ووفقاً للمعلومات الواردة من مصادر في رئاسة الوزراء، فإن داود أوغلو استمع لممثلي الأقليات الدينية في تركيا، خلال الاجتماع الذي عُقد في مكتبه بقصر دولمه باغجه التاريخي في اسطنبول، وعُرضت على طاولة الاجتماع، بعض المشاكل التي واجهت الأقليات غير المسلمة في تركيا.
ويُشكّل الاجتماع مع قيادات الأقليات غير المسلمة، خطوة أخرى تحاول من خلالها حكومة "العدالة والتنمية" التصالح مع ماضي الجمهورية التركية السيئ في التعامل مع الأقليات عموماً، والمسيحيين خصوصاً. إذ سبقت الاجتماعات، حزمة إصلاحات تقدمت بها حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان في أكتوبر/تشرين الأول من العام 2013، والتي خصّت الأكراد بشكل أساسي، لكنها لم تنس إعادة أراضٍ تابعة لأوقاف دير مار جبرائيل للسريان الأرثوذكس في ولاية ماردين، وأيضاً إعادة وقفاً للروم الأرثوذكس في ولاية هاتاي (أنطاكيا).
كما تمّ ترميم إحدى الكنائس في منطقة اسكندرون أخيراً، وإعادتها للطائفة الأرمنية، كما استعاد الكلدان أيضاً كنيسة لهم في في قرية بوتة (شرق البلاد)، بعد 12 عاماً من تحويلها إلى مسجد. واستعادت الطائفة البروتستانتية إحدى كنائسها في مدينة مدياد، التابعة لولاية ماردين، بعد تشكيل هيئة للمطالبة بها.
ولا يوجد إحصائيات رسمية حول أعداد الكنائس المهملة في الأراضي التركية، التي يُقدِّر ناشطون مسيحيون أعدادها بالعشرات، موزّعة بين السريان والأرمن والروم الأرثوذكس، على مناطق ماردين وباتمان وديار بكر وهكاري وشرناق وفان في الشرق، ومناطق أخرى، منها اسطنبول غرباً، وأنطاكيا، مقرّ الكرسي البطريركي الأول، جنوباً، وغيرها من المدن التركية على ساحل المتوسط وبحر إيجة.
ويُعدّ ملف الأقليات غير المسلمة في تركيا، من أكثر الملفات تعقيداً في التاريخ المعاصر للدولة التركية، سواء في أواخر حقبة السلطنة العثمانية أو مع بعد إعلان الجمهورية التركية، تحديداً بعد المجازر التي حصلت بحق الأرمن عام 1915، خلال الحرب العالمية الأولى، والتي أدت إلى فرار الآلاف من السريان والأرمن والكلدان.
كما أدّت الحرب مع حزب "العمال" الكردستاني، وتردّي الأوضاع الاقتصادية، وغياب حرية التعبير، إلى فرار آلاف العائلات المسيحية من جنوب شرقي تركيا، إلى ألمانيا والسويد تحديداً. لتبقى الكثير من الكنائس مهجورة، وتمّ تحويل بعضها إلى مساجد، كمسجد أولوجامي في ديار بكر، والذي كان سابقاً كنيسة تحمل اسم مار توما.
بُنيت هوية الجمهورية العلمانية التركية الحديثة، على محورين، أحدهما قومي تركي والآخر مسلم، لا تعترف بأي أقلية دينية أو عرقية، قبل أن تكرّسها معاهدة لوزان 1923. واعتمدت المعاهدة نظام الملل العثماني، الذي لم يكن يعترف إلا بالأرمن واليونانيين واليهود، فمنحت المعاهدة حقوق المواطنة الكاملة لغير المسلمين. ونصّ أحد بنودها على سيادة أحكام المعاهدة على القانون التركي.
وبذلك نجح النظام التركي في حصر المعاهدة بالأرمن واليهود والروم الأرثوذكس (غير المحسوب على الكنيسة اليونانية)، لتبقى باقي الأقليات غير المسلمة خارج نطاق المعاهدة، كالسريان والكلدان والروم الأرثوذكس (المحسوبون على اليونان) والذين انتقل القسم الأكبر منهم إلى أثينا، بموجب اتفاقية التبادل السكاني الموقّعة بين الطرفين عام 1923، وأدت إلى انتقال مليون ونصف مسيحي يوناني إلى اليونان، ونصف مليون تركي مسلم من اليونان إلى تركيا.
لم تلتزم تركيا بمعاهدة لوزان منذ توقيعها، كما لم يغير النظام الرسمي تعريفه للأقليات في تركيا منذ عام 1923، باستثناء إضافة البلغار (المسيحيين من أصول بلغارية) في اسطنبول، إلى لائحة الأقليات، في مقابل أن تضمن الدولة البلغارية حقوق الأقلية التركية في بلغاريا.
وقام النظام الرسمي التركي بحلّ المسألة من دون أن يشير إليها، فلا وجود لكلمة "أقليات" في الدستور، ولا حتى الأقليات التي اتفق عليها في معاهدة لوزان. لكن بعد وصول حزب "العدالة والتنمية" إلى الحكم، تغيّرت طريقة التعاطي في قضية الأقليات غير المسلمة، لأسباب عدة، منها عقائدية، تتعلق بإيديولوجية الحزب، التي تشدد على وجوب احترام أوقاف "أهل الذمة".
أما السبب الأهم فقد كان بسبب ضغط الحلم التركي بالدخول إلى الاتحاد الأوروبي، بعد أن حصلت على لقب مرشح لعضويته في عام 2004، لتوضع مسألة حقوق الأقليات على جدول الأعمال، وذلك في محاولة للوفاء بمعايير حماية الأقليات وفق معاهدة كوبنهاغن، الصادرة في العام 1993، والمعنية باحترام حقوق الأقليات الدينية، لكل دولة ترغب في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.