ترامب في قمة إسطنبول السورية

29 أكتوبر 2018

ماكرون وأردوغان وبوتين وميركل في غداء عمل باسطنبول (27/10/2018/Getty)

+ الخط -
يشكّل مشهد الرؤساء الأربعة في إسطنبول واقع ما آلت إليه النزاعات الدولية على سورية، فحيث يختصر عدد المجتمعين على بوتين روسيا وميركل ألمانيا وكاميرون فرنسا جمعاً إلى أردوغان تركيا، فإن المشهد يمثل، في الوقت نفسه، جهات الأزمة السورية الأربعة: أولاً، الميدانية "القتالية" المعني بها مباشرة كل من روسيا (حليف النظام) وتركيا (حليف المعارضة). وثانياً، قضية اللاجئين المحتملين التي تخشاها ألمانيا وفرنسا، إضافة إلى تركيا. وثالثاً، قضية عقود الإعمار التي تحتاجها روسيا في مناطق سيطرتها، وتزاحم النظام على إطباق يده عليها، وهي قضية تعني تركيا من جهة الشمال والشرق، حيث تريد إعادة تدوير الحياة في مناطق نفوذها لتسهيل عملية توطين السكان، وإعادة توزيع اللاجئين في تركيا على مناطق إدلب وشرق النهر وعفرين، وما تسمى مناطق غصن الزيتون ودرع الفرات.
ويمكن تسمية البند "الرابع" من جهات أزمة الحل في سورية، واعتباره النقطة المحورية في قمة إسطنبول، حيث يشكل بداية التوافق الدولي المعلن بين الدول الفاعلة في الصراع على سورية، وهو تغييب إيران عن المشهد العسكري الميداني، والديمغرافي السكاني "اللاجئين" والاقتصادي العمراني، وكل من الحاضرين يملك أسباباً خاصة به، قد تفترق عن شركائه، إلا أنهم يتقاطعون مع بعضهم في تنفيذ أجندة الولايات المتحدة الأميركية بإبعاد إيران طرفا شريكا في سورية، ومستقبلها المزعوم من خلال تشكيل اللجنة الدستورية، على الرغم من إعلان أردوغان أنهم سيبلغون إيران بالنتائج، وستكون في المرحلة المقبلة، أي أننا إزاء خطةٍ مشتركةٍ، هدفها المضي في استنباط ثغرات الولوج إلى حل سياسي (ينفذ الشرط الأميركي) بعد استهلاك كامل أدوات الحلول العسكرية.

