مع رفض مجلس النواب منح الرئيس الأميركي دونالد ترامب 5 مليارات دولار للإنفاق على بناء الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك، وتهديد ترامب بإغلاق جزئي للحكومة في فترة أعياد الميلاد، إن لم تتم الاستجابة لطلبه، تجمدت المفاوضات مع زعماء الحزب الديمقراطي في الكونجرس، ليجد الرئيس الأميركي نفسه في ورطة، خاصة أنه أكد، أكثر من مرة، قبل وبعد وصوله إلى البيت الأبيض، أن المكسيك ستتحمل تكلفة بناء الجدار.
وفي تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، حاول ترامب إظهار نجاحه في تحميل المكسيك تكلفة بناء الجدار، مؤكداً أن "إعادة صياغة اتفاق نافتا أدت إلى توفير الأموال للولايات المتحدة، وهو ما يعني أن المكسيك قد تحملت تكلفة الجدار". لكن ردود الفعل الساخرة توالت بعد التغريدة من كافة الاتجاهات.
وعلى حسابه على تويتر، سخر دين بيكر، كبير الاقتصاديين في مركز بحوث السياسة والاقتصاد بواشنطن ومؤسسه، من ادعاء تحمّل المكسيك تكلفة بناء الجدار، وقال "بالتأكيد أشكر ترامب، فالمكسيك تدفع أيضاً أقساط القرض العقاري الخاص بي. بالطبع يجب عليَّ أن أعمل وأوفر الأموال في حسابي بالبنك، لكن في عالم ترامب فإن المكسيك هي التي تدفع أقساط القرض الخاص بي".
ورغم إصرار ترامب على تحميل المكسيك تكلفة بناء الجدار حتى هذه اللحظة، فقد عرض المشرّعون الأميركيون على ترامب مبلغا في حدود 1.3 مليار دولار فقط، وهو ما لم يقبله الرئيس الأميركي.
وقالت بيلوسي إن موضوع توفير تمويل الجدار الذي يريده ترامب منتهٍ، ووصفته بأنه "غير أخلاقي، غير فعال، ومكلف".
ثم تأزم موقفه القانوني بصورة ربما تهدد منصبه كرئيس لأميركا، بعد تأكيد محاميه الخاص، مايكل كوهين، أنه دفع رشاوى لإسكات سيدتين على الأقل كانتا على علاقة جنسية بترامب تم بعلمه، وكذلك عدم قدرته على إيجاد رئيس موظفين للبيت الأبيض، وظهور دلائل على وجود مخالفات مالية حقيقية، أثناء الحملة الانتخابية أو في حفل التنصيب.
ثم أخيراً إحراج مجلس الشيوخ له بتبني قرار (بالإجماع) يحمّل ولي العهد السعودي مسؤولية قتل الصحافي جمال خاشقجي، وآخر يطالب المجلس بوقف كافة أنواع الدعم الأميركي للحرب التي تخوضها السعودية والإمارات في اليمن.
وأدت هذه المعطيات إلى تأزم موقف ترامب، وتقليل فرص حصوله على التمويل الذي يطلبه.
وفي استطلاع للرأي أجرته إذاعة ان بي آر مؤخراً، رأى 57% ممن أدلوا بأصواتهم أن ترامب ينبغي عليه أن يقدم التنازلات فيما يخص توفير التمويل اللازم لبناء الجدار، لتجنب إغلاق الحكومة.
ورغم أن 75% من الإدارة الأميركية قد حصلت على تمويلها المطلوب حتى نهاية سبتمبر 2019، ومنها وزارات الدفاع والتعليم والصحة، إلا أن ربع الوزارات، ومنها وزارة أمن الوطن، التي يدخل ضمن اختصاصاتها بناء الجدار، كما وزارات العدل والداخلية والزراعة، سيتم إغلاقها بحلول الحادي والعشرين من الشهر الحالي، إلا لو استطاع الكونجرس تمرير فاتورة إنفاق، ووقعها ترامب، قبل حلول ذلك التاريخ.
لكن مارك كريكوريان، الذي يترأس مركز دراسات الهجرة في واشنطن غير المنتمي لأي من الحزبين، منذ عام 1995، نصح ترامب بأن يحرج الديمقراطيين عن طريق عرض "تحويل التمويل الفيدرالي في هذه الجولة من محادثات الميزانية من الجدار إلى التحقق الإلكتروني من هوية المهاجرين E-Verify"، وقال إن مثل هذا العرض سيبرز معارضة نانسي بيلوسي وتشاك شومر لإجراءات قانونية.
وبمرور الوقت، يتضح أن الحل الوحيد أمام ترامب، لتحقيق أي تقدم فيما يخص جداره، هو تقديم بعض التنازلات للديمقراطيين. ومع اقتراب حملة إعادة انتخابه، قد يجد ترامب نفسه أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات، وسيكون الديمقراطيون في وضع يسمح لهم بأن يطلبوا منه الكثير.