تسريبات مقتل حمزة بن لادن: إنجاز أميركي "رمزي"

02 اغسطس 2019
رافق حمزة بن لادن والده في أفغانستان (يوتيوب)
+ الخط -
لم يُحدث تسريب خبر مقتل حمزة بن لادن، أحد أبناء مؤسس وزعيم تنظيم "القاعدة" الراحل أسامة بن لادن، والذي كشفت عنه أمس الأول الأربعاء قناة "إن بي سي" الإخبارية الأميركية، كثيراً من الضجة، أقله مقارنة بمقتل أبيه في باكستان منذ أعوام، ونظراً إلى خفوت وهج التنظيم، أو تراجع دوره في حمل راية "الجهاد العالمي"، ضد الولايات المتحدة ومصالحها وحلفائها في العالم، من بين أسباب أخرى. وإلى حين خروج معطياتٍ أوفر، حول ظروف مقتل حمزة، والذي لم يؤكد رسمياً بعد، تبقى بعض الاستنتاجات بديهية، لعلّ أهمها أن عائلة بن لادن لن تقود على الأرجح الجيل الجديد من التنظيم، وذلك حتى ترشح المزيد من التفاصيل حول مكان مقتله، والجهة التي تقف وراءه.

وكان لافتاً أمس الخمس عدم صدور تعليق من البيت الأبيض حول مقتل حمزة بن لادن، ورفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب التطرق إليه، في ظلّ تضارب في المعلومات حول مكان وزمن مقتله، والذي حصل قبل الإعلان في فبراير/شباط الماضي عن جائزة من الحكومة الأميركية لكل من يساهم في الإدلاء بمعلومات حوله. كما لم يؤكد خبر مقتل حمزة بن لادن لا من وزارة الدفاع (البنتاغون) أو أجهزة الاستخبارات الأميركية أو التنظيم نفسه.

ونقلت قناة "إن بي سي"، الأربعاء، عن ثلاثة مسؤولين أميركيين، لم تسمهم، أنّ لدى واشنطن معلومات مصدرها أجهزة استخبارات، عن مقتل حمزة بن لادن، المولود في التاسع من أيار/مايو 1989 في جدة، والذي يُعتبر "قيادياً رئيسياً" في "القاعدة". من جهتها، أفادت صحيفة "نيويورك تايمز"، استناداً إلى مسؤولين أميركيين اثنين، بأن الولايات المتحدة أدت دوراً "غير واضح" في عملية قتل نجل أسامة بن لادن، التي حصلت في وقت ما خلال العامين الأولين من عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب. وقال المسؤولان إن مقتل حمزة، حصل قبل إعلان الولايات المتحدة في فبراير/شباط الماضي، عن جائزة قدرها مليون دولار لمن يدلي بمعلومات حول مكان تواجده. واعتبرت الصحيفة أن الخبر بحد ذاته، يعد "انتصاراً رمزياً" للإدارة الأميركية، أكثر من أنه يمثل "إزاحة خطر أو تهديدا"، خصوصاً أن التنظيم لم ينفذ أي عمليات منذ فترة طويلة ضد الولايات المتحدة ومصالحها.

وكانت رسائل كشفتها وكالة "فرانس برس" في أيار/مايو 2005، أكدت أنّ أسامة بن لادن، الذي قتل على يد قوات خاصة في أبوت آباد في باكستان في عام 2011، في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، اختار حمزة، وهو الخامس عشر من أبنائه، البالغ عددهم نحو 20، ومن زوجته الثانية، ليخلفه على رأس التنظيم الذي يقوده حالياً أيمن الظواهري.

وفي آذار /مارس الماضي، سحبت الرياض الجنسية السعودية من حمزة، فيما أضافت لجنة الأمم المتحدة للعقوبات ضدّ تنظيمَي "داعش" و"القاعدة" اسمه إلى لائحة الأشخاص الذين يخضعون لتجميد دولي لموجوداتهم وحظر للسفر. وكان الزعيم الحالي لـ"القاعدة" أيمن الظواهري قد سمى حمزة، في آب/أغسطس 2015، رسمياً، عضواً في تنظيم "القاعدة"، وخليفته المرجّح على رأس الشبكة، كـ"أسدٍ شاب سيحمل القضية قدماً". وكانت وكالة "سي آي إيه" قد قتلت ابناً آخر لأسامة بن لادن، سعد، بضربة بطائرة مسيّرة في عام 2009 في منطقة نائية في باكستان، فيما قتل خالد بن لادن مع أبيه، في عملية أبوت آباد.

