تصعيد حوثي يخلط أوراق الأمم المتحدة... ويضرب الشرعية

28 مايو 2020
حقق الهجوم على مقر وزارة الدفاع دفعة معنوية للحوثيين(Getty)
+ الخط -
بعدما حققت الأمم المتحدة عدداً من النقاط الإيجابية في سبيل إنضاج خطة لوقف النار في اليمن، خلال شهر ونصف الشهر من الهدنة أحادية الجانب التي أعلنها التحالف بقيادة السعودية، وبعد 3 أيام من انتهاء الهدنة المفترضة من دون إعلان رسمي بتمديدها، دشّنت جماعة الحوثي موجة تصعيد جديدة، من المرجح أن تخلط أوراق المجتمع الدولي الرامية لوقف الحرب، وإطلاق مؤتمر مانحين لإعمار اليمن في الثاني من يونيو/ حزيران المقبل.

ونفذ الحوثيون، ليل الثلاثاء الماضي، هجمات صاروخية مزدوجة، كانت أهدافها في العمق السعودي، وتحديداً مواقع مجهولة في منطقة جازان جنوبي المملكة، وفي محافظة مأرب داخل الأراضي اليمنية، إذ استهدفت المقر الرئيسي لوزارة الدفاع اليمنية، الذي بات الهدف السهل لصواريخ الجماعة البالستية، في ثغرة أمنية متكررة، تضع علامات استفهام حول مدى الاختراق الحاصل داخل صفوف الجيش الوطني.

وجاء التصعيد الحوثي رداً على غارة جوية استهدفت، صبيحة عيد الفطر، سيارة في مديرية مرّان، المعقل الرئيس للجماعة الحوثية ومسقط رأس زعيمها. وفي اليوم نفسه خرج المتحدث الرسمي باسم "أنصار الله" محمد عبد السلام متوعداً بالرد. وقال إن "الإصرار على تكريس التوحش والدموية لن يجلب للمعتدين أي أمن، وسيندمون على ذلك". ولا تُعرف هوية الأشخاص الذين كانوا على متن المركبة التي استهدفها الطيران الأحد الماضي. واكتفت وسائل الإعلام الحوثية بذكر نبأ مقتل 3 مدنيين كانوا بداخلها، من دون الإفصاح عن أسمائهم.

وجاء تنفيذ الوعيد الحوثي، بعد يومين من غارة صعدة، إذ أعلنت السعودية إصابة 3 سيدات جراء سقوط شظايا مقذوف عسكري أطلقه الحوثيون من داخل الأراضي اليمنية على منطقة سكنية في جازان. ودأبت جماعة "أنصار الله" خلال الفترة الماضية على تأجيل إعلان هجماتها الصاروخية، سواء في العمق السعودي أو داخل الأراضي اليمنية. وتقوم بتأجيل الإعلان عن "مكاسبها" العسكرية الدورية، إلى حين عقد مؤتمرات صحافية لمتحدثها العسكري يحيى سريع.

وشهد الشريط الحدودي بين اليمن والسعودية أكثر من 15 غارة جوية وقصف مدفعي سعودي، كما ذكرت وسائل إعلام حوثية، من دون التطرق إلى نوع الهجمات التي شنتها الجماعة في العمق السعودي، وما إذا كانت صواريخ بالستية فقط، أم أن هناك هجمات متزامنة بطائرات من دون طيار. ولكن لا يبدو أن التصعيد الحاصل في الحدود سيبعثر التفاهمات غير المعلنة بين السعودية والحوثيين، والتي تجرى منذ أواخر سبتمبر/ أيلول الماضي، بل كان بمثابة رد اعتبار على الغارات الجوية صبيحة عيد الفطر. وقالت مصادر سياسية، لـ"العربي الجديد"، إن "جماعة الحوثي أبدت مرونة خلال الأيام الماضية حيال المبادرة الأممية لوقف الحرب، ولا تريد التوجّه نحو تصعيد حقيقي، بل تحرص على الظهور كنّد قوي حتى لا يُطلب منها تقديم تنازلات أكبر على طاولة المفاوضات المرتقبة".

