06 نوفمبر 2024
تصدّعات المجتمع الإسرائيلي
من شأن احتجاجات اليهود الإثيوبيين التي اندلعت في أنحاء إسرائيل أخيراً، ردّاً على مقتل شاب منهم برصاص أحد عناصر الشرطة، أن تعيد إلى السطح مسألة التصدّعات الاجتماعية الملازمة للمجتمع الإسرائيلي، بقدر ما تبرهن في الوقت عينه، على أنه لا ينفك واقعاً تحت وطأة كونه مجتمع مهاجرين، ولم يصل بعد إلى درجة من التجانس، تُتيح ضمان انسجام داخلي في الحدّ الذي يدجّج هدوءاً مُستداماً.
وبرز هذا التصدّع الذي يجوز توصيفه بأنه طائفيّ وطبقيّ (نسبة الفقر بين اليهود الإثيوبيين من الأعلى) مباشرة إثر تفاعلات تصدّع آخر برز أيضاً في الآونة الأخيرة، أشارت إليه بكيفية ما، تبعات الانتخابات الإسرائيلية العامة التي جرت في إبريل/ نيسان الفائت، وحالت نتائجها دون تشكيل حكومة، وهو التصدّع بين اليهود الحريديم (المُتشدّدين دينياً) وفئات يهودية علمانية، ولا سيما داخل أوساط المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق. ولعلّ الأصح أن تُنعت هذه الأوساط بأنها غير متدينة، فهي هاجرت في حينه إلى دولة الاحتلال بسبب انتمائها الديني، وكانت تلك الدولة راغبةً بهجرتها وتحتاج إليها، على الرغم من أنها لا تعتبرها يهودية من ناحية الشريعة الدينية اليهودية، بسبب الصراع الإثني - القومي الذي تخوضه، واختار أفرادها أن يكونوا يهوداً، نظرياً وعملياً.
بغية التوضيح، ما منع تأليف حكومة أخرى برئاسة بنيامين نتنياهو هو عدم انضمام رئيس حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان إلى حكومةٍ كهذه، وقد أشار بنفسه إلى أن موقفه بشأن عدم الانضمام هذا "مسألة مبدئية"، تتصل برفضه محاولات اليهود الحريديم فرض قيود دينية على المجتمع الإسرائيلي، وإلى أن هذا الموضوع بالنسبة إليه أيديولوجي، لكونه يريد "دولة يهودية قومية"، لا "دولة خاضعة لأحكام الشريعة اليهودية". وسعى ليبرمان إلى إقرار "قانون التجنيد" الذي يهدف إلى جعل الخدمة العسكرية إلزاميةً للشبان الحريديم، ويصطدم بمعارضة أحزابٍ حريدية، أراد نتنياهو أن يشركها في ائتلافه الحكومي. ويتطلّع ليبرمان أكثر شيء إلى أن يرمّم صورته في صفوف المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفييتي السابق، قاعدته الانتخابية الرئيسية، بعد أن تعرّضت إلى الاهتزاز عقب انضمامه إلى الحكومة السابقة، وتسلّم منصب وزير الدفاع فيها، وإخفاقه في أن يفرض انتهاج سياسةٍ أكثر صرامة حيال قطاع غزة، كما تعهّد مراراً وتكراراً.
ولكن المقارنة بين الجماعتين تُحيل ربما على الفارق بين الأثر والتأثير، المتوقعين لكل من التصدّعين السالفين على حدة، فبينما يشكل اليهود المهاجرون من الاتحاد السوفييتي السابق وزناً انتخابياً، من الصعب عدم أخذه في الاعتبار داخل الواقع السياسي، فإن عدد اليهود الإثيوبيين قليل نسبياً، ولم ينجحوا حتى في تشكيل مجموعة ضغط سياسية، وظلوا هدفاً للعداء، بل للاحتقار.
وسبق لكاتب هذه السطور أن أشار، على خلفية حادثة قتل شبيهة لشاب يهودي إثيوبي برصاص الشرطة الإسرائيلية في مطلع العام الحالي، إلى أنه كُتبت بشأن موضوع العنصرية التي يعاني منها اليهود الإثيوبيون تقارير ومُذكراتٌ يصعب حصرها، أظهرت كلها بجلاء أن ليس المؤسسة الرسمية السياسية والأمنية فحسب، إنما أيضاً معظم أفراد المجتمع الإسرائيلي يتعاملون معهم بعنصرية واستعلاء، بالأساس بسبب لون بشرتهم السوداء، وينعتونهم بأبشع الصفات، التي ليس أقلها أنهم "صراصير" و"عبيد".
كما أن اليهود الإثيوبيين، وبخلاف المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق، يسعون إلى الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، لكنهم يواجهون الإقصاء المُسبق بسبب لون بشرتهم، والتشكيك في انتمائهم الدينيّ اليهوديّ. وما زالت المدارس المختلطة التي يتعلّم فيها أبناؤهم تُفرد لهم صفوفاً خاصة لإبعادهم عن الآخرين، وما زالوا يتعرّضون إلى إهانات يومية على خلفية لون بشرتهم.
