01 نوفمبر 2024
ترخيص بالقتل
لا يتوقف الأميركيون عن محاولة الإيحاء بأنهم لا يزالون يمسكون بمفاصل الأمور الدولية، وأن وقع كلمتهم أو تدخلاتهم لا يزال نفسه كما كان قبل خمس سنوات، إلا أن الأمور لم تعد على هذا النحو منذ الدخول الروسي الكبير على المشهد الدولي. ولعل اتفاق ميونخ الذي أعلن قبل ساعات خير دليل على الحال الأميركي. اتفاق هو أساساً حصيلة ضغط ورغبة أميركية جامحة في تحقيق تقدم ما على أرض الواقع، وعلى أساسه كان بيان وزير الخارجية، جون كيري، في ساعة متأخرة من مساء أول من أمس الخميس، أنه تم التوصل إلى اتفاق على "وقف العمليات القتالية" في الأراضي السورية. كان البيان بمثابة إعلان انتصار أميركي، وبأن الجهد الذي بذله كيري أثمر فعلياً لأغراض سياسية وإنسانية وعسكرية.
الغرض السياسي الأساس من الإعلان كان محاولة دحض كل ما راج في الفترة السابقة، وفي صحف أميركية عدة لعل أبرزها "فورين بوليسي"، أن واشنطن باعت السوريين لروسيا، وتخلت عن كل ما كانت تعلن عنه، في الأشهر الماضية، عن مصير النظام السوري. وعلى هذا الأساس، جاء ترويج إعلان الاتفاق على أنه محصلة ما تطالب به هيئة التفاوض السورية التي تصر على فك الطوق عن المدن المحاصرة، ووقف القتل قبل التوجه إلى الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف المقررة في الخامس والعشرين من فبراير/ شباط الحالي.
قد يكون هناك شق حقيقي في الإعلان الأميركي، وهو الجزء المتعلق بإدخال المساعدات إلى المدن المحاصرة، ولا سيما دير الزور وبلدات الفوعة، وكفريا، ومضايا، ومعضمية الشام، وكفر بطنا. لكنْ، هناك جزء آخر في الاتفاق، يحمل معنى مناقضاً لما تم الإعلان عنه، ولا سيما مع استثناء الغارات الجوية من "وقف العمليات القتالية". وعلى الرغم من أن الغارات، بحسب الاتفاق، ستكون مستمرة في استهدافها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة، إلا أن ما خلف هذا الأمر من المفترض أن يكون واضحاً للجميع، خصوصاً مع التجربة، في الشهور الماضية، مع الغارات الروسية التي أثبتت أن تعريفات موسكو لـ "داعش" و"النصرة" أوسع من التفسيرات المعتمدة دولياً. وحتى نطاق عمل هذين التنظيمين بالنسبة إلى الروس أكبر من النطاق المعروف لتوسعهما على الأراضي السورية والعراقية.
التعريف الروسي للإرهابيين، بحسب ما بات معروفاً، هو نفسه الذي يعتمده نظام بشار الأسد. فكل من يعارض النظام، أو يشكل خلايا قتالية ضده، بغض النظر عن الاسم الذي تنضوي تحته، يندرج تحت خانة الإرهاب الذي يستوجب ضربه بالطائرات والصواريخ بعيدة المدى. وعلى هذا الأساس، ستكون الطائرات الروسية طليقة اليد في السماء السورية، وربما على الأرض، من ضمن هذا التعريف الخاص.
ولعل الساعات التالية لإعلان الاتفاق واستثناءاته كانت كفيلة بالكشف عن مثل هذ الأمور، مع شن الطائرات الروسية غارات على ريف حمص الشمالي، وسقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين السوريين. بالنسبة إلى الروس، لم يخرقوا الاتفاق، بل يعملون ضمن الاستثناء المنصوص عليه، والذي يأتي بمثابة ترخيص لقتل السوريين في إطار "تفاهم دولي" وبرضى العالم الغربي، ولا سيما الولايات المتحدة التي لا ترى نفسها مستعدة للاعتراف بأن لا دور لها في الملف السوري، غير تلبية رغبات الروس.
