تغيرات المجتمع التركي والانتخابات الرئاسية: حين يؤيد المثليون أردوغان

09 اغسطس 2014
أردوغان واثق من فوزه بالانتخابات الرئاسية(أوزان كوز/الأناضول/Getty)
+ الخط -

أصبح رجب طيب أردوغان، بنظر كثيرين، رئيساً للجمهورية التركية قبل إجراء الانتخابات، يوم غد الأحد. يعود ذلك إلى التغيرات التي ستحصل على المستوى السياسي والدستوري، فضلاً عن الاجتماعي وتقسيم الكتل التصويتية.

من الممكن تحديد القلاع الانتخابية التقليدية لكل من المرشحين اعتماداً على نتائج الانتخابات البلدية التي أقيمت في الثلاثين من مارس/آذار الماضي، إذ سيشكل قلب الأناضول التركي المحافظ، كولاية قونيا (مدينة وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو) وقايساري (مدينة الرئيس عبد الله غل)، أهم القلاع الانتخابية لمرشح حزب "العدالة والتنمية"، رجب طيب أردوغان، الذي ترك قونيا، ليختم بها الحملة الانتخابية، اليوم السبت.

وكرر أردوغان من المدينة، أمام عشرات الآلاف من أنصاره، وعده ببناء "تركيا جديدة"، بقوله، بحسب وكالة "فرانس برس"، إنه "ستولد غداً إن شاء الله تركيا جديدة. تركيا قوية ستبعث من رمادها غداً". وأضاف "انتخبتم حزب الشعب في الثالث من نوفمبر/ تشرين الثاني (2002) وغداً إن شاء الله ستنتخبون رئيس الشعب"، في إشارة الى حزبه، الحاكم منذ عام 2002.

في المقابل، سيشكل الساحل، سواء في البحر الأسود أو البحر المتوسط في كل من أضنة وأزمير، إحدى أهم الكتل التصويتية للمرشح المشترك لكل من حزب "الشعب الجمهوري" وحزب "الحركة القومية" اكمال الدين إحسان أوغلو. لتكوّن الولايات الشرقية والجنوبية الشرقية المركز الرئيسي لكتلة مرشح حزب "الشعوب الديمقراطية"، ممثل الحركة "القومية" والجناح السياسي لحزب "العمال" الكردستاني، صلاح الدين دميرتاش.

لكن لا يبدو أن الأمور بهذه البساطة، فالبرنامج الانتخابي لكل مرشح والطريقة التي التف بها مناصروه حوله، تعطي إشارات واضحة إلى تغيير حصل في الوسط والثقافة السياسية التركية. وأظهرت التجمعات التركية التقليدية الهوية السياسية للناخبين، إذ لا تزال كتلة مهمة من الناخبين الأتراك العلمانيين والقوميين تبحث عن المرشح المناسب لتقوم بالتصويت له.

فإن كان العلمانيون والقوميون، كما جرت العادة، يصوتون لكل من حزب "الحركة القومية" وحزب "الشعب الجمهوري"، فإن المرشح المشترك المحافظ إحسان أوغلو، بتصريحاته المؤيدة لعملية التسوية مع متمردي "العمال الكردستاني"، أثار غضب كتلة مهمة من ناخبي الحركة "القومية" المتطرفين. كما أن كونه ابن عائلة محافظة أبعد عنه الكثير من الناخبين العلمانيين الذين اعتادوا التصويت لحزب "الشعب الجمهوري".

لذلك بدا العلويون الذين اعتادوا التصويت لحزب "الشعب الجمهوري" ممزقين بين ميّال لأردوغان، ورافض لما يطلق عليه لقب "المرشح المصطنع"، في إشارة إلى إحسان أوغلو، أو المضطر للتصويت للأخير رغبة في كسر شوكة أردوغان.

وينهي بعض المصوتين الآخرين أزمتهم بالتصويت لدميرتاش اليساري، متغاضين عن كونه ممثلاً للحركة "القومية الكردية" التي لا تزال في بال معظم الناخبين المنحدرين من القومية التركية منظمة انفصالية إرهابية حتى الآن. لكن نجاح دميرتاش في تغيير الصورة التقليدية لأحزاب الحركة "القومية" نحو صورة الحزب التركي اليساري المطالب بحقوق الإنسان والحريات، قرّب منه نسبة لا بأس بها من الشباب الليبرالي أيضاً.

لا يتوقف الأمر عند هذا الحد بل إن انقسام المصوتين وصل إلى مجموعات المثليين الجنسيين، إذ إن بعض هذه المجموعات أعلنت تأييدها لأردوغان، مطلقة على نفسها لقب مثليي "العدالة والتنمية"، في حين أن بعض المجموعات العلمانية أبقت على تأييدها لإحسان أوغلو، رغم أن بعضها أعلن دعمه لدميرتاش، الذي نص برنامجه صراحة على سعيه إلى العمل على إقرار حقوق المثليين الجنسيين.

من جهة ثانية، تصادف حصول الحملات الانتخابية التركية مع العداون الإسرائيلي على قطاع غزة، ليتحول الأمر أيضاً وسيلة للمزايدات والمهاترات السياسية بين المرشحين ويتنافسوا، ولو لفظياً، على من له تاريخ أكبر في تقديم خدمات أكثر للقضية الفلسطينية، التي بدأت تتحول إلى قضية جوهرية إضافة إلى قضايا "أخوتنا الشعوب المظلومة" في كل من العراق، سورية، ومصر، بحسب التعبير الأردوغاني.

ولا يكاد يمرر أحد المرشحين الثلاثة حديثه من دون المرور على السياسة الخارجية، وخصوصاً الشرق الأوسط الذي أصبح أهم أعمدة الحملة الانتخابية، إذ ادعى مرشحا المعارضة أن قدومها سيعني السلام والهدوء بعد الفوضى التي سببتها سياسات أردوغان.

وأشار محللون إلى أن العودة للشرق الأوسط لم تعد على مستوى الدبلوماسيين والسياسة الخارجية بل أيضاً على المستوى الشعبي الذي أصبح التوجه له يمر عبر الشرق الأوسط بكل قضاياه، وخصوصاً القضية الفلسطينية.

يبدو أن الانقسام في المجتمع التركي غير مبني على أساس خلاف بين أجيال، أو رؤية ثقافية وحضارية، أو خلاف عرقي، بل إنه حقيقة حول لحظة تاريخية سيكون لها تأثير بعيد على البلاد. حتى أن الخلاف الذي كان سائداً قبل ذلك بين المعسكرين الإسلامي والعلماني أخذ بالغياب، ليبدو المجتمع التركي كله متقبلاً للإسلام السياسي، إذ إن كلا المرشحين الرئيسيين أردوغان، وإحسان أوغلو، يؤكدان على انتمائهما للإسلام. ويستشهد كل منهما ويحاجج الآخر بآيات وأحاديث قرآنية، ليبقى دميرتاش، وحده ملتزماً خلال حملته الانتخابية بالعلمانية التي جلبها المؤسس كمال أتاتورك.