تربية الأسماك وسيلة جديدة للخروج من الفقر في المغرب

31 أكتوبر 2019
صيادون في السواحل المغربية (Getty)
+ الخط -


يرى الصياد المغربي محمد بوعجرة في تربية الأحياء البحرية "بارقة أمل للخروج من الفقر"، في ظل تضاؤل الثروة السمكية بسواحل المغرب المتوسطية. ويأسف هذا الصياد المتواضع "لكونه لم يعد قادراً على ملء شباكه"، قائلاً: "ندفع ثمن أخطاء آبائنا".

وتعوّل تعاونية الأمل للصيد التقليدي في قرية رأس كبدانة (شمال شرق) على تربية المحار لضمان مستقبل أفضل لصيادين تراجع مدخولهم بسبب استنزاف الموارد السمكية.

ويراهن مستثمرون على التقنية نفسها لإنتاج طحالب حمراء تستعمل في صناعة أدوية ومواد تجميل، في "مزرعة" للأحياء البحرية بحوض مارتشيكا غير البعيد عن رأس كبدانة غرباً.

ويندرج هذان المشروعان ضمن المخطط الطموح "المغرب الأزرق" الذي أطلق عام 2009، بهدف تحسين مدخول الصيادين التقليديين و"الحفاظ على الثروة السمكية".

وأدى تزايد صيد السمك في رأس كبدانة حيث تضاعف عدد القوارب ثلاث مرات منذ التسعينيات، إلى تراجع الثروة السمكية. ويتحسر الصياد الستيني محمد بوعجرة على فترة كان دخله اليومي من صيد السمك يصل حتى 400 درهم (نحو 42 دولاراً)، فيما لم يعد يتعدى هذا الدخل حالياً 40 درهماً (نحو 4 دولارات)، "لا يمكنني العيش بهذا المدخول".

وتؤكد أرقام مديرية الصيد البحري تراجع حجم الصيد في جهة الشرق المطلة على الساحل المتوسطي، إلى نحو 7 آلاف ونصف طن عام 2017، بينما كانت تفوق 14 ألف طن في سنة 2013. وتقدر نسبة هذا التراجع في باقي مصايد الساحل المتوسطي غرباً بنحو 30 بالمئة، بحسب المصدر نفسه.

ونبّه تقرير حديث للمجلس الأعلى للحسابات (هيئة رقابية) إلى "الإفراط" في استنزاف الموارد السمكية، مديناً "عدم احترام القيود المفروضة على مراكب الصيد وفترات الراحة البيولوجية" التي يمنع الصيد في خلالها، وكذلك "عدم مراعاة الحصص المخصصة للصيد".

بدائل مطروحة

يمثل قطاع الصيد البحري مورداً مهماً للمداخيل بالنسبة إلى المغرب حيث قاربت قيمة صادرات المنتجات البحرية 22 مليار درهم في 2017 (نحو ملياري دولار). وتعادل هذه النسبة نحو نصف قيمة الصادرات الزراعية إجمالاً، و10 بالمئة من مجموع صادرات المملكة.

ويوضح صياد السمك ميمون بوعسو أن "السمك يتناقص بفعل التغيرات المناخية وتدهور البيئة، ليس فقط في المغرب، بل في العالم كله، لا بد من إيجاد بدائل لضمان لقمة العيش".

ويرأس بوعسو (47 سنة) تعاونية للصيد التقليدي في مارتشيكا، تختص بتربية الطحالب الحمراء على امتداد حوض تبلغ مساحته 11 هكتاراً.

ويتابع معرباً عن ارتياحه لكون "الطحالب تعوضنا عما نفقده في الصيد"، راجياً أن يتطور المشروع نحو الأفضل. وتشغّل هذه التعاونيات ثمانية أشخاص يضاف إليهم عمال موسميون في فترتي زراعة الطحالب وجنيها.

ويستطرد عبد العزيز بنحمو (50 سنة) قائلاً: "تراجعت الموارد السمكية لأن الصيادين لم يكونوا يحترمون فترات الراحة البيولوجية (...) الأمور بدأت تتغير اليوم".

وأصبح هذا الصياد السابق مسؤولاً عن الإنتاج في ضيعة أكوا مضيق بجهة تطوان (شمال غرب) على الساحل المتوسطي. وتوظف هذه المؤسسة التي تنتج أسماك قاروص في أحواض بحرية، 24 مستخدماً، وتعتبرها الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية "نموذجاً" يحتذى.

وتطمح الوكالة إلى أن تتكرر مثل هذه التجربة في مناطق أخرى حيث يوجد شريط ساحلي شاسع مطل على واجهتي البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي.

المياه الصافية

لا تزال قوارب الصيد تلقي شباكها في عرض ساحل رأس كبدانة لصيد الأخطبوط، النوع الأكثر وفرة في المنطقة، بانتظار البدء في جني ثمار مزارع الصدفيات الممتدة على نحو 5 هكتارات من أصل 15 هكتاراً خصصت لتربية الأحياء البحرية.

وأطلقت تعاونية مكونة من 35 عضواً هذا المشروع قبل 5 سنوات، ويأملون البدء في تسويق المنتوج العام المقبل.

وحددت استراتيجية "أليوتيس" الحكومية (استراتيجية لتنمية أنشطة الصيد البحري)، ضمن مخطط "المغرب الأزرق"، بهدف إنتاج 200 ألف طن من الأحياء البحرية في أفق عام 2020. بيد أن الإنتاج لم يتعدّ 700 طن العام الماضية، بحسب الوكالة الوطنية لتنمية تربية الأحياء البحرية.

وانتقد التقرير الأخير للمجلس الأعلى للحسابات التأخر في تطوير هذا القطاع، مشيراً إلى أن "بعض الأهداف الاستراتيجية لم يتم بلوغها".

وبعد دراسات تقنية استغرقت سنوات، يوجد نحو 150 مشروعاً حالياً في المتوسط "في مرحلة الانطلاق" باستثمارات خصوصية. ويوضح المسؤول في الوكالة مصطفى أمزوغ إلى أن الهدف يتمثل ببلوغ 150 ألف طن من منتجات الأحياء البحرية.

لكن التأخر في بلوغ الأهداف المعلنة لا يمنع محمد بوعجرة من الشعور بالارتياح، لأن مشروع تربية الصدفيات في رأس كبدانة "غيّر العقليات".

ويقول: "لم يكن أحد يحترم البيئة في الماضي، لكن المياه اليوم أصبحت أكثر صفاءً"، بفضل تحاليل أسبوعية لمراقبة حالة المحار.

دلالات
المساهمون