تطلّع إيراني إلى الاتفاق مع الأميركيين في الملف النووي

17 يناير 2015
يترقّب المتشددون مآل المرحلة المقبلة (ريك ويلكينغ/فرانس برس)
+ الخط -
يكمل وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، جولته على بعض دول الاتحاد الأوروبي، قبل استئناف محادثات بلاده النووية مع "دول 5+1" على مستوى معاوني وزراء الخارجية في سويسرا، غداً الأحد. وكان ظريف قد التقى في مدينة جنيف السويسرية نظيره الأميركي، جون كيري، في جولة تشمل فرنسا وألمانيا وبلجيكا.

بحث ظريف تفاصيل الملف النووي الإيراني مع كيري، حسب ما ذكر هو وبعض المسؤولين في الحكومة الإيرانية، ثم عاد والتقى الوزيران أمس الجمعة من جديد في باريس، علماً بأنه لطالما شغلت الاجتماعات الثنائية الإيرانية ـ الأميركية، أوساط المتشددين المنتمين للمحافظين، المنتقدين لهذه الاجتماعات، ولأسلوبها الحواري، لا سيما أن هذه السياسة لم توصل لنتيجة واضحة، بعد أكثر من عام من تكرار هذا النوع من اللقاءات، حسب قولهم.

وقد لا يحمل اللقاء الذي جمع ظريف مع وزير الخارجية الفرنسي، لوران فابيوس، كل هذا الجدل في الداخل، على الرغم من الانتقاد الإيراني الحادّ للرسوم الكاريكاتورية، التي نشرتها صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسية، يوم الأربعاء. فإيران شددت على لسان ظريف، أمام المسؤولين الأوروبيين، على "ضرورة مكافحة الإرهاب بشكل جدّي، للوقوف بوجه تقدم تنظيم الدولة الاسلامية (داعش)، من دون زيادة تشنّج المسلمين".

ويُميّز هذا الخطاب حكومة الرئيس المعتدل، حسن روحاني، الذي يقف في الوسط دائماً في كل القضايا، علماً بأنه، بالنسبة للملف النووي، تتفوق الدبلوماسية على التشدد. ويعتبر مراقبون أن "هذا هو الهدف الأساسي من جولة ظريف الأوروبية، كونها المرة الثانية التي يجول فيها على عواصم القرار في الاتحاد الأوروبي، لإدراكه أنها تؤثر بشكل مباشر على طاولة الحوار النووي مع الغرب".

ولفت مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إلى أن "الوفد الإيراني لمس خلال الاجتماع مع كيري في جنيف، الجدية في التعاطي، كما لمست هذه الجدية في تعاطي الوفود الأخرى". ونقلت وكالة أنباء "إيسنا" الإيرانية عن عراقجي قوله إن "الجميع يريد التوصّل لحلّ، وهو ما بات واضحاً. غير أن العقدة الآن تكمن في طرح مقترحات توافق عليها جميع الأطراف".

فايران تريد الاحتفاظ بتخصيب اليورانيوم وبكل أجهزة الطرد المركزي التي تمتلكها البلاد، وتطالب بإلغاء كلّي وفوري للعقوبات الاقتصادية عليها بسبب برنامجها النووي. وهو ما يرفضه الغرب، تحديداً واشنطن، التي ترغب بضمانات إيرانية حقيقية. ويبدو أن طهران لن تقدم ضمانات تتجاوز فيها خطوطها الحمراء، التي حددتها أعلى سلطة في البلاد، المرشد علي خامنئي.

وهنا تكمن العقدة، فالحكومة تجتهد لاستخدام خطابها الدبلوماسي، من أجل تجاوز بعض العثرات، كما تحاول تجاوز المعترضين من المتشددين في الداخل، والاستفادة قدر الإمكان من الضوء الأخضر الممنوح من قبل خامنئي، الذي طالب بدعم الوفد المفاوض وإعطائه فرصته، مع تأكيده عدم ثقته بالغرب وأن التوصل لاتفاق في النهاية أمر صعب ومعقد.

وفي الوقت الذي تكثفت فيه الجهود الدبلوماسية في الخارج، تراقب الأوساط الإعلامية الإيرانية ما يحدث في دول الاتحاد الأوروبي عن كثب. فصحيح أنه تمّ التركيز على لقاء ظريف وكيري، غير أن تصريحات الوزير الإيراني، التي قال فيها إن "اجتماعه يأتي للحضّ على تسريع مسار المحادثات، لإدراكه بأن الطرف الأميركي مؤثر للغاية على الطاولة"، تُعدّ بمثابة خطوة متقدمة في الملف.

في المقابل، يتربّص الصقور المحافظون، ويتمهّلون قليلاً لمعرفة ما سينجم عن المحادثات، ولكن هذا لا يمنع تكرار تحذيراتهم شبه اليومية. فرئيس مجلس الشورى الإسلامي، علي لاريجاني، لوّح بمشروع قرار يسمح لنواب البرلمان بالإشراف على ملف تخصيب اليورانيوم.

وقال لاريجاني إنه "في حال قررت الدول الغربية توسيع دائرة الحظر، فسيتم العمل بجدية لاستئناف التخصيب". ويعتبر لاريجاني، مع تياره، أن "إيران تحاور الآخرين، في موازاة فرض المزيد من العقوبات عليها". وبرّر عدم التوصل لاتفاق حتى الآن "بسبب محاولة القوى الغربية منع طهران من تغيير موازين القوى في المنطقة".

ويُعدّ موضوع "موازين القوى" أمراً مشتركاً لدى جميع الإيرانيين من كل الأطياف. فقد رأت صحيفة "مردم سالاري" الإصلاحية في افتتاحيتها، أمس الخميس، أن "الرياض وتل أبيب قوتان فاعلتان في الملف النووي، كما بقية الدول الست الكبرى". واعتبرت الصحيفة أن "هذين الطرفين يقفان بوجه طهران. فواشنطن لن توافق على ما يهدد أمن اسرائيل كما تقول، والسعودية تقاسمت وسائل الضغط مع واشنطن، التي تجلس بدورها على طاولة الحوار، فيما تتزعّم الرياض الحرب النفطية، التي تحقق الهدف المنشود، خلال فترة تعليق العقوبات على إيران بموجب اتفاق جنيف الموقع قبل أكثر من عام، وهو الهدف الذي يسعى لإبقاء إيران تحت الضغط". حسب ما جاء في الصحيفة.

ولا يتوقع المسؤولون الإيرانيون التوصل لاتفاق في المدى القريب، علماً بأن الطيف المعتدل والإصلاحي منهم، يدعم الجهود الدبلوماسية في سبيل تحسين علاقات البلاد مع الآخرين، وهو ما سينعكس إيجاباً على المحادثات النووية، حسب رأيهم.

ولا يرفض المحافظون الحوار حول الملف النووي، لكنهم يقفون ضد التقارب مع الولايات المتحدة، بغضّ النظر عن الهدف منه، غير أن الجميع متفق بأن "التوصل لحل نووي، يعني انفتاحاً ايرانياً على الجميع في المنطقة والعالم، ويعني انتعاشاً في الداخل والخارج. والأهم هو تصاعد الصوت الإيراني في قضايا المنطقة، وهو ما لا تريده أطراف إقليمية"، كما يرى المسؤولون في إيران.
.