تكرار الغزالي

24 مارس 2015
وسام شوكت / العراق
+ الخط -

يقول وائل ب. حلاق في كتابه "الدولة المستحيلة"، إن مشروع الغزالي "سياحة إنسانية في الذاتية الإسلامية"، وإن صاحبه عالِمٌ فذ – بمعايير الاطلاع والموسوعية على الأقل – سعى منذ أن اكتملت عدّته المعرفية إلى توظيف نفسه وعلمه في خدمة السلطة. وقد جعلت اضطرابات القرن الرابع الهجري من رجل مثله بضاعة مطلوبة.

في هذا الإطار، تسابق مع عشرات العلماء على الموقع الذي بلغه، "حجة الإسلام"، مثلما تتسابق ملايين الحيوانات المنوية لتلقّح بويضة. وانتزع في الأخير البوق الرسمي لمناظرة "الرأي الآخر"، من دون أن نسقط عنه بعداً أخلاقياً وهو يعرض آراء الخصوم بأمانة، وعقلية علمية حين يحاججهم.

فجأة، يتوقف الغزالي، يهجر عالمه وسلطاته، ليدخل في عشر سنوات من التجربة الروحانية، حيث الشك وانتظار اليقين. مرحلة أفضت إلى غزالي جديد ومثقف جديد في الحضارة العربية.

لقد كان مسار الغزالي اعتباطياً في بدايته، محكوماً برغبات وسياقات. ظل طوال مسيرته يراكم أخطاءه ومعارفه، ولم يقدر أن يفرز نفسه إلا بقطيعة الانسحاب.

يتكرّر الغزالي في كل عصر. ترمي الظروف بجيل من المثقفين في ركاب سلطة من السلطات. تفهم قلة، وبتأخر، ما يحدث. ثمة من يحاول وثمة من يستسلم، وجميعهم مثل الغزالي يقفون، في هذه السياحة، بين انسياق لمشروع جاهز وتوق لتقرير المصير.

المساهمون