تتّبع المصارف التجارية بالتنسيق مع "مصرف لبنان" المركزي، تكتيكاً صار بمثابة نهج يوميّ قائم على الحدّ من إمكانية اعتماد المواطنين والشركات على الدولار الأميركي في معاملاتهم، وتحفيز استخدام الليرة اللبنانية على أوسع نطاق ممكن، في مواجهة نزف الاحتياطي الأجنبي الآخذ في التآكل.
"في لبنان يجب أن تستعمل الليرة". هذا هو الشعار الأكثر تعبيراً عن هذا التكتيك الذي أصبح يشكّل مساراً جديداً فهمه الجميع في اقتصاد "مدولَر" منذ عشرات السنين، لكنه بات مهدّدًا بخسارة دولاراته، ليجد في عملته الوطنية المتراجعة قيمتها الشرائية ملاذاً إلزامياً كان ينبغي أن يُحصّنه من قبل استعداداً لمرحلة حرجة كانت التوقعات تشير إلى بلوغها يوماً ما.
حكومات لبنان انتهجت بعد الحرب الأهلية، أي منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين، سياسة تثبيت سعر صرف الليرة مقابل الدولار الأميركي، ودأب "مصرف لبنان" على التدخّل في السوق النقدية كلما تطلّب الأمر ومهما تكبّد من ثمن للدفاع عن عملية الربط المكلفة هذه.
لكن مع انحسار "القدرة الدفاعية" نتيجة تأزّم الوضع في اقتصاد خسر درجات كبيرة من تصنيفه الائتماني وتراجع ودائع المصارف التجارية وأرباحها تدريجاً في الأعوام الأخيرة بسبب الخضّات السياسية والأمنية المتعاقبة، أصبح المصرف المركزي يتجنّب التدخّل في السوق، محاولاً المحافظة على احتياطي العملة الأجنبية لديه، وهنا كان منبع التكتيك الجديد.
صحيح أن موجودات "المركزي" الخارجيّة زادت 1.43 مليار دولار خلال النصف الثاني من أغسطس/ آب 2019، لتبلغ 38.68 مليار دولار، بفضل "هندسات" حاكمه رياض سلامة المالية، لكنها، مع ذلك، انكمشت 11.21% تعادل 4.89 مليارات دولار، على أساس سنوي، هبوطاً من 43.56 ملياراً في أغسطس/ آب 2018.
عملياً، حراجة الوضع دفعت بالمصارف إلى تقييد سحوبات الدولار من خزائنها وتوجيهها بدلاً من ذلك إلى "الخزنة المركزية" في "مصرف لبنان"، لدرجة أنها لم تعُد الآن تُلبّي طلبات زبائنها المودعين أموالهم لديها بأكثر من 1900 دولار نقداً في اليوم الواحد، إلا في حالات خاصة بكبار العملاء ولضرورات اقتصادية وتجارية مُلحّة.
على وقع هذا التحدّي، تُنتَهك سياسة تثبيت سعر الصرف من دون تدخّل من السلطات المالية والنقدية وحتى السياسية، لتنتعش السوق الموازية أو الرمادية أو السوداء، إذ يشتري الصرّافون الدولار من الناس بسعر 1530 ليرة تقريباً، ويبيعونه لمن يحتاج إليه من المواطنين والتجّار بأسعار تصل إلى 1580 ليرة، وفقاً لتأكيد مسؤول عن العمليات في أحد المصارف الكُبرى.
في المقابل، يشتري المصرف التجاري الدولار من عملائه بسعر 1510 ليرات إذا كان المبلغ كبيراً، وتحديداً 10 آلاف دولار وما فوق، ويبيعه لهم بسعر 1516 ليرة. لكن الدولار غير متوافر لديها بالكميات الكافية، وأقصى ما يمكن الزبون الحصول عليه يومياً لا يتعدّى 1900 دولار في المصارف الكبرى.
وفي السياق عينه، تنتشر العروض التحفيزية التي تطلقها المصارف التجارية من أجل تحفيز حاملي البطاقات البلاستيكية على الدفع بها بدلاً من الدفع نقداً، في سبيل الاحتفاظ بالسيولة الموجودة.
في جانب آخر، تحاول المصارف تعويض بعض تراجع أرباحها من خلال فرض رسوم داخلية جديدة على بعض معاملات الزبائن، مثل تكبيد العميل دولارين (3 آلاف ليرة تقريباً) إذا قرّر سحب مال نقدي (Cash) من أمين الصندوق بدلاً من استخدام "الصرّافات الآلية" (ATMs).
ويساهم الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة في صبّ الزيت على النار، إذ تبلغ فوائد الودائع حالياً في المصارف التجارية سنوياً 12% على الليرة اللبنانية و8% على الدولار الأميركي حداً أقصى، في حين تبلغ فوائد الإقراض أو التسليف الآن 16.39% على الدولار و19.39% على الليرة.
وبدأت هذه السياسات تنعكس أزمة اجتماعية تستعر شيئاً فشيئاً، وأبرز تجلّياتها في أمرين:
أولاً، استمرار الشلل الكُلّي لقروض الإسكان منذ نحو عامين بعد وقف مصرف لبنان دعمه القروض السكنية، محمّلاً الدولة مسؤولية وضع سياسات إسكانية لحل هذه المشكلة.