تعاطي الدول الأربع مع ملف الصراع في سورية وفق رؤية جديدة، تتقاطع بين الحلول الروسية المعتمدة على مسودة الدستور التي روّجتها موسكو في اجتماع أستانة 24/1/ 2017، والتي ادّعت الفصائل آنذاك أنها رفضت استلامها، وبيان سوتشي 1 نهاية يناير/ كانون الثاني 2018، وبين مقترح باريس 23 من الشهر نفسه "اللاورقة" الذي ضم الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ولندن والأردن والسعودية، ثم التحقت بهم ألمانيا، بغاية الدفع إلى تشكيل بذرة الحل السياسي المتوافق عليه، من خلال تشكيل اللجنة الدستورية لصياغة مشروع الدولة الجديدة المنشودة، بعيداً عن واقع هيمنة النظام على محدّداتها، ومساحة التغيير المطلوبة في شكل السلطة الحاكمة ومضمونها، ما يعني إيجاد سياق حلٍّ يبدأ من خلاله تبرير تدفق مشاريع إعادة الإعمار، في صورة الحل الإنساني، لتمكين سكان المناطق المستهدفة في العملية الاقتصادية من أسباب العيش والقدرة على استقبال الوافدين من اللاجئين المؤقتين في تركيا وأوروبا.
ويمكن البناء على تجاهل المجتمعين (بمن فيهم بوتين) تصريحات وزير خارجية سورية، وليد المعلم، الذي اعتبر "أن عملية صياغة الدستور يجب أن تكون بقيادة وملكية سورية، وذلك باعتبار أن الدستور وكل ما يتصل به شأن سيادي بحت، يقرّره الشعب السوري بنفسه، دون أي تدخل خارجي"، أي أن كل ما يجري لم يخلّ بعد بسيادة دولته التي تتقاسمها جيوش المجتمعين، بشكل مباشر وغير مباشر، وعبر شركائهم من الولايات المتحدة إلى إيران، ما ينفي صفة الاستقلال والسيطرة، وبالتالي القرار السيادي، سواء لجهة إنشاء اللجنة أو غيرها، أي أن ما دار داخل أروقة الاجتماع يمثل شرعنة روسيا، وكيل النظام السوري، حالة تدويل الحل، بدءاً من تشكيل اللجنة الدستورية، إلى الحديث عن الخدمات اللازمة والضرورية للسوريين من المياه إلى الكهرباء، أي مهمات الحكومة التنفيذية في أي دولةٍ ذات سيادة.
"تهيئة المناخات الآمنة المستدامة، والظروف المناسبة عبر أرجاء سورية لعودة اللاجئين الطوعية، المرهونة بعملية سياسية حقيقية، تنتهي بانتخابات حرة لا تستثني أحداً"، وفق بيانات الرؤساء الأربعة، لا يعني أن كل ما يتعلق بالعملية السياسية قد تم التوافق عليه، لكنه يمثل إعلان دول شريكةٍ في مشهد الصراع في سورية. وعلى جانبيه، بإزاحة ما تبقى من غطاء السيادة عن النظام، والتعاطي معه وفق مبدأ الوصاية والهيمنة والشراكة في تقرير مصيره، واستناداً إلى قراراتٍ أممية، واتفاقات دولية بينية ثنائية (روسية - تركية) وثلاثية (روسيا - إيران - تركيا) ورباعية (قمة إسطنبول) وسداسية (اجتماع باريس) في غياب كامل لكل أطراف الصراع المحلية من نظام "سيادي" ومعارضة "متعدّدة الوجوه والمسارات".
ويبقى الحديث عن غياب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، عن القمة، موضع شك، في وجود الظل الغربي الناطق باسم المجموعة المصغرة للعمل في الملف السوري، أي أنه غياب "جسماني" وحضور قوي "رغبوي" و"قراراتي"، تمثّل في شكل إعلان الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية اللذيْن أكدا أن مبادئ الحل ضمنياً بدأت بتغييب إيران وغيابها، وانتهت
بتصريح أن بدء العملية السياسية المتمثلة بتشكيل اللجنة الدستورية (يعرقلها النظام وفق أجندة روسية ترويجية لمصلحة سوتشي 2)، بينما تمثل بالنسبة للأميركيين، وإلى جانبهم، ممثلو أوروبا في إسطنبول: الشرط اللازم والوحيد لتمرير ما تريده موسكو للقبول بالوضع الراهن وعودة اللاجئين وانتخابات رئاسية وبرلمانية.
يمكن اعتبار أن هذه المجموعة تمثل فريق العمل القادم خلال مرحلة ما بعد ستيفان دي ميستورا (مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية المستقيل)، ومن خلالها سيتم تسطير عناوينها تحت قيادة أميركية متقاربة مع تركيا من جهة، ومساندة لها في وجه التغوّل الروسي في اتفاقه معها في إدلب، ومتخالفة معها في جانب ما يتعلق بالقضية الكردية التي لا تزال بوادر حلها غائبةً في ظل تقاطع المصلحة التركية مع مصلحة النظام في تهميش دورهم، وبالتوافق مع أطياف من المعارضة التي تميل إلى رأي الطرفين السابقين (النظام وتركيا)، بينما ما تزال روسيا تراهن على لعب دور "السمسار" الذي يراهن على عمولة الطرفين، في غياب موقف واضح، بدا تارة مسانداً للأكراد في تغييب "العربية" من اسم الجمهورية في الدستور (الروسي لسورية) المقترح منهم، بينما غاب في تصريحاته المعارضة للوجود الأميركي في سورية، والذي يوفر لهم أسباب شراكتهم معه في حربه على الإرهاب التي أصبحت مجرد شعار مرفوع، لتبرير الوجود العسكري المتعدّد الهويات في سورية.
دلالات
930EB9D8-8BB0-4CDA-8954-FE630C4A380F
سميرة المسالمة

كاتبة وصحافية سورية، رئيسة تحرير جريدة تشرين سابقاً، نائب رئيس الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية