مع دخول سباق الانتخابات الرئاسية في فرنسا أيامه الأخيرة، تحتدم المنافسة بين المرشحين الرئيسيين الأربعة، في الوقت الذي تشير فيه استطلاعات الرأي الأخيرة إلى تقدم مرشح تيار الوسط، إيمانويل ماكرون، بفارق بسيط على زعيمة "الجبهة الوطنية" اليمينية المتطرفة، مارين لوبان، ويليهما مرشح اليمين الوسط، فرانسوا فيون، ثم مرشح اليسار المتشدد، جان لوك ميلانشون.
وبعد تراجع فرص "صديق بوتين"، فيون، على خلفية اتهامه بالتوسط لترتيب لقاء بين الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ورجل الأعمال اللبناني، فؤاد مخزومي، تراجعت أيضاً آمال موسكو في رفع العقوبات المفروضة عليها، واعتراف فرنسا بضم شبه جزيرة القرم في العام 2014. ولما كان ماكرون يعتبر المرشح الأوفر حظاً للفوز بالرئاسة الفرنسية، تتوقع رئيسة قسم التحليل في مركز التكنولوجيا السياسية، تاتيانا ستانوفايا، أن تزداد العلاقات بين روسيا وفرنسا بروداً في حال فوزه. وتقول ستانوفايا، في حديثها لـ"العربي الجديد"، "كان لماكرون موقف براغماتي من روسيا، وحتى دعا إلى رفع العقوبات عنها بشكل تدريجي، عندما كان يشغل منصب وزير الاقتصاد، لكن المشكلة تكمن في أنه من أنصار العولمة، وتتعارض قيمه تماماً مع قيم الوطنيين القوميين والبراغماتيين". وتضيف "يتخوف الكرملين من أن يتجه ماكرون تدريجياً نحو اتخاذ موقف متشدد من روسيا، وأن تزداد العلاقات بروداً في عهده. لا ترى موسكو فيه سنداً من القيم لإجراء الحوار معه".
وحول أسباب رهان موسكو على فيون، تقول ستانوفايا "ترى روسيا في فيون، جاك شيراك آخر إذ كان العمل معه مريحاً جداً، فهو لم يكن يوجه انتقادات بسبب انتهاكات الديمقراطية، بل كان يتم الدفع بمشاريع الطاقة بشكل جيد. وعلاوة على ذلك، فإن شيراك وفيون يمثلان النخبة التقليدية، وبالتالي، لهما تأثير أكبر في أوروبا والغرب مقارنة بلوبان، مثلاً". وحول الموقف الروسي من لوبان، توضح ستانوفايا أنها "شخصية مقبولة وصديقة، لكن موسكو تدرك أنه في حال وصولها إلى قصر الإليزيه، فإنها ستثير مشكلات كثيرة في أوروبا وفرنسا على عكس فيون". وكانت لوبان زارت موسكو، في مارس/آذار الماضي، وعقدت لقاء مع بوتين، وسط تساؤلات حول مدى واقعية فوز شخصية غير مدعومة من الإستبلشمنت في فرنسا، تكرارا لفوز المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، برئاسة الولايات المتحدة، والذي لم يحقق آمال موسكو في تحسن العلاقات، بل زادت توتراً بعد الضربة الأميركية على قاعدة الشعيرات في محافظة حمص.
وفي مقال بعنوان "مارين لوبان قد يكون لها منافس غير متوقع"، تتساءل صحيفة "فزغلياد" الروسية عما إذا كانت فرنسا ستسير على خطى الولايات المتحدة التي انتخبت ترامب، وبريطانيا التي صوتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، مشيرة إلى أن هذا السيناريو سيتحقق في حال وصول المرشحين "غير النظاميين"، لوبان وميلانشون، إلى الجولة الثانية. ويقول كاتب المقال إن "اسم الرئيس الفرنسي المقبل يهم روسيا، لسبب بسيط، وهو أنه في حال مواصلة الفرنسيين توجه بريكسيت وترامب، ستصل عملية تفكك الغرب الأطلسي الموحد إلى نقطة اللاعودة".
وتوضح الصحيفة أن حملة الانتخابات الرئاسية في فرنسا كانت تتلخص منذ البداية في "المواجهة بين لوبان وجميع المرشحين الآخرين، وأن زعيمة الجبهة الوطنية ستخسر في الجولة الثانية أمام أي مرشح"، لكن توجهات الأيام الأخيرة تظهر أنها قد تواجه في الجولة الثانية "منافساً غير مقبول للنخب، شأنه في ذلك شأن لوبان نفسها"، أي ميلانشون. ويتوقع كاتب المقال أن "يختلف التصويت في يومي 23 إبريل/نيسان و7 مايو/أيار كثيراً عن نتائج استطلاعات الرأي، ليس فقط بسبب إخفاء الناخبين خياراتهم، بل أيضاً لأن جهات دراسة الرأي العام ربما تزيف نتائجها لصالح المرشحين المناسبين"، بحسب اعتقاده. وتشير الصحيفة إلى أن درجة ولاء أنصار لوبان ومشاركتهم في الانتخابات أعلى مقارنة بناخبي ماكرون، ما يعني أن لوبان قد تتفوق على ماكرون في الجولة الأولى. وتضيف أن "السيناريو الأسوأ هو عدم وصول مرشح النخبة إلى الجولة الثانية على الإطلاق، في ظل زيادة شعبية زعيم حركة فرنسا الثائرة، جان لوك ميلانشون (65 عاماً) في الأسابيع الأخيرة". يذكر أن انحياز الخطاب الإعلامي والرسمي في روسيا لدعم فيون كان واضحاً منذ الانتخابات التمهيدية لحزب "الجمهوريين"، إذ إنه عرف بعلاقاته الوطيدة مع بوتين ونيته تطبيع العلاقات مع روسيا، لكن تراجع فرصه أحدث ارباكاً للكرملين.