفلاماً وسينمائيين ونقابيين ونقّاداً وممثلين، وقضايا وذكرياتٍ وتأريخ.
وهو، بهذا، يُثابر على تفعيل مقولةٍ متعلّقة بدور الناقد، مستشهداً بالأميركي تي. أس. إليوت (1888 ـ 1965)، ومُعتبراً معه أنه لا يتوجّه، بالمقالة النقدية التي يكتب، إلى الفنان، بل إلى القارئ المتفرّج، لعلّه يُلفت نظره إلى "أشياء تُساعده على تلقّي العمل الفني على نحو أفضل". كما أنه، بتحديده دور الناقد كما يراه ويُمارسه، يستعين بقولٍ للفرنسيّ جان ـ بول سارتر (1905 ـ 1980)، يُفيد بأن النقدَ لقاءٌ بين ثلاث حريات: حرية الناقد، وحرية المُبدع، وحرية المتلقّي.
وإذْ تضمّ غالبية كتبه مقالاتٍ منشورة في صحفٍ ومجلات، أو تؤلِّف نصوصاً تستعيد اختباراتٍ وتجارب مختلفة لشخصياتٍ ومسائل سينمائية؛ فإن اهتمامه بالتأريخ والأرشفة لن يكون أقلّ أهميةً من كتاباتٍ نقدية كثيرة، تكشف سلاسةً في التعبير، وبساطة في صوغ الجمل، وعمقاً في تفكيك المادة المُعالَجة وقراءتها. ذلك أنّ التأريخ والأرشفة أساسيان في مشروعه الكتابيّ، إنْ يكن موضوعهما مرتبطاً بالسينما المصرية ـ العربية، أو مفتوحاً على آليات الإنتاج، وقوانين الرقابة، والبناء الثقافي لسينمات مستقلّة، في مصر وأوروبا تحديداً. والكتابات ـ وإنْ ترتكز على تحليلٍ نقديّ، أساساً ـ تُساجِل وتناقش، وتُشكّل، أحياناً، خلاصة حواراتٍ لا تنتهي مع سينمائيين ونقاد ومثقفين وباحثين، ينتمون إلى أجيالٍ وجنسيات وهواجس مختلفة.
هذا لن يكون عابراً، في السيرة المهنيّة والحياتية لسمير فريد، لأنه أساسيّ. فهو ملتزم فنّ التواصل مع الجميع بلغة واضحة وهادئة ومُحبَّبة، من دون تفكيرٍ بعمر الآخر، أو بهويته، أو بجنسيته، أو بالتزاماته، شرط أن يكون للتواصل تبادل حقيقي في الإفادة والغنى والتنوّع، يتأتّى أصلاً من وعي معرفيّ وثقافيّ وسجاليّ لمن يحاوره فريد، ويتواصل معه. فهذا الوعي لدى الآخر شرطٌ أوّل في سلوك فريد إزاء الآخرين.




وإذْ تكون المعلومة لديه مُوثّقة، فإن التحليل يتّسع لسجالٍ يرتضيه فريد كمدخلٍ إلى مزيدٍ من معرفةٍ، يرتّب مفرداتها في سياقٍ ثقافي ينبثق من السينما، لكنه يتّجه إلى فنونٍ وأفكارٍ ومعارف، لن تُحاصَر في الاستديوهات والمختبرات والمعامل الفنية فقط، لقدرتها البديعة على أن تنتقل بين آداب ورسومٍ وجمالياتٍ، وبين سياسةٍ واجتماعٍ واقتصادٍ وتاريخ.
حضوره الدوليّ قديمٌ. مشاركاته المتتالية في مهرجانات، منتمية إلى فئات مختلفة، جزءٌ من رغبةٍ في الاطّلاع والمُشاهدة. وهذا، إذْ يبقى ذاتياً في علاقته بالسينما والثقافة والفنون والمعارف، يؤدّي إلى تكريمٍ له، لن يكون "مهرجان برلين السينمائيّ الدوليّ (برليناله)" أوّل من يُبادر إليه. فالتكريم، الذي يُقام لسمير فريد في الدورة الـ 67 (9 ـ 19 فبراير/ شباط 2017) للـ "برليناله"، يأتي بعد أعوامٍ عديدة على اختياره ـ كناقدٍ سينمائيّ عربيّ وحيد ـ بين 20 ناقداً، لمنحهم "الميدالية الذهبية" من مهرجان "كانّ" السينمائيّ الدوليّ، مرّتين اثنتين: أولى عام 1997، بمناسبة الاحتفال باليوبيل الذهبي للمهرجان؛ وثانية عام 2000، بمناسبة بداية الألفية الجديدة.
والمُقابِل العربيّ لن يكون غائباً، كلّياً، وإنْ يُحصَر في القاهرة (جائزة الدولة، 2002) ودبي، التي يمنحه مهرجانها السينمائي "جائزة تكريم إنجازات الفنانين"، في دورته الـ 10 (6 ـ 14 ديسمبر/ كانون الأول 2013). مع هذا، يُفضَّل التعامل مع سمير فريد كناقدٍ سينمائيّ له تاريخٌ حافلٌ بالمواجهات والتحدّيات، خصوصاً أن اشتغاله التأريخي ـ التوثيقيّ يُعتَبر أساسياً في صون بعض الذاكرة السينمائية من الاندثار. فإحدى المجلات ـ التي يُصدرها بدءاً من عام 1992 (6 أعداد سنوية) ـ باسم "السينما والتاريخ"، استكمالٌ لمؤلَّفاتٍ يريدها توثيقاً لمعطيات متداولة أو مغيَّبة. فإذا بالوثيقة (المخطوطة، الحكاية الشفهية)، المرفقة بتقديمٍ لها أو سردٍ لسيرتها، تتحوّل بين يديه إلى نصٍ حكائيّ، بدلاً من بقائها مجرّد وثيقة عادية.
تبقى "السينما والتاريخ" ركناً مهمّاً في سيرة الفن السابع. أعدادٌ قليلة منها، كما يحصل عادةً مع كل مشروعٍ ثقافي عربيّ جدّي، تُقدِّم وجهاً آخر لعمل سمير فريد، يُشبه بعض كتبه المتوغّلة في تفاصيل المهنة، وصناعتها: "لديه مخزونٌ هائلٌ من الحكايات"، يكتب وائل عبد الفتاح (1965) في تقديم كتابه "سمير فريد: مغامرة النقد" (المهرجان القومي للسينما المصرية الـ 11، 2005، وزارة الثقافة، صندوق التنمية الثقافية)، مضيفاً أنه "لا ينتظر فرصةً لاستخدامها، بل هي حاضرة دائماً في كلّ موقف أو حدث".
تكريم الـ "برليناله" مهمّ، وأهميته تنبع من المكانة الثقافية والسجالية، التي يمتلكها سمير فريد بحقٍّ وجدارة.


دلالات
المساهمون