لا تخلو جلسات العائلات السورية في تركيا من الكلام عن الحرب الدائرة في البلاد والتي بحسب ما يبدو لن تنتهي قريباً، قبل أن تنتقل الأحاديث من الذاكرة الجميلة للمدن المدمّرة التي فرّ منها أهلها إلى تشتت العائلات وأوضاع الأقارب في الداخل السوري. ويُثار موضوع العودة التي يتمسّك بها السوريون في مواجهة كل صعوبات إعادة بناء حياتهم. لكنّهم عند التفكير ملياً في العودة وما تتطلبه، يستعيدون مشاعر البؤس التي مزّقتهم في بداية لجوئهم.
تفيد الإحصاءات الرسمية بأنّ نحو مليونين و750 ألف لاجئ سوري يستقرون في تركيا، يعيش نحو 250 ألفاً منهم في المخيمات الموزّعة على مختلف الولايات التركية. وقد وفد هؤلاء اللاجئون على دفعات راحت تتزايد بصورة مطّردة منذ عام 2011 لتتوقّف عملياً مع بداية عام 2015 بعدما أغلقت السلطات التركية كل المعابر الحدودية أمام طالبي اللجوء إلى الأراضي التركية من غير المصابين والمحتاجين إلى عناية طبية. يُذكر أنّ تأشيرة دخول فُرضت على السوريين في بداية العام الماضي.
لا تبدو فكرة العودة بالنسبة إلى محمد الذي انشق عن الجيش السوري في يوليو/ تموز من عام 2012، فكرة واقعية على الإطلاق. يقول: "لا أعرف كيف أصف الأمر، لكنّه بات معقداً جداً. رغم كل هذه السنوات في تركيا، فإنني لم أنجح في تعلم اللغة التركية والتحدث بها بطلاقة. لا وقت لدي، أو ربما لا موهبة لدي في تعلم اللغات". يضيف: "لم أندمج بعد في المجتمع التركي. عالمي كله مؤلف من سوريين وأتراك يتحدثون بالإنكليزية، وأهلي يعيشون في ولاية عنتاب". ويشير إلى أنّه "في بعض الأحيان، يجتاحني حنين كبير لدمشق التي تركناها خلفنا. لكنّ نظرة متأنية وواقعية تجعلك تكتشف أنّ دمشق تلك لم تعد موجودة. أصدقائي مشتتون في أوروبا، ومن جهتي تمكنت من بناء عالمي هنا. لست مرتاحا فيه كما أحلم، لكنّه عالم آمن على الأقل بالنسبة إلي وإلى أهلي، وبات لدي رعب حقيقي من إعادة تجربة البناء من جديد مثلما فعلت في تركيا". ويستدرك محمد: "لا أعرف. قد أعود في وقت ما، لكنّ الأمر بالنسبة إلي على الأقل مرتبط بنوع التسوية السياسية التي تحصل بعد انتهاء الحرب".
من جهته، يبدو عامر رافضاً للعودة إلى سورية وإن انتهت الحرب، ويعبّر عن ندم كبير لأنّه تردّد سابقاً في التوجه إلى أوروبا بواسطة قوارب المهاجرين، عندما كان الطريق مفتوحاً قبل عامَين. يقول: "لا أرغب في العودة، إذ لم يبقَ هناك أيّ من أقاربي أو أصدقائي الذين توزعوا جميعهم بين ألمانيا والسويد والولايات المتحدة الأميركية. كذلك لا أودّ البقاء وأنا أعمل ساعات طويلة في مقابل راتب متواضع في إحدى المطابع، بينما أحمل شهادة في الاقتصاد والمحاسبة".
اقــرأ أيضاً
يضيف عامر أنّ "في تلك الفترة كانت قد صدرت الموافقة على منحي تأشيرة دخول إلى ألمانيا للالتحاق بعائلتي هناك، لكنّني لم أستطع الحصول عليها لمشاكل في جواز السفر. وعندما حصلت على الجواز الجديد بعد أكثر من عام ونصف العام، رفضت القنصلية الألمانية منحي التأشيرة". ويشير إلى أنّه "لا رغبة لدي في البقاء في تركيا، فأنا لا أجد لنفسي أيّ مستقبل هنا".