ورافق حمزة بن لادن والده في أفغانستان قبل 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتعلّم استخدام الأسلحة ونشرت له تسجيلات فيديو على الإنترنت هاجم فيها الأميركيين واليهود و"الصليبيين". ووفقاً لرسائل تم العثور عليها من قبل البحرية الأميركية على جهاز حاسوب في مجمع أسامة بن لادن خلال العملية التي قُتل فيها، كتب حمزة إلى والده طالباً منه أن يتدرّب من أجل إكمال مسيرته.

انفصل حمزة، الذي أدرج على اللائحة السوداء الأميركية "للإرهابيين الدوليين"، في عام 2017، عن والده عشيّة اعتداءات 2001 التي استهدفت الولايات المتحدة، ولم يره بعد ذلك. وبحسب المعلومات المتوفرة، فقد انتقل حمزة إلى الحياة السرّية، لكنّه بقي على اتّصال مع والده. وأكّد حمزة في رسائل عثر على بعضها خلال العمليّة الأميركيّة التي قُتل فيها والده، للأخير، أنّه "صلب مثل الفولاذ" ومستعدّ لتحقيق "النصر أو الشهادة". وفي تسجيل صوتي بثّه التنظيم على الإنترنت في آب/أغسطس 2015، أشاد حمزة بـ"استشهاد" والده وأخيه الأكبر خلال محاولته الدفاع في أبوت أباد، داعياً "الجهاديين" في جميع أنحاء العالم إلى "الضرب من كابول إلى بغداد، ومن غزّة إلى واشنطن ولندن وباريس وتل أبيب"، على حد قوله. كما هاجم في تسجيلات صوتية نسبت له، النظام في السعودية، ودعا إلى تفعيل "الجهاد" في سورية. ولم يسجل لحمزة بن لادن، أي هجوم على تنظيم "داعش". كذلك هدّد باستهداف مواطني الولايات المتحدة في الخارج، وحث القبائل السعودية على التوحّد مع فرع "القاعدة" في اليمن، للقتال ضد الدولة السعودية.

وكشفت صحيفة "ذا تايمز" البريطانية، في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2016، أنّ تنظيم "القاعدة" يخطط لسلسلة هجمات "إرهابية" في أوروبا كجزء من "عودة القاتل"، حينما يُهزم تنظيم "داعش"، وأشارت حينها إلى أنّ حمزة بن لادن يؤدي دوراً بارزاً في إعادة تشكيل "القاعدة".

وفي صورة مركّبة، وضعها على الإنترنت في 10 سبتمبر 2017، مسؤولو الإعلام الدعائي لتنظيم "القاعدة" في الذكرى السادسة عشرة لاعتداءات نيويورك وواشنطن، ظهر وجه أسامة بن لادن بين ألسنة اللهب في البرجين التوأمين لمركز التجارة العالمي، وإلى جانبه ابنه حمزة. وقد أدّى هذا الحضور، منذ سنوات في الإعلام الدعائي للشبكة، إلى وصفه بـ"ولي عهد الجهاد".

ويأتي خبر مقتل بن لادن، فيما يقود الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حملة إعادة انتخابه لولاية رئاسية جديدة، مروجاً لانسحاب أميركي لقوات بلاده من أفغانستان، التي أطلقت منها أميركا "حربها على الإرهاب" في تشرين الأول/أكتوبر 2001. وكانت الأمم المتحدة قد أكدت في تقرير لها صدر مع بداية العام الحالي، أن حركة "طالبان" التي تدير معها واشنطن مفاوضات للخروج من هذا البلد، تبقى على علاقة متينة وصلبة مع "القاعدة". كما يأتي الخبر، في ظلّ التطورات الإيرانية الأميركية، وفيما لا يزال غير معروف الجهة التي نفذت العملية، والجهات الاستخبارية المتعاونة فيها.

وكانت الاستخبارات الأميركية قد أفرجت في عام 2017 عن صورة لحمزة بن لادن، من عرسه في إيران، حيث ظلّ متواجداً لفترة طويلة بعد أحداث 11 سبتمبر. وأشارت تقارير عدة إلى الخلاف الذي نجم بين "القاعدة" وإيران، حول مكوث ابن بن لادن فيها.

كذلك يأتي الكشف عن مقتل حمزة، بعد تحسّن في العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد، كانت آخر مؤشراته "تليين" باكستاني في الموقف من أفغانستان، وزيارة رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان للبيت الأبيض.

في هذه الأثناء، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" أمس الخميس، إن وكالة "سي آي إيه" تواصل ملاحقة الظواهري. ونقلت عن مسؤولين استخباريين أميركيين سابقين، قولهم إن الوكالة أجرت في العامين 2012 و2013، جهداً متطوراً، لتحديد إذا ما كان الظواهري يعيش في قرية في منطقة شمال وزيرستان المتوترة في باكستان.
المساهمون