بعد دخولك إلى مكتبة قطر الوطنية، الواقعة في قلب المدينة التعليمية في الدوحة، تلاحظ على الفور امتلاء الرفوف المتناسقة بالكتب. في واجهة البهو الكبير مكتب الاستقبال، أما خلفه فسواتر زجاجية تخبّئ طابقاً أرضياً كأنّه قبو مكشوف السقف، بين أروقته بيوت زجاجية داخلها مقتنيات متحفية وصفحات من كتب تاريخية، ورفوف تعرض كتباً متنوعة تبدو واضحة للناظر من أعلى. إلى يسار مكتب الاستقبال ببضعة أمتار درج يوصلك إلى الطابق الأرضي، وثمة مصعد أيضاً يهبط بك حيث المكتبة التراثية، والجولة داخل أرجاء المعرض الدائم للمكتبة التراثية، تنقلك إلى عهود موغلة بالقدم، وتطلع على الكثير من الحضارات عبر شواهد ماثلة أمامك.
في جناح "قطر عبر الزمن"، تلتقي "العربي الجديد" برئيسة قسم المجموعة التراثية، في مكتبة قطر الوطنية، عائشة الأنصاري، التي توضح أنّ المكتبة التراثية، في مكتبة قطر الوطنية، تضمّ زهاء 50 ألف مادة تاريخية، تشمل أكثر من 26 ألف كتاب مطبوع، و4 آلاف مخطوط تاريخي، و70 ألف صورة فوتوغرافية، وأكثر من 1300 خريطة، بالإضافة إلى عشرات الأطالس ومجسمات الكرة الأرضية، وآلات الرحالة، ومجموعة ضخمة من المواد الأرشيفية.
تساهم المكتبة التراثية بطريقة فريدة في إثراء المشهد الثقافي لدولة قطر. وكان الشيخ حسن بن محمد بن علي آل ثاني قد وضع النواة الأولى لهذه المكتبة في بداية الثمانينيات من القرن الماضي، وتمثّل هدفه الأساس من إنشائها في توفير مصادر تاريخية قيِّمة وثرية عن دولة قطر والمنطقة من بينها كتابات الرحالة والمستكشفين ممن حطّوا رحالهم في منطقة الخليج العربي. تطوّرت هذه الرؤية لتشمل نفائس ونوادر المؤلفات والمخطوطات ذات الصلة بالحضارة العربية والإسلامية.
وفي عام 2000، أصبحت المكتبة التراثية تحت إدارة المجلس الوطني للثقافة والفنون والتراث. وفي عام 2006 انتقلت لتصبح تحت مظلة مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع. وفي عام 2012، أصبحت جزءاً أساسياً من مكتبة قطر الوطنية.
تضم المجموعة المتنامية للمكتبة التراثية وثائق أرشيفية ثمينة ونادرة، وكتباً ومجلات بلغات أوروبية عدة، ومواد مطبوعة باللغة العربية يعود تاريخها إلى بدايات دخول الطباعة إلى العالم العربي، وتشمل هذه المواد كتباً ودوريات ومجلات وصحفاً، فضلاً عن مجموعة نادرة من المخطوطات العربية في مختلف الموضوعات. كذلك، تضم خرائط وأطالس ومجسّمات للكرة الأرضية وأدوات ومعدات خاصة بالرحالة ومجموعة من الصور القديمة للمنطقة وشعوبها، وتحتوي على ترجمات لاتينية لبعض الكتب العربية القديمة. يعود تاريخ هذه الكتب المترجمة إلى القرن الخامس عشر الميلادي، حينما بدأت الطباعة بالظهور في أوروبا، وتعتبر هذه الكتب من ضمن أندر وأثمن المواد في المكتبة التراثية.
حول المعرض الدائم للمكتبة التراثية، تقول الأنصاري، إنّه يتألف من 12 قسماً، تتناول العلوم، والآداب، ومكانة المرأة، والرحالة، ومن أبرزها قسم "قطر عبر الزمن" الذي يستعرض تنوع المصادر التاريخية التي تملكها المكتبة التراثية في ما يتعلق بدولة قطر، وهي مختلفة، إذ يحتوي الأرشيف على وثائق متنوعة وصور فوتوغرافية، ومن أهمها كتب الرحالة والمستكشفين والخرائط التي ذُكر فيها اسم قطر، والمعروضات متاحة ليطلع عليها زائرو المكتبة. المفيد أيضاً أنّ هناك مكاناً مخصصاً يمكن القارئ أو الباحث والأكاديمي فيه الاطلاع على ما يرغب من المعروضات التاريخية.
أما في ما يتعلق بأبرز المخطوطات التاريخية حول قطر، فتوضح الأنصاري أنّ المصادر متنوعة، وتتيح التعرف إلى قطر ليس من مصدر واحد، بل من مصادر مختلفة. من أقدم المقتنيات خريطة بطليموس "سكستا آسيا تابولا" التي طبعت في روما عام 1478، وهذه هي الخريطة الأولى التي طبع فيها اسم قطر باللاتينية "Catara".
من الوثائق المتاحة، التي تعرض للمرة الأولى، ديوان للشيخ جاسم بن محمد بن ثاني مؤسس دولة قطر طبع في المطبعة المصطفوية، مومباي، عام 1907. وهناك صور توقيع اتفاقية استقلال قطر، ووثائق ومخطوطات يرجع تاريخها إلى القرن السابع الميلادي. كذلك، جلب العلم القطري من المكتبة البريطانية، ورسومات للعلم، بالإضافة إلى قماش يوضح لون العلم الذي رفعه الشيخ عبدالله بن جاسم آل ثاني حاكم دولة قطر خلال الفترة من 1913 إلى 1949.
وتضم المكتبة عدداً كبيراً من الصور الفوتوغرافية التي توثق تاريخ قطر، منها صور لمسيرة احتفالات بإعلان استقلال دولة قطر عام 1971، وصور لتوقيع اتفاقية استقلال قطر. وصور أخرى تاريخية لعدد من المناطق بالدوحة، منها المسجد الكبير وبرج الساعة في الدوحة تعود لعام 1975. كذلك يحتوي قسم المطبوعات العربية القديمة في المكتبة التراثية على مجموعات مهمّة مثل جزء كبير من المكتبة الخاصة بالشيخ علي بن عبدالله آل ثاني، ومكتبة العالم العربي الشهير خير الدين الزركلي السابقة (1893 - 1976)، وبعض من أوائل الكتب العربية التي طبعت في مطبعة الشوير في لبنان، وفي حلب والموصل والقاهرة (مثل كتب مطبعة بولاق) وفي الحجاز. وتتسع المكتبة التراثية لعرض 300 مادة، ما يتيح للزائرين فرصة معرفة المزيد عن التاريخ والثقافة في دولة قطر والحضارة العربية والإسلامية.
يذكر أنّ مكتبة قطر الوطنية افتتحت رسمياً، يوم 16 إبريل/ نيسان الماضي، ووضع أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، الكتاب رقم مليون على رفوفها إيذاناً بالافتتاح الرسمي للمكتبة التي تبلغ سعتها الإجمالية لعرض الكتب مليوناً و200 ألف كتاب. ومن خلال وظيفتها كمكتبة بحثية وتراثية، تعمل مكتبة قطر الوطنية على نشر وتعزيز رؤية أعمق لتاريخ وثقافة منطقة الخليج العربي، وتتيح للمواطنين والمقيمين، فرصاً متكافئة في الاستفادة من مرافقها وتجهيزاتها وخدماتها.