في السياق، يرى رئيس مركز دراسة السياسات والهجرة في جامعة حجة تبة في أنقرة، مراد أردوغان، أنّ العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في تركيا سوف يبقون في تركيا حتى لو انتهت الحرب. ويقول إنّ "عودة اللاجئين تبدو أمراً معقداً جداً. فمعظم اللاجئين الفارين من الحروب بقوا في بلدان اللجوء على الرغم من عودة السلام إلى بلدانهم الأصلية، ولذلك أبعاد عدّة".
ويشرح أردوغان: "أولاً، يمكن القول إنّ البنية التحتية في سورية دُمّرت كلياً وهي في حاجة بالتالي إلى جهود وأموال ضخمة لإعادة الإعمار، ولا يبدو أنّ أيّ حكومة سورية مستقبلية سوف تكون قادرة على إدارة عملية إعادة إعمار ناجحة. ثانياً، كلما طالت فترة اللجوء بات أمر العودة إلى البلد الأصل أكثر صعوبة. اللاجئون السوريون بمعظمهم لا يقيمون في المخيمات بل في المدن التركية المختلفة، وهذا يعني أنّ نسبة كبيرة منهم باتت لها منازل استقرت بها وكذلك أعمال، في حين أنّ الدولة التركية بدأت تدمج الأطفال السوريين في نظام التعليم التركي. كل ذلك يجعل الانتقال بين مدينة وأخرى أمراً صعباً، فما بالك عندما نتحدث عن العودة إلى دولة مدمّرة".
في المقابل، يعبّر نضال وهو من تل رفعت في ريف حلب، عن نيّته العودة إلى قريته بمجرّد "عودة الحد الأدنى من شروط الحياة الآمنة". ويقول: "أنتظر ذلك بفارغ الصبر، ما إن يعود الهدوء وتخرج القوات الكردية من المنطقة. سوف أعود إلى قريتي حيث أملك 400 دونم من الأراضي، لأزرعها. تعبت من الغربة ودفع الإيجار وعدم القدرة على التواصل مع الناس الذين لا أستطيع أن أفهم ما يقولونه. وتعبت من الحياة المستندة إلى المعونات والمساعدات، فهذا أمر لا يطاق". وعند سؤاله عن حياة أولاده وتعليمهم، يجيب: "ليفعلوا ما يشاؤون. أنا سوف أعود إلى أرضي. من يريد التعلم سوف يفعل لو في أحلك الظروف، ومن لا يريد فلن يفعل لو أرسلته إلى مدرسة في سويسرا".
اقــرأ أيضاً
تفيد الإحصاءات الرسمية بأنّ نحو مليونين و750 ألف لاجئ سوري يستقرون في تركيا، يعيش نحو 250 ألفاً منهم في المخيمات الموزّعة على مختلف الولايات التركية. وقد وفد هؤلاء اللاجئون على دفعات راحت تتزايد بصورة مطّردة منذ عام 2011 لتتوقّف عملياً مع بداية عام 2015 بعدما أغلقت السلطات التركية كل المعابر الحدودية أمام طالبي اللجوء إلى الأراضي التركية من غير المصابين والمحتاجين إلى عناية طبية. يُذكر أنّ تأشيرة دخول فُرضت على السوريين في بداية العام الماضي.
لا تبدو فكرة العودة بالنسبة إلى محمد الذي انشق عن الجيش السوري في يوليو/ تموز من عام 2012، فكرة واقعية على الإطلاق. يقول: "لا أعرف كيف أصف الأمر، لكنّه بات معقداً جداً. رغم كل هذه السنوات في تركيا، فإنني لم أنجح في تعلم اللغة التركية والتحدث بها بطلاقة. لا وقت لدي، أو ربما لا موهبة لدي في تعلم اللغات". يضيف: "لم أندمج بعد في المجتمع التركي. عالمي كله مؤلف من سوريين وأتراك يتحدثون بالإنكليزية، وأهلي يعيشون في ولاية عنتاب". ويشير إلى أنّه "في بعض الأحيان، يجتاحني حنين كبير لدمشق التي تركناها خلفنا. لكنّ نظرة متأنية وواقعية تجعلك تكتشف أنّ دمشق تلك لم تعد موجودة. أصدقائي مشتتون في أوروبا، ومن جهتي تمكنت من بناء عالمي هنا. لست مرتاحا فيه كما أحلم، لكنّه عالم آمن على الأقل بالنسبة إلي وإلى أهلي، وبات لدي رعب حقيقي من إعادة تجربة البناء من جديد مثلما فعلت في تركيا". ويستدرك محمد: "لا أعرف. قد أعود في وقت ما، لكنّ الأمر بالنسبة إلي على الأقل مرتبط بنوع التسوية السياسية التي تحصل بعد انتهاء الحرب".
