تراجع بطعم العلقم

19 ديسمبر 2017
+ الخط -
لماذا كل هذا التقزم الذي باتت تشهده بعض الدول العربية؟
أخص بالذكر العربية السعودية ومصر، لغيابهما الواضح عن ملفات إقليمية ودولية مهمة، مثل قضية القدس باعتبارها قضية عربية إسلامية محورية، خصوصا بعد القرار المستفز الذي أقدم عليه رئيس الولايات المتحدة الأميركية، دونالد ترامب، نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة التي اعتبرها عاصمة الدولة اليهودية، وهو ما خلّف موجة استنكار كبيرة في العالمين العربي والإسلامي، وخارجهما أيضا.
زد على ذلك تحجيم العربية السعودية مشاركتها في القمة الإسلامية في تركيا ودخولها في تحالفات غير محسوبة وخلق عداوات مع أطراف إقليمية وازنة وخسارتها في ملفات إقليمية مهمة عديدة، مثل ملف سورية والعراق واليمن، ما جعل مراقبين ومحللين سياسيين عديدين يصف هذه السياسة بأنها تتصف بالمراهقة السياسية، وعدم النضج في اتخاذ القرارات التي من شأنها أن تظهر العربية السعودية دولة لها مقوماتها ووزنها.
في المقابل، تُبادر تركيا إلى جمع ممثلي الدول الإسلامية بأسلوب سياسي متميز، من أجل تأكيد موقفٍ مجمعٍ عليه يرفض القرار الأميركي بشأن القدس، إضافة إلى العمل على لعب دور القائد للمحور السني، بعد تقهقر العربية السعودية التي تراجعت منذ زمن بعيد عن القيام بأي دور قيادي للأمة العربية الإسلامية، خصوصا أنها تعتبر الحاضن الأساسي للحرمين الشريفين، بما لهما من رمزية وقدسية ومردودية اقتصادية وعقائدية وثقافية، الأمر الذي يطرح أكثر من علامة استفهام: هل فعلا العربية السعودية قادرة على لعب هذا الدور المحوري، أم أن الأمر يفوق طاقتها وحجمها، ما يجعلها تنغلق على نفسها؟
معروفٌ في منطق العلوم السياسية أنّ أي فراغٍ في أي مساحةٍ، إنما يملأه من يرى في نفسه القوة لملئه بجدارةٍ وكفاءة وحزم، ما يعني أن المنطق السياسي لا يعترف بالضعيف، بل يفتح أبوابه لمن لهم الجرأة والقوة على فرض قواعدهم السياسية والفكرية.
هذا التسيب والاستباحة الواسعة للثقافة والكرامة والجغرافية العربية التي تقوم بها إيران، ما كانت لتكون، لولا تقهقر الدول العربية الكبرى، مثل العربية السعودية ومصر، ودخولهم في صراعاتٍ أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها تدميرية للجسد العربي وتافهة في جدواها.
ليس ثمّة أي تجنّ أو تجاوز على الفكر والثقافة والسياسة والقانون والاقتصاد في البلدان العربية، إذا ما نظرنا إلى التدنّي المتعمّد في تركيبتهم السياسية داخليا، ولتمثيلهم في مراكز القرار العالمي والمنظمات الدولية خارجيا، إضافة إلى قمة إسطنبول الإسلامية التي ظهر جليا فيها مدى العطب في صناعة القرار السياسي السعودي، ومعه القرار العربي برمته.
ينبغي لنا أن نعترف، نحن العرب، بأننا فقدنا وجودنا في أهم الملفات السياسية ثقلا، ومعها فقدنا وجودنا الفعلي في تقرير مصيرنا ومصير شعوبنا، في ظل صعود دولٍ تسعى إلى أن تكون في الريادة على جميع الأصعدة، ومنها تركيا وإيران.
من دون علم ومعرفة، نحن محكوم علينا بالفناء الوجودي، كوننا نستهلك ما ينتجه غيرنا، وهو ما يجعلنا عالةً على من لا تؤتمن صحبته.
77025374-EF2D-463D-B87A-0DD7DD77079D
77025374-EF2D-463D-B87A-0DD7DD77079D
رشيد المجدوبي (المغرب)
رشيد المجدوبي (المغرب)