سقط ضحايا جُدد، أمس الأربعاء، بقصف نظام بشار الأسد وحلفائه، المكثف، لمناطق في جنوب إدلب وشمال حماة، ضمن حملة تصعيد عسكرية عنيفة وغير مسبوقة منذ أسابيع، أدت لمقتل وإصابة عشرات المدنيين، فيما كشف المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية ديفيد سوانسون، أمس، عن نزوح نحو 140 ألف شخص منذ شهر فبراير/ شباط في محافظة إدلب ومحيطها، مشيراً إلى أن بين هؤلاء 32500 شخص فروا بين الأول والثامن والعشرين من إبريل/ نيسان.
وفيما دعت واشنطن موسكو ونظام الأسد لـ"تجنب هجمات واسعة في محافظة إدلب والعودة للتهدئة"، فقد تباحث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، هاتفياً، أول من أمس، حول "مواصلة التعاون الوثيق في إطار مسار أستانة" المتعلق بسورية.
ومنذ فجر أمس الأربعاء، استأنفت قوات النظام قصفها المدفعي والجوي العنيف والمكثف على مناطق عديدة في شمال حماة وجنوب إدلب. ووثق "الدفاع المدني السوري" إلقاء مروحيات النظام "6 براميل متفجرة و14 جرة متفجرة على قرى كفرعين، والبشاريات، والمنطار، غرب خان شيخون، بالإضافة إلى غارات من قبل الطيران الحربي استهدفت تلك المناطق". وأضاف أن طفلين أصيبا جراء "قصف جوي استهدف قرية المشيرفة، غربي بلدة محمبل. كما نتجت عن القصف إضرار مادية كبيرة".
وفي السياق ذاته، ذكر "المرصد السوري لحقوق الإنسان"، الأربعاء، أن "الطائرات الحربية الروسية جددت قصفها على مناطق واسعة في إدلب وحماة"، مشيراً إلى أن هذه الطائرات "نفذت غارة استهدفت فيها أطراف معرشورين الشمالية بريف معرة النعمان الشرقي، وأخرى على قرية المشيرفة بريف جسر الشغور الشرقي، فيما نفذ طيران النظام غارة جوية قرب قلعة المضيق بسهل الغاب. واستهدف الطيران الحربي بالرشاشات الثقيلة مواقع في الحويز بسهل الغاب، فيما ألقت المروحيات 4 براميل متفجرة على بلدة كفرنبودة وقرية البانة، شمال حماة". وتابع "سقطت قذائف صاروخية على أماكن في بلدة محردة الخاضعة لسيطرة قوات النظام، شمال حماة". وفيما تجاوز عدد قتلى التصعيد في شمال غرب سورية، الـ275 مدنياً، منذ بداية فبراير/ شباط الماضي حتى الآن، حسب فريق "منسقو استجابة سورية"، فقد بلغ عدد القتلى المدنيين، خلال يومي الإثنين والثلاثاء الماضيين، "12 مدنياً نتيجة القصف المباشر، فيما أصيب 42 آخرين، بالإضافة إلى استهداف العديد من المنشآت الطبية والتعليمية ومخيمات للاجئين". وأحصى الفريق، في بيان أمس، "نزوح أكثر من 9500 شخص من المناطق المستهدفة"، ووثّقَ "استهداف 73 نقطة في أرياف إدلب وحماة وحلب، مع التركيز على منطقة سهل الغاب في ريف حماة" خلال 48 ساعة فقط.
وفيما تعيش المناطق المستهدفة، وما حولها، أياماً دامية، وظروفاً مأساوية، نتيجة كثرة أعداد الضحايا والنازحين، فإن أروقة السياسة لا تكشف كثيراً مسببات هذا التصعيد، فيما دعت الولايات المتحدة "جميع الأطراف" إلى "احترام التزاماتهم بتجنب شن هجمات عسكرية واسعة والعودة إلى خفض التصعيد". وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية مورغان أورتاغوس، الثلاثاء الماضي: "ندعو جميع الأطراف، وبينهم روسيا والنظام السوري، إلى احترام التزاماتهم بتجنب شن هجمات عسكرية واسعة، والعودة إلى خفض التصعيد في المنطقة". وشددت على ضرورة إتاحة المجال لمرور المساعدات الإنسانية. تَبِعَ ذلك اتصال هاتفي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين. واكتفت وكالة "الأناضول" بالقول إن "الزعيمين (اتفقا) على مواصلة التعاون الوثيق في إطار مسار أستانة لحل الأزمة السورية". وأعرب المبعوث الأممي الخاص إلى سورية غير بيدرسون، خلال جلسة لمجلس الأمن أول من أمس، عن "القلق من ورود تقارير بشأن تزايد أعمال العنف في إدلب". وقال إن "الجماعات الإرهابية لا تزال تشكل تهديداً في سورية، لكن مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تكون أكثر أهمية من حماية المدنيين".
وكان قيادي في المعارضة السورية قد قال، لـ"العربي الجديد"، الثلاثاء الماضي، إن روسيا وقوات النظام يهدفان، من تصعيد القصف الجوي والصاروخي على ريفي حماة الشمالي وإدلب الجنوبي، إلى إبعاد السكان من المنطقة، تمهيداً لتسيير الدوريات العسكرية الروسية في المنطقة. وأضاف القيادي، الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن القصف يأتي "رداً على بيانات المجالس المحلية وفصائل المعارضة الرافضة لتسيير الدوريات الروسية"، إذ كانت العديد من المجالس المحلية في إدلب وحماة قد أصدرت بيانات رافضة لتسيير دوريات روسية في مناطق المعارضة. كما رفع فصيل "جيش العزة"، التابع للجيش السوري الحر، سواتر ترابية في الخط المُقرر لسير الدوريات. واعتبر القيادي أن "الدوريات ستبدأ مهمتها قريباً بعد إفراغ المنطقة من ساكنيها، خوفاً من تعرّضها لاعتداءات أو استهدافات من قبل الفصائل".
وكان "الائتلاف الوطني السوري" قد ذهب إلى الاستنتاج ذاته تقريباً، إذ اعتبر أن الحملة العسكرية، لروسيا والنظام، في ريف حماة، هي "مشروع تهجير جماعي يتطلب تدخلاً دولياً"، مُشيراً في بيان، إلى أن "قوات النظام مدعومة بطائرات الاحتلال الروسي والمليشيات الإيرانية، بدأت منذ مساء الاثنين، 29 إبريل/ نيسان الماضي، هجوماً على مناطق ريف حماة الشمالي الغربي، مستهدفة مدن وبلدات اللطامنة والهبيط وكفرزيتا وكفرنبودة وقلعة المضيق، بالإضافة إلى عشرات البلدات والقرى الأخرى".
وحملة القصف العنيفة، الحاصلة في شمال غرب سورية، تصاعدت منذ اختتام جولة مباحثات "أستانة 12"، التي عقدت يومي الخميس والجمعة الماضيين. وجاء في بيانها الختامي أن الأطراف "اتفقت على ضرورة تطبيق كامل بنود اتفاقية سوتشي المبرمة (بين تركيا وروسيا) في 17 سبتمبر/ أيلول 2018 بخصوص" إدلب، مع تأكيدات على أنه جرى الاتفاق على ببدء تسيير الدوريات التركية - الروسية المشتركة في المنطقة "منزوعة السلاح". وأكد المتحدث باسم وفد المعارضة إلى "أستانة 12"، أيمن العاسمي، في تصريحات صحافية، صحة هذه المعلومات، موضحاً أن "خط سير هذه الدوريات سيقتصر على مناطق قرب خط الجبهة الفاصل بين فصائل المعارضة وقوات النظام". ورجح ألا تتوسع حملة القصف لتصل إلى هجوم بري تشنه قوات النظام وروسيا، مُستبعداً حصول مثل هذا الهجوم "على الأقل مدة 4 أشهر، لكن على فصائل المنطقة أن تبقى مستعدة". وكانت صحيفة "الوطن"، التابعة لنظام الأسد، قد قالت، الثلاثاء، إن قوات الأخير أرسلت تعزيزات إلى أطراف ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي، مُتذرعة بأن ذلك يأتي ضمن تحضير عملية عسكرية رداً على اعتداءات "المجموعات الإرهابية" بريف حماة. وكان بوتين قد قال، في العاصمة الصينية بكين، قبل أيام: "لا أستبعده (شن هجوم على إدلب)، لكننا مع أصدقائنا السوريين لا نحبذ ذلك الآن"، مُدّعياً أن عدم شن الهجوم يأتي لـ"اعتبارات إنسانية".