ترميم العلاقات الأفغانية الباكستانية

17 نوفمبر 2014
تعاون باكستاني أفغاني لمواجهة التحديات المشتركة (متين أكتس/الأناضول)
+ الخط -

يأمل الأفغان والباكستانيون أن تفتح زيارة الرئيس الأفغاني أشرف غني أحمد زاي، الأخيرة إلى إسلام آباد، صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، لإنهاء حالة التوتر التي سادت العلاقات بين الجارتين خلال الفترة الماضية، ما سيساهم في حل الأزمة الأمنية التي يعاني منها البلدان حالياً.

ويرى كل من راقب الزيارة عن كثب، أنها كانت محاولة جادة من الرئيس الأفغاني لترميم علاقات بلاده بباكستان، وهي ستؤثر إيجاباً على الوضع الأمني في المنطقة برمتها إذا تمكنت الدولتان من رسم خطة متكاملة لمواجهة الجماعات المسلّحة التي تزعزع أمن واستقرار البلدين.

ومن الأمور المهمة التي ميّزت رحلة أحمد زاي إلى إسلام آباد، زيارته مقر القيادة العامة للجيش الباكستاني في مدينة راولبندي كأول رئيس أفغاني يقوم بذلك، وإجراؤه مباحثات مع القيادة العسكرية بشأن ملفات بارزة، أهمها الملف الأمني والوضع على جانبي الحدود الأفغانية الباكستانية.

وبحسب الخبراء، فإن الرئيس الأفغاني أوحى عبر هذه الخطوة بأنه يدرك جيداً أن مركز القوة في باكستان هو الجيش، وأن أي اتفاق معه قد ينعكس إيجاباً على الوضع الأمني في بلاده. كما سعى أحمد زاي إلى إقناع القيادة الباكستانية بالتعاون في مجال الحوار مع حركة "طالبان".

وتوصّل البلدان خلال الزيارة أيضاً إلى تعزيز التعاون بينهما في مجالات التجارة والاقتصاد والطاقة، وكان رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف قد أكد أن ازدهار أفغانستان واستقرار الأوضاع فيها ليست في مصلحة بلاده فحسب، بل في مصلحة المنطقة بأسرها.

من جهته، أعرب الرئيس الأفغاني عن أمله في تعاون الدولتين لمواجهة التحديات المشتركة، مشدداً على أن بلاده مستعدة لأن تعمل مع باكستان لتحقيق التنمية الاقتصادية والتجارية، ومشيراً إلى أن التصدي للوضع الأمني الذي يسود البلدين هو الأساس.

وكان لافتاً في زيارة أحمد زاي موقف الزعيم السياسي والديني البارز في باكستان زعيم جمعية "علماء الإسلام" المولوي فضل الرحمن، الذي أكد خلال لقائه بالرئيس الأفغاني أن الوجود الأجنبي هو المبرر للكفاح المسلّح الذي تقوم به "طالبان"، مشيراً إلى استمرار دعمه لـ "طالبان" والجماعات المسلّحة المناوئة للوجود الأجنبي في أفغانستان، ما دامت القوات الأجنبية متواجدة في البلاد.

هذا الأمر لم يحظَ باهتمام كبير في باكستان، ولم يُلقِ الإعلام الباكستاني ولا الساسة الباكستانيون له بالا. كما أن الرئيس الأفغاني والوفد المرافق لم يأخذا تصريحات فضل الرحمن على محمل الجد في الظاهر، بل وُجّهت دعوة له لزيارة كابول بهدف مناقشة ملف الحوار مع "طالبان"، على الرغم من موقفه المعارض لسياسة البلدين، لأن أحمد زاي يعي جيداً أن فضل الرحمن يحظى بعلاقات جيدة مع "طالبان" وبإمكانه أن يلعب دوراً فاعلاً في عملية الحوار.

وعلى عكس الوضع في باكستان، كانت لمواقف فضل الرحمن صدى كبير على الساحة الإعلامية والسياسية الأفغانية.

ودان العديد من الساسة ووسائل الإعلام في أفغانستان، هذا الموقف، واعتبروه تدخلاً في شؤون البلاد الداخلية، ذلك لأن فضل الرحمن يُعتبر من الشخصيات التي تحظى بنفوذ واسع في الأوساط الدينية في أفغانستان وهو حليف رئيس الوزراء الباكستاني، كما أنه يمثّل شريحة كبيرة في باكستان.

وشجب أعضاء البرلمان الأفغاني في جلسته الأخيرة تصريحات رجل الدين الباكستاني، ودانوا كافة الخطوات التي تؤدي إلى تدهور الأوضاع الأمنية في أفغانستان، وتؤثر عكساً على العلاقات بين كابول وإسلام آباد. كما طالبوا الحكومة الأفغانية باتخاذ موقف حيال تصريحاته، التي اعتبروها تحريضاً على استمرار الحرب في البلاد.

وفي المحصلة، يعرف المراقبون عن كثب لزيارة الرئيس الأفغاني، ولترحيب المؤسسة العسكرية الباكستانية بهذه الزيارة، أن هناك تحوّلاً في سياسة باكستان، التي علمت أن وجود الجماعات المسلّحة في المنطقة قد يكون على حساب أمن الدولتين وليست دولة واحدة، لذا فهي تعمل الآن مع أفغانستان لإنجاح عملية المصالحة بين "طالبان" والحكومة الأفغانية، وهو ما يأمله الأفغان.

وفي حين تعاني باكستان من أمنها الداخلي وتواجه تصعيداً على الحدود مع الهند، بالإضافة إلى خشيتها من بسط نفوذ إيران والهند في المنطقة، ليس أمامها إلا التعاون مع أفغانستان، لما فيه مصلحتها ومصلحة المنطقة برمتها.

أما حركة "طالبان" بشقيها الأفغاني والباكستاني، فقد تكون أول ضحية لأي اتفاق أمني بين كابول وإسلام آباد، وهي كثّفت خلال اليومين الماضيين من هجماتها على طرفي الحدود الأفغانية والباكستانية. وفي حين تحدثت تقارير عن وقوع هجمات على مواقع الجيش الأفغاني في إقليم كنر، أعلن الجيش الباكستاني مقتل خمسة من جنوده في هجوم كبير لـ "طالبان" في منطقة دته خيل في مقاطعة شمال وزيرستان. ولا يستبعد المراقبون أن يدفع التعاون بين كابول وإسلام آباد في المجال الأمني، الجماعات المسلّحة في المنطقة إلى توحيد صفوفها.

المساهمون