اقــرأ أيضاً
ثانياً، البلبلة التي تشهدها بعض الجامعات الخاصة التي باشرت مع بدء الموسم الدراسي، بفرض سداد أقساطها وبدلات السكن الداخلي بالدولار بدلاً من الليرة، ما أثار موجة استنكار واسعة بسبب فروقات قيمة الأقساط وصعوبة الحصول على الدولار بالسعر الرسمي الذي تحوّل إلى سعر وهمي لاستحالة الاستحصال على الدولار من السوق الموازية إلا بمستويات عالية جداً؛ فاعتماد 1540 ليرة، مثلاً، سعراً لصرف الدولار في "الجامعة الأميركية في بيروت" AUB من شأنه أن يزيد قسط الفصل الدراسي 300 ألف ليرة، أي نحو 200 دولار تقريباً.
ومع أن القطاع المصرفي يتجنّب تسريع نزف السيولة الدولارية، إلا أن قيوده عليها تبقى محدودة المفعول، لصعوبة الاستغناء عن الدولار في المعاملات اليومية، ومع وجود عجز هائل في الميزان التجاري وفي ميزان المدفوعات، بسبب ضخامة المستوردات بالدولار، في بلد يستورد بأكثر من 20 مليار دولار ولا يصدر إلا ما تناهز قيمته 3 مليارات دولار في المتوسط سنوياً.
صحيح أن موجودات "المركزي" الخارجيّة زادت 1.43 مليار دولار خلال النصف الثاني من أغسطس/ آب 2019، لتبلغ 38.68 مليار دولار، بفضل "هندسات" حاكمه رياض سلامة المالية، لكنها، مع ذلك، انكمشت 11.21% تعادل 4.89 مليارات دولار، على أساس سنوي، هبوطاً من 43.56 ملياراً في أغسطس/ آب 2018.
عملياً، حراجة الوضع دفعت بالمصارف إلى تقييد سحوبات الدولار من خزائنها وتوجيهها بدلاً من ذلك إلى "الخزنة المركزية" في "مصرف لبنان"، لدرجة أنها لم تعُد الآن تُلبّي طلبات زبائنها المودعين أموالهم لديها بأكثر من 1900 دولار نقداً في اليوم الواحد، إلا في حالات خاصة بكبار العملاء ولضرورات اقتصادية وتجارية مُلحّة.
على وقع هذا التحدّي، تُنتَهك سياسة تثبيت سعر الصرف من دون تدخّل من السلطات المالية والنقدية وحتى السياسية، لتنتعش السوق الموازية أو الرمادية أو السوداء، إذ يشتري الصرّافون الدولار من الناس بسعر 1530 ليرة تقريباً، ويبيعونه لمن يحتاج إليه من المواطنين والتجّار بأسعار تصل إلى 1580 ليرة، وفقاً لتأكيد مسؤول عن العمليات في أحد المصارف الكُبرى.
في المقابل، يشتري المصرف التجاري الدولار من عملائه بسعر 1510 ليرات إذا كان المبلغ كبيراً، وتحديداً 10 آلاف دولار وما فوق، ويبيعه لهم بسعر 1516 ليرة. لكن الدولار غير متوافر لديها بالكميات الكافية، وأقصى ما يمكن الزبون الحصول عليه يومياً لا يتعدّى 1900 دولار في المصارف الكبرى.
وفي السياق عينه، تنتشر العروض التحفيزية التي تطلقها المصارف التجارية من أجل تحفيز حاملي البطاقات البلاستيكية على الدفع بها بدلاً من الدفع نقداً، في سبيل الاحتفاظ بالسيولة الموجودة.
في جانب آخر، تحاول المصارف تعويض بعض تراجع أرباحها من خلال فرض رسوم داخلية جديدة على بعض معاملات الزبائن، مثل تكبيد العميل دولارين (3 آلاف ليرة تقريباً) إذا قرّر سحب مال نقدي (Cash) من أمين الصندوق بدلاً من استخدام "الصرّافات الآلية" (ATMs).
ويساهم الارتفاع الكبير في أسعار الفائدة في صبّ الزيت على النار، إذ تبلغ فوائد الودائع حالياً في المصارف التجارية سنوياً 12% على الليرة اللبنانية و8% على الدولار الأميركي حداً أقصى، في حين تبلغ فوائد الإقراض أو التسليف الآن 16.39% على الدولار و19.39% على الليرة.
وبدأت هذه السياسات تنعكس أزمة اجتماعية تستعر شيئاً فشيئاً، وأبرز تجلّياتها في أمرين:
أولاً، استمرار الشلل الكُلّي لقروض الإسكان منذ نحو عامين بعد وقف مصرف لبنان دعمه القروض السكنية، محمّلاً الدولة مسؤولية وضع سياسات إسكانية لحل هذه المشكلة.
ثانياً، البلبلة التي تشهدها بعض الجامعات الخاصة التي باشرت مع بدء الموسم الدراسي، بفرض سداد أقساطها وبدلات السكن الداخلي بالدولار بدلاً من الليرة، ما أثار موجة استنكار واسعة بسبب فروقات قيمة الأقساط وصعوبة الحصول على الدولار بالسعر الرسمي الذي تحوّل إلى سعر وهمي لاستحالة الاستحصال على الدولار من السوق الموازية إلا بمستويات عالية جداً؛ فاعتماد 1540 ليرة، مثلاً، سعراً لصرف الدولار في "الجامعة الأميركية في بيروت" AUB من شأنه أن يزيد قسط الفصل الدراسي 300 ألف ليرة، أي نحو 200 دولار تقريباً.
ومع أن القطاع المصرفي يتجنّب تسريع نزف السيولة الدولارية، إلا أن قيوده عليها تبقى محدودة المفعول، لصعوبة الاستغناء عن الدولار في المعاملات اليومية، ومع وجود عجز هائل في الميزان التجاري وفي ميزان المدفوعات، بسبب ضخامة المستوردات بالدولار، في بلد يستورد بأكثر من 20 مليار دولار ولا يصدر إلا ما تناهز قيمته 3 مليارات دولار في المتوسط سنوياً.