على مسافة أيام من الذكرى الرابعة عشرة للغزو الأميركي على العراق، والذي غيّر شكل الشرق الأوسط، التقى رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، مع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في البيت الأبيض.
واستشعاراً للحظة، لمّح العبادي إلى الجدل الحاصل في الولايات المتحدة، مازحاً أمام ترامب، بأنّه "لم يكن لديه أيّ علاقة بالتنصّت على هواتف المرشح الرئاسي آنذاك"، وذلك بعدما أكد مدير مكتب التحقيق الفيدرالي "إف بي آي" جيمس كومي، أنّه ليس لدى المكتب أي أدلة تدعم زعم ترامب بتنصّت سلفه باراك أوباما عليه، خلال الحملة الانتخابية.
لكنّ العلاقة بين البيت الأبيض والحكومة العراقية، هي بالكاد مسألة محط مزاح، فالقوات العراقية، المدعومة من واشنطن، تتقدّم بشكل تدريجي لاستعادة مدينة الموصل، من يد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، إلا أنّ التحدي الأكبر، هو ما بعد كسب هذه المعركة.
وفي هذا الإطار، أشارت صحيفة "واشنطن بوست"، في تحليل اليوم الثلاثاء، إلى أنّ التحديات "المزعجة" المرتقبة، هي مدى قدرة التحالف الحكومي الضعيف في بغداد، على إدارة المقاطعات التي يشكل فيها السنّة الأغلبية.
كما أنّ إحدى التحديات التي تلوح في الأفق، الدعوات الصاعدة لإجراء استفتاء على استقلال الأكراد في دولة لهم شمالي العراق، وكيفية التعامل مع القوى الإقليمية، بمن فيها إيران وتركيا، والتي باتت تمتلك تأثيراً على الأرض، بشكل تنافسي.
وبينما أكد العبادي قدرة العراق على القضاء على "داعش"، يتخوّف مراقبون، ومن بينهم جمعيات حقوق الإنسان، من تأثير الطائفية "المتجذرة" في البلاد.
ولفتت الصحيفة إلى أنّ حكومة العبادي لا تزال "غير موثوق بها" في المناطق المحررة من سيطرة "داعش"، خصوصاً وسط مشاركة مليشيات "الحشد الشعبي"، المدعومة من إيران، إلى جانب القوات الحكومية في المعارك، والتي ارتكبت بدورها انتهاكات بحق السنّة المتهمين بالعمالة للتنظيم.
وأفاد تقرير ينشر اليوم، الثلاثاء، من قبل "بي بي إس فرونتلاين"، باختفاء أطفال ورجال سنة في قرية قرب بغداد، كانت تحت سيطرة "داعش"، تقول مصادر محلية إنّهم اختطفوا من قبل مليشيات "الحشد الشعبي"، خلال معارك استعادة السيطرة عليها.
من جهة ثانية، تفيد تقارير إعلامية، بأنّ عدم كفاءة المسؤولين المحليين، وتورط عناصر من الشرطة والقضاء بعمليات رشى، في بعض المناطق بالعراق، كانت من أسباب خلق مساحة لخلايا تنظيم "داعش" النائمة، وعودتها في المناطق التي سبق ودحرت منها.
ووسط هذه التعقيدات، لم تتضح الصورة بعد، بشأن كيفية تعامل إدارة البيت الأبيض مع أي من هذه التحديات، لا سيما أنّ سياسة التعامل مع الملف العراقي، كانت منذ الحملة الانتخابية لترامب، محط إرباك.
فمن جهة، كان ترامب ينتقد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، مع أنّه كان يؤيد الحرب قبل أن يصبح ضدّها، ويشير إلى أنّه يريد أخذ استراحة من تاريخ تورط حزبه الجمهوري، في تغيير الأنظمة بالشرق الأوسط. ومن جهة ثانية يدفع إلى استخدام نهج القوة في التعامل مع "داعش"، ويجعل السيادة العراقية محط قلق، مع دعواته "المحيّرة" للسيطرة على نفط البلاد.
