تعليم "داعش" والعلوم المحرّمة

26 نوفمبر 2014
+ الخط -

... بالأمس الكيمياء والفيزياء، وغداً الجغرافيا والعلوم العامة واللغات والآداب والتاريخ والفلسفة... وتكرّ سبحة المواد التي لا تريد "داعش" أن تراها في مناهج المدارس في المناطق التي تسيطر عليها.

تتوهم "داعش" أنّ ما تقدم عليه من خلال هذا الإلغاء هو ما يقود إلى ترسيخ أقدامها وتثبيت خليفتها وأمرائها في مواقعهم من الآن، وحتى يرث الله الأرض ومن وما عليها. من دون أن تدرك أي جريمة يمكن أن تكون قد ارتكبتها بحق هؤلاء التلامذة والطلاب وبالتالي مستقبل المنطقة.

فإذا كانت السلطات العربية في الكثير من الدول ما زالت تضع خارج المدارس ملايين البشر من الأطفال الذين ينضوون في صفوف الأميين، فإنّ "داعش" بدورها تحكم على ملايين إضافية أن يتلقوا تعليماً ينتسب إلى مراحل تاريخية بائدة، ناضلت أجيال وأجيال من الرجال والنساء في مختلف المراحل والعصور من أجل تجاوزه. حتى أنّ الإمام محمد عبده يقارن بين بناء المسجد والمدرسة، ليغلّب الثانية على الأول، نظراً لفائدتها للأجيال الجديدة. ولأنّ المدرسة من شأنها أن تُخرّج أجيالاً تستطيع بعلمها وعملها أن تدافع عن ديار المسلمين المهددة آنذاك بالزحف الاستعماري.

والزحف الاستعماري دخل إلى المنطقة من منطلق الحاجة إلى المدرسة والجامعة والمعلم والطبيب والممرض والصيدلي والمهندس والصناعي والمحاسب والقانوني والمدرب على الحِرف وغيرها، هذا عدا أنواع الصناعات. واستطاع أن يجد له مكاناً على هذه الأرض التي كانت بأمس الحاجة، بعد أن أنهكتها مناهج الكتاتيب التي جعلت من الكفاءات العلمية والأدبية امتيازاً أجنبياً.

تريد "داعش" لنا أن يعود الزمن إلى دورته هذه، ونبدأ مجدداً مما يشابه الصفر، إلى مرحلة تم دفع ثمنها غالياً وعلى مختلف المستويات والأصعدة. وكأنّ دولاب الزمن قد توقف، والتطور لم يحدث، وكأن أجيالاً لم تدخل إلى المدارس والجامعات. وباتت تعرف أنّ المجتمعات البشرية لم تعد تتعيش على أموال الفيء والغزو والسلب وبيع النفط المسروق والاتجار بالآثار المنهوبة ومصادرة أموال وأملاك مواطنين من طوائف مسيحية أو أيزيدية أو غيرها شاء حظها العاثر أن تقع بين براثن هذه الجماعات.

المشكلة ليست فقط في خسارة أجيال حقها في التعليم العصري في مناطق سيطرتها، بل في الجريمة التي تحاول "داعش" وأخواتها إلصاقها بالإسلام، الذي نمت تحت فضاء سمائه منوعات من العلوم التجريبية والفلسفية التي أفادت البشرية على مدى قرون طويلة، وكانت في اساس العصر الحديث. هنا تكمن الكارثة الفعلية!

(أستاذ في كلية التربية – الجامعة اللبنانية)