19 نوفمبر 2024
ترامب والسعودية.. ميزان جديد
تصريحات مشجّعة أطلقها وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، في زيارته السعودية، قبل أيام، ما عزّز التوقعات الإيجابية لدى المسؤولين السعوديين بإمكانية استعادة العلاقات التاريخية الوثيقة بين البلدين التي اهتزت في حقبة الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما.
لا يمكن التقليل من شأن الإشارات الرئيسة الأولية في تصريحات إدارة الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، ومواقفها، بشأن مقاربتها لمنطقة الشرق الأوسط، ما يمكن أن يمثّل نقطة تحول جديدة في العلاقة بين أميركا والسعودية، إذ تبدو المنطقة المشتركة لمصالح الدولتين عادت لتتشكل من جديد، بعدما كادت أن تختفي في الأعوام القليلة الماضية.
تتمثل نقطة الالتقاء الأولى بين الطرفين بالعداء لإيران، وتعريفها مصدر تهديد للأمن الإقليمي، إذ أعاد الرئيس الأميركي الجديد خلط الأوراق في المنطقة، بعد الاتفاق النووي مع إيران قبل عامين تقريباً، وبعدما كان هنالك تسليم من الإدارة السابقة بالنفوذ الإيراني في العراق وسورية والمنطقة، ما أحدث حينها أزمةً شديدة بين السعودية والإدارة الأميركية السابقة، وقاد المحللين والسياسيين إلى القول بنهاية العلاقة التاريخية بين الدولتين، قبل أن يأتي ترامب، ليعيد المقاربة الواقعية التقليدية التي تحاول استعادة الحلفاء التاريخيين، ومن بينهم السعودية ومصر.
تتمثل نقطة الالتقاء الثانية في الموقف من الأسد، فبعد أن كانت التصريحات الأولى لأقطاب الإدارة مقلقةً للسعودية، وتميل نحو التخلي عن شرط رحيل الأسد، إلاّ أنّ الضربة العسكرية الأميركية لمطار الشعيرات، بعد الهجوم الكيميائي من النظام السوري على خان شيخون، قلبت هي الأخرى قواعد اللعبة السورية رأساً على عقب.
تقوم المقاربة الأميركية الجديدة بشأن سورية على إعادة تعريف الأهداف والمصالح الحيوية لتضم تحجيم نفوذ إيران إلى خطر "داعش"، ورحيل الأسد، والتدخل المباشر في اللعبة السورية، وهي تحولاتٌ تنسجم كثيراً مع الرغبات السعودية، وتخلق ارتياحاً شديداً في أوساط الرياض التي كانت من أولى الدول التي رحبت بالضربة الأميركية لنظام الأسد.
تتمثل نقطة الالتقاء الثالثة في الموقف من "داعش". صحيح أن هذا التنظيم المتوحش عالمياً، وقد أصبح الخطر الإرهابي رقم 1 في منظور الغرب، يقوم، بدرجة كبيرة، على الأفكار السلفية الجهادية، ما دفع محللين وسياسيين أميركيين إلى توجيه اللوم والانتقادات إلى حليفتهم السابقة السعودية، وأوجد مزاجاً معادياً للمملكة في أوساط سياسية وفكرية أميركية عديدة، منذ أحداث "11 سبتمبر" منذ 16 عاماً، عندما اكتشف العالم أن أغلبية منفذي تلك الهجمات سعوديون، على الرغم من ذلك كله، فإنّ هنالك حقيقة صلبة كبيرة معاكسة، تتمثل بأن "داعش" خطر على السعودية وتهديد لها، قبل أن يكون كذلك للمصالح الأميركية، والسعوديون الموجودون في التنظيم يكفّرون دولتهم وينفذون عملياتٍ فيها، وأيديولوجيتهم السلفية القتالية معاكسة للسلفية التقليدية الموالية للسعودية، والتي تحظى برعايتها منذ عقود.
يحمل ما سبق من تحولات أسباباً قوية ومقنعة لتوقع مرحلة جديدة في العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة الأميركية. مع ذلك، من الضروري أخذ عوامل أخرى في الحسبان، من المسؤولين السعوديين، أولاً أن إدارة الرئيس الجديد يصعب التنبؤ بمواقفها وسلوكها، ولاحظنا ذلك في موقفها من سورية وروسيا.
الأمر الثاني هو تعقيد المشهد الإقليمي، فليست إيران عظماً طرياً، ولا دولة ضعيفة إقليمياً، لها نفوذ كبير، ويمكن أن تقلب الطاولة على الأميركان في المنطقة، ما يجعل من حسابات ترامب والغرب أكثر تعقيداً، خصوصا إذا وضعنا إلى جوار هذا العامل سببا آخر، يتمثل بوجود التحالف الروسي- الإيراني اليوم.
الأمر الثالث أن مواقف الإدارة الأميركية تجاه إسرائيل ستحرج العرب، وستضعف موقف أصدقائها، خصوصا بعد أن يتم نقل السفارة الأميركية إلى القدس الغربية.
يتمثل الأمر الرابع في أن الإدارة الجديدة، وعلى الرغم من موقفها من إيران والنظام السوري، فإنها تضم عناصر يحملون مواقف عدائية من الإسلام نفسه، ولهم خلفية أيديولوجية عميقة معادية للأيديولوجيا السعودية، ما قد ينفجر في أي لحظة.
هذه عوامل متقابلة، من الضروري قراءتها بتأن. لكن، في المجمل، أحدثت مواقف إدارة ترامب إمكانية لإعادة بناء التوازنات في المنطقة، بعدما كانت الكفة تميل بقوة إلى الطرف الآخر.