وذكّرت الصحيفة بأنّ ترامب أدرج العراق على لائحة أمره التنفيذي بـحظر سفر مواطني سبع بلدان ذات غالبية مسلمة إلى الولايات المتحدة، قبل أن يعاود استثناءه من اللائحة في أمر معدّل، لا يزال يواجه تحديات أمام القضاء الأميركي.
ونقلت "واشنطن بوست" عن المحللة السياسية في مجلة "بوليتكو"، سوزان غلاسر، قولها إنّ "الرئيس ترامب لطالما تحدّث كثيراً عن هزيمة داعش، لكنّه لم يفعل شيئاً تقريباً لمعالجة العراق نفسه، باستثناء شطبه من لائحة الدول المشبوهة في حظر مؤقت للسفر، الخطوة التي لاقت في نهاية المطاف احتجاجات من أعضاء بفريق الرئيس نفسه، الذين اعترضوا على معاملة حليف بباطن اليد".
وأضافت أنّه "بينما تستحق إدارة الرئيس باراك أوباما اللوم لناحية التهرّب من مواجهة التحديات السياسية في العراق، إلا أنّ ترامب سرعان ما فاقم من المشاكل".
كما أنّ التخفيضات المقترحة من قبل البيت الأبيض لميزانية وزارة الخارجية، و"اللامبالاة العامة" تجاه الدبلوماسية متعددة الأطراف، لا تلهم المراقبين بقدر كبير من الثقة، بحسب الصحيفة.
ونقلت الصحيفة، عن جيف بريسكوت، ودانيال بنيم، وهما مسؤولان سابقان في إدارة أوباما، في مجلة "فرين بوليسي"، أنّ "جهود ترامب الرامية إلى تفكيك الأجزاء غير التابعة للبنتاغون من أجهزة السياسة الخارجية الأميركية، فضلاً عن التخفيضات لدعم المؤسسات الدولية، تهدّد بتجريد الولايات المتحدة من الأدوات المطلوبة في العراق وفي أماكن أخرى، في الوقت الذي نحتاجها بشدة أكثر من غيرها".
وأضاف المسؤولان "ما لم نخطط لاحتلال آخر للعراق، أو السعي حقاً إلى أخذ النفط، فإنّه من المنطقي بعد توقف القتال تنحية قواتنا العسكرية جانباً، وفتح الطريق أمام وزارة الخارجية الأميركية ووكالة التنمية الدولية التابعة للولايات المتحدة، وصندوق النقد الدولي، والأمم المتحدة، لتولي إدارة الأمور".
وبينما كان ينتقد أسلافه "لإهدائهم" العراق إلى إيران، يظهر ترامب عداء تجاه طهران، من الممكن أن ينفّر العبادي وغيره من الشيعة العراقيين البارزين في حكومة بغداد.
وفي هذا الإطار، قال بريسكوت وبنيم، المسؤولان السابقان في إدارة أوباما، إنّ "استخدام العراق كأرض معركة مع إيران، بصفته جزءاً من استراتيجية أوسع لمواجهة طهران، سوف يؤدي إلى تراجع أساس وجود أميركا هناك، كضيف مدعو من قبل حكومة البلد ذاته"، وأضافا "بالقدر الذي يحتاج العراق إلينا، نحتاجه نحن أيضاً، لمواجهة التحديات التي تواجهنا".
في واشنطن، سعى العبادي، بحسب الصحيفة، لإظهار أنّ حكومته قادرة على أن تكون شريكاً "صلباً" للولايات المتحدة، إلا أنّ التوترات الكامنة في بلاده تبقى غير بعيدة عن السطح.
"علينا أن نعمل مع الآخرين. علينا أن نبني الجسور"، أكد العبادي، خاتماً حديثه بمزحة أيضاً عن ميزانية ترامب بالقول: "وإلا، ماذا تفعل؟... يمكنك بناء الجدران؟".