تشويه روميو وجولييت

06 مايو 2020
يظهر المسلسل دمشق كمدينة رخاء(لؤي بشارة / فرانس برس)
+ الخط -
في العامين الأخيرين، حاولت الدراما السورية أن تستعيد بريقها الضائع مجدداً من خلال الانتفاض على ذاتها وعلى المسلسلات الهزيلة التي تم تقديمها في سنوات الحرب؛ تلك المسلسلات الاجتماعية المثقلة بالرسائل السياسية المباشرة الداعية لتبرئة النظام الحاكم وتمجيده، والتي كان لها الدور الأبرز بتراجع شعبية الدراما السورية وانحسار انتشارها عربياً. لذلك، حاولت الدراما السورية أن تؤسس خلال العامين الماضيين لدراما "ما بعد الحرب"، من خلال إنتاج العديد من المسلسلات التي تنتمي لنمط الدراما الاجتماعية، والتي تتجاهل بشكل كلي الإطار السياسي الذي يغلف الواقع السوري.
وفي تجربة، هي الأغرب من نوعها، تعود الدراما السورية إلى إرث شكسبير المسرحي لتستلهم منه حبكة مسلسلها الاجتماعي الجديد: "نبض"، الذي ألفه فهد المرعي وأخرجه عمار تميم، وتمت صياغته بالاستناد لمسرحية "روميو وجولييت" ضمن فضاء مدينة دمشق الدرامي. وإن حاولنا أن نصف المسلسل بتعبير أدق: هو نسخة مشوهة من "روميو وجولييت" تدور أحداثها في نسخة مشوهة من مدينة دمشق.
هذه النسخة المشوهة، تحتفظ ببعض ملامح مسرحية شكسبير الأصلية، فهي تستنسخ مشهد النهاية الشهير الذي ينتحر فيه العاشقان، وتستخدمه كافتتاحية للمسلسل، دون إيجاد مبرر درامي، وبعد هذا المشهد تعود الأحداث بشكل مفاجئ إلى زمن ما قبل التقاء بطلي الحكاية "مراد" (عامر علي)، و"لارا" (رواد عليو). وبعد ذلك، تسير الحكاية ببطء ضمن خط زمني واحد. كذلك، تحتفظ النسخة السورية المشوهة بالعداء التاريخي الذي يربط بين عائلتي "مراد" و"لارا". لكن الكاتب فهد المرعي يحاول أن يتلاعب بباقي تفاصيل الحكاية لتصبح ملائمة للواقع السوري.
في مسلسل "نبض"، تتغير ملامح شخصيتي "روميو" و"جولييت" جذرياً، فتتحول شخصية الفارس العاشق "روميو" إلى شخصية الرسام المبتذل "مراد"، الذي يعيش أزمة عاطفية مبهمة تجعله غير قادر على إتمام اللوحات التي يرسمها. كما تتحول شخصية الفتاة الصغيرة والرقيقة "جولييت" إلى صاحبة سلسلة المطاعم "لارا". يستغني المرعي عن مشهد اللقاء الشهير ضمن الحفلة الراقصة في منزل "جولييت"، ويستعيض عنه بمشهد مبتذل يخلو من أي طابع رومانسي، حين تلتقي "لارا" بـ"مراد" أثناء بحثها الدؤوب عن رسام ترغب بتوظيفه ليرسم لها لوحات لتعلقها ضمن سلسلة المطاعم الخاصة بها.
من خلال هذه الحكاية وما يحيط بها من هوامش، يرسم مسلسل "نبض" نسخة مشوهة من مدينة دمشق؛ لتبدو دمشق في المسلسل كمدينة يعيش أهلها برخاء ورفاهية فائقة، وتتلخص هموم الشباب فيها بالبحث عن الهوية والاستقلالية والانطباعات والتركيبات الجمالية. فلا نلمح في المسلسل أي آثار لمدينة دمشق التي يعاني أهلها في الآونة الأخيرة من نقص بالموارد الأولية وانهيار بالقطاع الخدمي، بل على العكس من ذلك، تبدو دمشق في "نبض" كوجهة مثالية للعمالة الأجنبية، فيركز المسلسل بحلقاته الأولى على حكاية فتاة تونسية جاءت إلى دمشق لتعمل فيها! وكذلك تبدو مدينة دمشق في "نبض" كفضاء آمن وحر، شوارعها مفتوحة للجميع؛ وهو ما يمكن قراءته من خلال المشاهد التي يجلس فيها "مراد" على قارعة الطريق ليمارس نشاطه الفني في شوارع مدينته النموذجية!
وعن طريق هذه الصورة الفائقة عن مدينة دمشق، يمرر المسلسل رسائله السياسية غير المباشرة؛ فهو كغيره من مسلسلات "ما بعد الحرب"، يحاول أن يشير إلى حالة الاستقرار والرفاهية التي تنعم بها سورية في ظل حكم الأسد بعدما انتصر على الإرهاب، ويقدم سورية كوجهة سياحية وسوق للاستثمارات التجارية. ويحاول "نبض" أن يغلف هذه الرسائل السياسية بثوب الرومانسية.
وأي رومانسية؟ إنها رومانسية مبتذلة، لا يمكن النظر إليها سوى كامتداد لمسلسلات فراس إبراهيم التي قدمها في العقد الأول من الألفية الثالثة، والتي كانت ولا تزال محط سخرية؛ بل إن المشاهد التي يتحدث فيها عامر علي عن الفن وأسلوبه الاستعراضي بتكوين اللوحات، تتفوق برداءتها على مشاهد فراس إبراهيم الرومانسية التي يغني فيها باللغة الإنكليزية.
المساهمون