ترويج الصابون

17 مارس 2017
أليسيا مارتن/ إسبانيا
+ الخط -

في عام 1999، اشترى أحد الكتّاب، كما يروي ألبرتو مانغويل في كتابه "فن القراءة"، عشرين ألف نسخة من أحد مؤلفاته. وفي غضون أشهر بدأ الكتاب يظهر في قوائم الكتب الأكثر مبيعاً، وهذا ما شجّع القرّاء على اقتناء الكتاب بعد أن أصبح رائجاً بحسب الإحصائيات التي تتابع المبيعات.

وفيما يكتب د .هـ .لورنس إلى إدوارد غارنيت قائلاً: "لو طبعت هاملت أو أوديب الآن لما بيع منهما أكثر من مائة نسخة، إلا إذا رُوّج لهما"، لا يناصر مانغويل هذا السلوك الذي يرى أنه يغدو "مرآة للتبرّج والغرور"، دون أن ينكر أن هذه الإستراتيجية تضرب جذورها عميقاً في تربة الثقافة الغربية.

ويمكن أن تكون النصيحة العاشرة من بين نصائح الشاعر الأميركي عزرا باوند ملائمة لأغراض مانغويل عن مسألة الترويج، حين قال موجّهاً كلامه للكاتب: "تعلم منهج رجل العلم في عمله عوضاً عن منهج المروّج الذي يحاول بيع الصابون".

من الصعب أن تحفل القراءة في العالم العربي بمثل هذه السياسات. ففي سورية مثلاً، ارتفع سعر الكتاب أكثر من عشرة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية. وفي هذا السياق يروي أحد الكتّاب أنه أراد أن يهدي كتابه لأحد أصدقائه، فاكتشف أن سعره تضاعف عشر مرات، من ثلاثمائة إلى ثلاثة آلاف. وهي نكبة صاعقة توازي عشرة بالمائة من دخله الشهري.

الأدهى من ذلك أن الصديق استدعى قليلاً من الحسد، حين عرف أن الكاتب يتقاضى نسبة عشرة بالمائة من سعر الغلاف. بينما لم يقل الكاتب إنه لا يزال، وسوف يظل، يتقاضى حصّته من السعر القديم، أي ثلاثين ليرة فقط.

وما تغاضى عنه أيضاً هو أن كتابه كان كاسداً تقريباً في السوق، وأن الناشر لا يدفع الحقوق، وهذا هو حال المئات من الكتب التي تنتظر القرّاء الذين لا يأتون. وقلما تنفع إستراتيجيات "بيع الصابون" الترويجية التي يمارسها الناشرون والكتّاب في معارض الكتب، إلا في تغطية قسم من النفقات التي دفعت في الطباعة.

ولا يبدو من تلك المناسبات أنها تريد الترويج للكتاب، بل للسلعة. إذ إن نشر المعرفة يتطلّب سياسة أخرى تتعرّف إلى حاجات القارئ، لا مطالب السوق. وتستبدل الترويج المفتعل ذا الطابع الاحتفالي، بتنشيط القراءة العامة، ودعم أسعار الكتب.

وهو ما تمتنع عنه جميع الأنظمة العربية. والملاحظ أن المشتركين في هذه الصناعة يميلون إلى إبداء الحرص على "الأمن القومي"، حين يضعون المسؤولية في أسباب كساد الكتاب، وتدنّي عدد القرّاء، على عاتق الدولار، لا على انخفاض قيمة العملة الوطنية. فيما لا يذكر أن المواد الأولية في هذه الصناعة لا تنتسب إلى الوطن.

وبينما تهرول الثقافة بعيداً عن المجتمع كلّه، وينزوي الكاتب في ركن بعيد مهدّداً بالدولار الأميركي، يتحوّل القراء المدمنون إلى الكتاب المصوّر في المواقع الإلكترونية، فيما يئن الناشرون ممن يسمّونهم "القراصنة". قد تكون هذه هي المرة الأولى التي تسطو فيها "سفن القراصنة" على بضائع المعرفة، كي توزّع الأسلاب مجاناً.

دلالات
المساهمون