في ضوء هذا الواقع، ليس مبالغة التنويه أنه في ما يخصّ قيمة المساواة، ما تزال في دولة الاحتلال نزعة متأصلة نحو التمسّك بالنظرية التي ترى أن "الغير (الغوي)" أدنى. وهذا "الغير" بات يشمل كل من هو "غير يهودي" وكذلك "غير أشكنازي"!
وبرز هذا التصدّع الذي يجوز توصيفه بأنه طائفيّ وطبقيّ (نسبة الفقر بين اليهود الإثيوبيين من الأعلى) مباشرة إثر تفاعلات تصدّع آخر برز أيضاً في الآونة الأخيرة، أشارت إليه بكيفية ما، تبعات الانتخابات الإسرائيلية العامة التي جرت في إبريل/ نيسان الفائت، وحالت نتائجها دون تشكيل حكومة، وهو التصدّع بين اليهود الحريديم (المُتشدّدين دينياً) وفئات يهودية علمانية، ولا سيما داخل أوساط المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق. ولعلّ الأصح أن تُنعت هذه الأوساط بأنها غير متدينة، فهي هاجرت في حينه إلى دولة الاحتلال بسبب انتمائها الديني، وكانت تلك الدولة راغبةً بهجرتها وتحتاج إليها، على الرغم من أنها لا تعتبرها يهودية من ناحية الشريعة الدينية اليهودية، بسبب الصراع الإثني - القومي الذي تخوضه، واختار أفرادها أن يكونوا يهوداً، نظرياً وعملياً.
بغية التوضيح، ما منع تأليف حكومة أخرى برئاسة بنيامين نتنياهو هو عدم انضمام رئيس حزب إسرائيل بيتنا، أفيغدور ليبرمان إلى حكومةٍ كهذه، وقد أشار بنفسه إلى أن موقفه بشأن عدم الانضمام هذا "مسألة مبدئية"، تتصل برفضه محاولات اليهود الحريديم فرض قيود دينية على المجتمع الإسرائيلي، وإلى أن هذا الموضوع بالنسبة إليه أيديولوجي، لكونه يريد "دولة يهودية قومية"، لا "دولة خاضعة لأحكام الشريعة اليهودية". وسعى ليبرمان إلى إقرار "قانون التجنيد" الذي يهدف إلى جعل الخدمة العسكرية إلزاميةً للشبان الحريديم، ويصطدم بمعارضة أحزابٍ حريدية، أراد نتنياهو أن يشركها في ائتلافه الحكومي. ويتطلّع ليبرمان أكثر شيء إلى أن يرمّم صورته في صفوف المهاجرين اليهود من الاتحاد السوفييتي السابق، قاعدته الانتخابية الرئيسية، بعد أن تعرّضت إلى الاهتزاز عقب انضمامه إلى الحكومة السابقة، وتسلّم منصب وزير الدفاع فيها، وإخفاقه في أن يفرض انتهاج سياسةٍ أكثر صرامة حيال قطاع غزة، كما تعهّد مراراً وتكراراً.
ولكن المقارنة بين الجماعتين تُحيل ربما على الفارق بين الأثر والتأثير، المتوقعين لكل من التصدّعين السالفين على حدة، فبينما يشكل اليهود المهاجرون من الاتحاد السوفييتي السابق وزناً انتخابياً، من الصعب عدم أخذه في الاعتبار داخل الواقع السياسي، فإن عدد اليهود الإثيوبيين قليل نسبياً، ولم ينجحوا حتى في تشكيل مجموعة ضغط سياسية، وظلوا هدفاً للعداء، بل للاحتقار.
وسبق لكاتب هذه السطور أن أشار، على خلفية حادثة قتل شبيهة لشاب يهودي إثيوبي برصاص الشرطة الإسرائيلية في مطلع العام الحالي، إلى أنه كُتبت بشأن موضوع العنصرية التي يعاني منها اليهود الإثيوبيون تقارير ومُذكراتٌ يصعب حصرها، أظهرت كلها بجلاء أن ليس المؤسسة الرسمية السياسية والأمنية فحسب، إنما أيضاً معظم أفراد المجتمع الإسرائيلي يتعاملون معهم بعنصرية واستعلاء، بالأساس بسبب لون بشرتهم السوداء، وينعتونهم بأبشع الصفات، التي ليس أقلها أنهم "صراصير" و"عبيد".
كما أن اليهود الإثيوبيين، وبخلاف المهاجرين من الاتحاد السوفييتي السابق، يسعون إلى الاندماج في المجتمع الإسرائيلي، لكنهم يواجهون الإقصاء المُسبق بسبب لون بشرتهم، والتشكيك في انتمائهم الدينيّ اليهوديّ. وما زالت المدارس المختلطة التي يتعلّم فيها أبناؤهم تُفرد لهم صفوفاً خاصة لإبعادهم عن الآخرين، وما زالوا يتعرّضون إلى إهانات يومية على خلفية لون بشرتهم.
في ضوء هذا الواقع، ليس مبالغة التنويه أنه في ما يخصّ قيمة المساواة، ما تزال في دولة الاحتلال نزعة متأصلة نحو التمسّك بالنظرية التي ترى أن "الغير (الغوي)" أدنى. وهذا "الغير" بات يشمل كل من هو "غير يهودي" وكذلك "غير أشكنازي"!