لم تكن معركة حجور في محافظة حجة شمال غربي اليمن، مثل بقية المعارك في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، إذ تضافرت العوامل المرتبطة بالزمان والمكان، لتجعل منها امتحاناً مباشراً للحكومة "الشرعية" وقواتها وللتحالف السعودي الإماراتي، وسط قناعة لدى مؤيدي الشرعية بأن تقدم الحوثيين على حساب القبائل في المنطقة لم يكن ليتحقق لولا "الخذلان" في دعم الجبهة، على غرار السيناريو الذي تكرر في معارك سابقة تحولت خلاله العديد من الجبهات إلى ساحات استنزاف بين كرّ وفرّ منذ سنوات.
ووفقاً لأحدث المعلومات من مصادر محلية لـ"العربي الجديد"، تمكّن الحوثيون في الأيام القليلة الماضية من اقتحام إحدى أهم مناطق حجور، وهي بلدة العبيسة، بعد حصار وقصف بالدبابات والمدفعية والأسلحة الثقيلة وحتى استخدام الصواريخ الباليستية (قصف الحوثيون المنطقة بثلاثة صواريخ وفق مصادر حكومية). وقد قتل خلال المواجهات قائد ما يُعرف بـ"مقاومة حجور"، وهو الشيخ أبو مسلم الزعكري، والذي تحوّل إلى رمزٍ للصمود والتحدي بالنسبة لمناوئي الحوثيين، إذ تمكّن ورجاله من الاستمرار في المواجهة لما يقرب من شهرين بأسلحة خفيفة ومتوسطة بالغالب.
وحسب إفادات مصادر مقربة من الحكومة، شرع الحوثيون فور تقدمهم في العبيسة ومواقع أخرى، باعتقالات وإعدامات ميدانية طاولت شخصيات مناوئة لهم، بينها رئيس فرع حزب "المؤتمر الشعبي العام" في مديرية كشر (التي تعدّ حجور جزءاً منها)، الشيخ محمد حمود العمري، في ظلّ غموضٍ يلف التفاصيل حول أعداد الضحايا بما في ذلك المدنيون، إذ قطع الحوثيون اتصالات الهواتف النقالة عن مناطق المواجهات. في المقابل، قضى عدد كبير من مسلحي الجماعة بالمواجهات والغارات الجوية التي نفذتها مقاتلات التحالف ضدّ مواقع مفترضة للحوثيين، فيما وجهت منظمة "رايتس رادار" الحقوقية، دعوة إلى الأمم المتحدة والمجتمع الدولي "للتدخل بشكل عاجل لتدارك الوضع في مناطق حجور لمنع وقوع كارثة إنسانية".
ولا تزال المواجهات مستمرة في مناطق جبلية في كشر على نحوٍ قابلٍ للمفاجآت، مثل التقدّم الذي حققه الحوثيون، وأحدث صدمة في الأوساط اليمنية المعارضة لسلطة الجماعة، نظراً للعديد من العوامل النفسية والمعنوية المرتبطة بالمعركة. وتتضمن المعركة بعداً رمزياً باعتبارها شكلاً من أشكال تحرّك القبيلة في مناطق سيطرة الحوثيين وبالقرب من معاقلهم، في ظلّ السيطرة الحديدية التي يفرضونها في غالبية محافظات شمال ووسط وغرب البلاد (حيث الكثافة السكانية).
وعلى الرغم من أنها ليست المعركة الأولى التي يخوضها الحوثيون ويتقدمون فيها على مناوئيهم، إلا أنّ حجور اكتسبت أهمية إضافية لوقوعها في منطقة تبعد نحو 20 كيلومتراً عن آخر نقطة تتواجد فيها القوات الحكومية في محافظة حجة ذاتها. وتقول قيادات محلية إنّ حجور عانت من الخذلان من قبل القوات الحكومية، التي كان أقل ما يمكنها فعله هو التصعيد في الجبهات المختلفة، لتشتيت قوات الحوثيين، لكن ما حدث هو العكس، لتتفرغ الجماعة لخوض المعركة التي شكّلت تهديداً غير مسبوق لها على مستوى مناطق شمال غرب البلاد، على الأقل.
وفي حين تدخّلت مقاتلات التحالف بضربات جوية محدودة وعمليات إنزال جوي لأدوية وذخائر، مرات عدة، إلا أنّ هذا التدخّل كان بنظر العديد من المتابعين أقل مما هو مفترض، خصوصاً أنّ حجور تقع في محافظة حدودية مع السعودية. وتوجهت الاتهامات بـ"التخاذل" بدرجة أساسية ضد قيادة "المنطقة العسكرية الخامسة" التي تتمركز قواتها في مديرية ميدي التابعة لمحافظة حجة ومناطق مختلفة قرب الحدود، وهو الأمر الذي أثار موجة من التساؤلات عن السرّ الكامن وراء عدم التحرّك. وفيما رأى البعض أنّ الجيش اليمني المؤيد للشرعية، مقيّد بتوجيهات التحالف، اعتبر آخرون ذلك إخفاقاً مباشراً للقيادة اليمنية السياسية والعسكرية في معركة كان من الممكن أن يكون لها ما بعدها إذا ما حصلت على الدعم اللازم، في ظلّ السخط المتنامي بمناطق سيطرة الحوثيين.
ما جرى في حجور أعاد التذكير بالمنحى الذي اتخذته العديد من المعارك الميدانية مع الحوثيين في الجبهات الممتدة من تعز جنوباً إلى البيضاء ومأرب وسطاً، وصولاً إلى شرق صنعاء وحتى الجوف وصعدة، إذ غلب عليها طابع الكر والفر، وتحوّلت منذ شهور طويلة إلى جبهات استنزاف واشتباكات لا ترقى لصنع تحوّل ميداني محوري. وتذهب بعض التحليلات إلى اعتبار أنّ المعارك أُريد لها أن تبقى كذلك، لاستنزاف مختلف الأطراف، وخدمة الأجندات الخاصة بالحوثيين من جهة وعمودي التحالف (السعودية والإمارات)، في المناطق الجنوبية والشرقية من جهة أخرى.