ربما يكون ما قاله جون كيري، في التسريب الأخير حول الوضع السوري، والذي لم تنفه وزارة الخارجية الأميركية، بل اكتفت بالقول إنه لم يكن معداً للنشر، أفضل ما يعبر عن الموقف الأميركي الحقيقي. فبغض النظر عما قاله كيري حول "إبادة المعارضة السورية"، كانت هناك الجملة الاستفسارية الاستنكارية التي وجهها إلى الناشطتين السوريتين: "هل تريدوننا أن نقاتل الروس؟". بالتأكيد، لا أحد يريد من الولايات المتحدة أن تقوم بذلك، ولا أحد يوهم نفسه أن واشنطن يمكن أن تفعل هذا الشيء، لكن كل ما يمكن أن نطلبه عدم إعطاء الروس الضوء الأخضر لقتل السوريين.
الغرض السياسي الأساس من الإعلان كان محاولة دحض كل ما راج في الفترة السابقة، وفي صحف أميركية عدة لعل أبرزها "فورين بوليسي"، أن واشنطن باعت السوريين لروسيا، وتخلت عن كل ما كانت تعلن عنه، في الأشهر الماضية، عن مصير النظام السوري. وعلى هذا الأساس، جاء ترويج إعلان الاتفاق على أنه محصلة ما تطالب به هيئة التفاوض السورية التي تصر على فك الطوق عن المدن المحاصرة، ووقف القتل قبل التوجه إلى الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف المقررة في الخامس والعشرين من فبراير/ شباط الحالي.
قد يكون هناك شق حقيقي في الإعلان الأميركي، وهو الجزء المتعلق بإدخال المساعدات إلى المدن المحاصرة، ولا سيما دير الزور وبلدات الفوعة، وكفريا، ومضايا، ومعضمية الشام، وكفر بطنا. لكنْ، هناك جزء آخر في الاتفاق، يحمل معنى مناقضاً لما تم الإعلان عنه، ولا سيما مع استثناء الغارات الجوية من "وقف العمليات القتالية". وعلى الرغم من أن الغارات، بحسب الاتفاق، ستكون مستمرة في استهدافها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة، إلا أن ما خلف هذا الأمر من المفترض أن يكون واضحاً للجميع، خصوصاً مع التجربة، في الشهور الماضية، مع الغارات الروسية التي أثبتت أن تعريفات موسكو لـ "داعش" و"النصرة" أوسع من التفسيرات المعتمدة دولياً. وحتى نطاق عمل هذين التنظيمين بالنسبة إلى الروس أكبر من النطاق المعروف لتوسعهما على الأراضي السورية والعراقية.
التعريف الروسي للإرهابيين، بحسب ما بات معروفاً، هو نفسه الذي يعتمده نظام بشار الأسد. فكل من يعارض النظام، أو يشكل خلايا قتالية ضده، بغض النظر عن الاسم الذي تنضوي تحته، يندرج تحت خانة الإرهاب الذي يستوجب ضربه بالطائرات والصواريخ بعيدة المدى. وعلى هذا الأساس، ستكون الطائرات الروسية طليقة اليد في السماء السورية، وربما على الأرض، من ضمن هذا التعريف الخاص.
ولعل الساعات التالية لإعلان الاتفاق واستثناءاته كانت كفيلة بالكشف عن مثل هذ الأمور، مع شن الطائرات الروسية غارات على ريف حمص الشمالي، وسقوط عشرات القتلى والجرحى من المدنيين السوريين. بالنسبة إلى الروس، لم يخرقوا الاتفاق، بل يعملون ضمن الاستثناء المنصوص عليه، والذي يأتي بمثابة ترخيص لقتل السوريين في إطار "تفاهم دولي" وبرضى العالم الغربي، ولا سيما الولايات المتحدة التي لا ترى نفسها مستعدة للاعتراف بأن لا دور لها في الملف السوري، غير تلبية رغبات الروس.
ربما يكون ما قاله جون كيري، في التسريب الأخير حول الوضع السوري، والذي لم تنفه وزارة الخارجية الأميركية، بل اكتفت بالقول إنه لم يكن معداً للنشر، أفضل ما يعبر عن الموقف الأميركي الحقيقي. فبغض النظر عما قاله كيري حول "إبادة المعارضة السورية"، كانت هناك الجملة الاستفسارية الاستنكارية التي وجهها إلى الناشطتين السوريتين: "هل تريدوننا أن نقاتل الروس؟". بالتأكيد، لا أحد يريد من الولايات المتحدة أن تقوم بذلك، ولا أحد يوهم نفسه أن واشنطن يمكن أن تفعل هذا الشيء، لكن كل ما يمكن أن نطلبه عدم إعطاء الروس الضوء الأخضر لقتل السوريين.