وخلافاً للهجوم الصاروخي في العمق السعودي، حقق الهجوم على مقر وزارة الدفاع اليمنية في قاعدة "صحن الجن" العسكرية دفعة معنوية أكبر للحوثيين بقدرتهم على الوصول إلى المعقل الرئيس للجيش الوطني اليمني، الذي يخوض المعركة البرية ضدهم منذ خمس سنوات. وكان الصاروخ الحوثي، الذي أعلن وزير الإعلام في الحكومة معمر الإرياني نجاح "باتريوت" التحالف في اعتراضه، ومنع استهداف أهداف وصفها بـ"المدنية"، أقرب إلى إصابة اجتماع عسكري رفيع يضم وزير الدفاع الفريق الركن محمد المقدشي، ورئيس هيئة الأركان العامة الفريق الركن صُغير عزيز، فضلاً عن قيادات الصف الأول بالجيش الوطني. وأكدت مصادر عسكرية، لـ"العربي الجديد"، أن فهد صُغير عزيز، نجل رئيس أركان الجيش، قتل في الهجوم الصاروخي ومعه 7 عسكريين آخرين، جميعهم من حراس رئيس هيئة الأركان. وكشفت المصادر أن الهجوم وقع بعد رفع الاجتماع العسكري الرفيع، حيث سقط الصاروخ على دوريات تابعة لحراسة الفريق صغير عزيز فقط. ووفقاً للمصادر، فقد وجّه نائب الرئيس علي محسن الأحمر بفتح تحقيق فوري حول الهجوم، وسط تخوفات من خلايا نائمة داخل وزارة دفاع الشرعية هي من أبلغت الحوثيين بموعد الاجتماع، وحددت الإحداثيات للصاروخ البالستي.

وفي أول تعليق له عقب الهجوم الذي أودى بحياة نجله، قال رئيس أركان الجيش اليمني، على "تويتر": "كلما أوغلوا في الدم والتدمير، زدنا قوة وصلابة، وزادت قناعتي بقرب نهاية الكهنوت الحوثي وإيران". وتحاول مصادر مقربة من الشرعية دحض رواية الاختراق، بالزعم عن تنصت حوثي على مكالمات قادة الجيش الوطني. وما زالت كل خطوط الهاتف الأرضية والنقالة التي تستخدمها الشرعية تدار من وزارة الاتصالات، الخاضعة للحوثيين، بصنعاء.

وقال الضابط في الجيش اليمني ماجد الشرعبي، لـ"العربي الجديد"، إن عدم تحرير مديرية صرواح سيجعل مدينة مأرب وكافة معسكرات الجيش اليمني والتحالف تحت رحمة الصواريخ الحوثية. وأضاف: "هناك خلايا حوثية داخل الجيش الوطني، وفي السنوات الماضية كان الحوثي يستهدف مقر المحافظة فور وصول نائب الرئيس علي محسن الأحمر، كما أن هناك خللاً في الاتصالات العسكرية والشفرات الخاصة، يجعل الحوثيين يعرفون كافة تحركات الجيش".

وهذه ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها مقر وزارة الدفاع اليمنية لهجوم صاروخي حوثي. ففي فبراير/ شباط الماضي، أسفر هجوم بطائرات مسيرة عن انفجارات عنيفة داخل المعسكر، واشتعال النار داخل مخازن أسلحة ظلت تنفجر لعدة ساعات. وأواخر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، كان معسكر "صحن الجن" عرضة لهجوم صاروخي أسفر عن مقتل 5 عسكريين، بينهم العميد الركن سعيد الشماحي، وعبد الرقيب الصيادي، قائد معسكر الثنية سابقاً. وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تعرض مقر وزارة الدفاع لهجوم صاروخي أثناء اجتماع بحضور وزير الدفاع محمد المقدشي، وقائد قوات التحالف في مأرب قائد القوات السعودية اللواء الركن عبد الحميد بن هادي المزيني، وعدد من القادة العسكريين، لكنه أسفر عن مقتل جنود فقط. وطيلة الهجمات الحوثية السابقة، تقاعست الشرعية عن إجراء تحقيقات جادة، أو محاولة إصلاح الثغرة الأمنية الحاصلة. ففي أواخر العام الماضي، أرجعت تحقيقات أولية إحدى الهجمات إلى "صواريخ أميركية ذكية يملكها الحوثيون ويتم توجيهها عبر الأقمار"، في محاولة لإبعاد الشبهات عن إمكانية اختراقها داخلياً.

المساهمون