من جهته، يبدو عامر رافضاً للعودة إلى سورية وإن انتهت الحرب، ويعبّر عن ندم كبير لأنّه تردّد سابقاً في التوجه إلى أوروبا بواسطة قوارب المهاجرين، عندما كان الطريق مفتوحاً قبل عامَين. يقول: "لا أرغب في العودة، إذ لم يبقَ هناك أيّ من أقاربي أو أصدقائي الذين توزعوا جميعهم بين ألمانيا والسويد والولايات المتحدة الأميركية. كذلك لا أودّ البقاء وأنا أعمل ساعات طويلة في مقابل راتب متواضع في إحدى المطابع، بينما أحمل شهادة في الاقتصاد والمحاسبة".
يضيف عامر أنّ "في تلك الفترة كانت قد صدرت الموافقة على منحي تأشيرة دخول إلى ألمانيا للالتحاق بعائلتي هناك، لكنّني لم أستطع الحصول عليها لمشاكل في جواز السفر. وعندما حصلت على الجواز الجديد بعد أكثر من عام ونصف العام، رفضت القنصلية الألمانية منحي التأشيرة". ويشير إلى أنّه "لا رغبة لدي في البقاء في تركيا، فأنا لا أجد لنفسي أيّ مستقبل هنا".
في السياق، يرى رئيس مركز دراسة السياسات والهجرة في جامعة حجة تبة في أنقرة، مراد أردوغان، أنّ العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في تركيا سوف يبقون في تركيا حتى لو انتهت الحرب. ويقول إنّ "عودة اللاجئين تبدو أمراً معقداً جداً. فمعظم اللاجئين الفارين من الحروب بقوا في بلدان اللجوء على الرغم من عودة السلام إلى بلدانهم الأصلية، ولذلك أبعاد عدّة".
ويشرح أردوغان: "أولاً، يمكن القول إنّ البنية التحتية في سورية دُمّرت كلياً وهي في حاجة بالتالي إلى جهود وأموال ضخمة لإعادة الإعمار، ولا يبدو أنّ أيّ حكومة سورية مستقبلية سوف تكون قادرة على إدارة عملية إعادة إعمار ناجحة. ثانياً، كلما طالت فترة اللجوء بات أمر العودة إلى البلد الأصل أكثر صعوبة. اللاجئون السوريون بمعظمهم لا يقيمون في المخيمات بل في المدن التركية المختلفة، وهذا يعني أنّ نسبة كبيرة منهم باتت لها منازل استقرت بها وكذلك أعمال، في حين أنّ الدولة التركية بدأت تدمج الأطفال السوريين في نظام التعليم التركي. كل ذلك يجعل الانتقال بين مدينة وأخرى أمراً صعباً، فما بالك عندما نتحدث عن العودة إلى دولة مدمّرة".
في المقابل، يعبّر نضال وهو من تل رفعت في ريف حلب، عن نيّته العودة إلى قريته بمجرّد "عودة الحد الأدنى من شروط الحياة الآمنة". ويقول: "أنتظر ذلك بفارغ الصبر، ما إن يعود الهدوء وتخرج القوات الكردية من المنطقة. سوف أعود إلى قريتي حيث أملك 400 دونم من الأراضي، لأزرعها. تعبت من الغربة ودفع الإيجار وعدم القدرة على التواصل مع الناس الذين لا أستطيع أن أفهم ما يقولونه. وتعبت من الحياة المستندة إلى المعونات والمساعدات، فهذا أمر لا يطاق". وعند سؤاله عن حياة أولاده وتعليمهم، يجيب: "ليفعلوا ما يشاؤون. أنا سوف أعود إلى أرضي. من يريد التعلم سوف يفعل لو في أحلك الظروف، ومن لا يريد فلن يفعل لو أرسلته إلى مدرسة في سويسرا".