تداعيات مقتل ريجيني تهزّ مكانة مصر بتحالف حرب ليبيا

15 فبراير 2016
وقفة احتجاجية في مصر على مقتل ريجيني (العربي الجديد)
+ الخط -
يواجه النظام المصري مأزقاً حقيقياً بسبب توصّل المحققين الإيطاليين إلى معلومات جديدة في قضية مقتل الشاب الباحث الإيطالي جوليو ريجيني تشتبه بضلوع الشرطة المصرية في اختطافه وقتله بعد تعذيبه. وتسبب ذلك في توتر العلاقات بين القاهرة وروما على الرغم من اتسامها بالتميّز منذ تولّي عبدالفتاح السيسي رئاسة الجمهورية، وذلك لرغبة الطرفَين في التعاون أمنياً وعسكرياً واقتصادياً.

يسيطر الغموض على العلاقات المصرية الإيطالية بما يهدد باستبعاد مصر أو تهميشها في الحملة الدولية العسكرية المرتقبة في ليبيا، والتي يريد رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو رينزي تنفيذها، أو البدء فيها على الأقل، قبل ربيع العام الحالي، على حدّ قوله. وكشفت مصادر دبلوماسية مصرية لـ"العربي الجديد"، عن أنّ "الاتصالات المكثفة التي بدأت منذ شهرين تقريباً بين الجانبَين المصري والإيطالي للتنسيق أمنياً واستخباراتياً بشأن الأوضاع في ليبيا، توقفت منذ مغادرة وزيرة التنمية الاقتصادية الإيطالية القاهرة مع رجال الأعمال المرافقين لها، على خلفية اكتشاف جثة ريجيني".

وفي ما يخصّ التحقيقات الأمنية، يقول مصدر في النيابة العامة لـ"العربي الجديد"، إن "المحققين الإيطاليين المتواجدين في القاهرة توصلوا إلى معلومات أكثر وضوحاً من فريق البحث الجنائي المكلف من وزارة الداخلية بالتحقيق في القضية، وأن الجانبين لا يعملان بتعاون مشترك، بل كلٌ بمفرده، ما سيتسبب في إحراج بالغ للجانب المصري إذا لم يقدم دلائل مهمة عن الفاعلين". ويؤكد المصدر أن "القضية حتى الآن لا متهم فيها، لكن أقوال جيران وأصدقاء ريجيني توجّه أصابع الاتهام إلى جهة ما اختطفته، وليس شخصاً أو مجموعة".

ويضيف هذا المصدر، أن تقرير الطب الشرعي الذي ورد عن مصلحة الطب الشرعي، مساء السبت، يؤكد تعرّض ريجيني للتعذيب لفترة طويلة، وبصور متعددة، رافضاً الإفصاح عن تفاصيل أكثر، أو عن طبيعة الإصابات التي وجدت في الجثة، وتأكيد أو نفي ما ذكرته وكالة "رويترز" عن تعرض ريجيني لكسور في 7 أضلاع وتعذيبه صعقاً بالكهرباء في أعضائه التناسلية.

ويشير المصدر ذاته، إلى أن تقرير الطب الشرعي لا يصلح بذاته دليلاً على إدانة أي جهة، خصوصاً أنّه لا وجود لآثار إطلاق نار، أو استخدام وسائل تعذيب تحتكرها جهة محدّدة، وهو ما يلقي عبئاً أكبر على أجهزة البحث الجنائي المصرية. وعما إذا كانت النيابة العامة المصرية تتعاون مع المحققين الإيطاليين، يوضح المصدر الأمني، "أخبرونا بصورة غير رسمية بشكوكهم حول الشرطة المصرية، لكنهم لم يقدموا دلائل مادية حتى الآن، لكنهم يستندون إلى أقوال أشخاص التقوا بهم في محيط مسكن القتيل. ولم يذكر أحد ممّن قدمتهم لنا الشرطة المصرية بناءً على أوامر النيابة، رواية اختطاف القتيل على يد الشرطة تحديداً".

اقرأ أيضاً مصدر بالطب الشرعي المصري: الطالب الإيطالي تعرض للصعق بالكهرباء

وعن انعكاسات هذه القضية على العلاقات الاقتصادية والعقود التي تم توقيعها بين الشركات الإيطالية والحكومة المصرية، أوضحت المصادر الدبلوماسية، أن "الوضع المتأزم في هذه القضية يهدد بأضرار يصعب تداركها، ولا سيما أن إيطاليا كانت في مقدمة دول الاتحاد الأوروبي التي تروّج للثقة بالنظام الحاكم في مصر، وكانت تساند الجهود المصرية لإرساء علاقات مميّزة مع دول الاتحاد. وذلك من خلال فتح السوق المصرية لجذب مزيد من الاستثمارات الإيطالية، وتوفير الحماية للشركات الإيطالية العاملة في مصر، بالإضافة إلى التعاون الاستخباراتي والأمني في المجال الميداني في ليبيا. يُضاف إلى كل ذلك، تأمين ساحل شمال أفريقيا والحد من موجات الهجرة غير الشرعية.

وتكشف هذه المصادر، عن أنّ "إيطاليا هي الدولة التي دفعت مصر للشروع في سن قانون جديد لحظر الهجرة غير الشرعية وتشديد الرقابة على هذا النشاط، وذلك بعدما تعهدت للحكومة المصرية، أخيراً، بزيادة استثماراتها في مصر مقابل التعاون الأمني للحد من هذه الظاهرة، وسن تشريع جديد يساعد في ذلك". وتوضح المصادر ذاتها، أنّه "لا مشكلة في التعاقدات القائمة والأنشطة السارية بالفعل، لكن تبدو الصعوبة في جذب المزيد من الاستثمارات إذا تبيّن فعلاً أن الشرطة هي من قتلت ريجيني، بل إن الوضع قد يطال السياحة أيضاً، إذا أصدرت الحكومة الإيطالية تحذيراً لمواطنيها بعدم التوجه إلى مصر لغرض السياحة أو الدراسة. وهذا القرار إذا صدر سيكون أسوأ من الذي أعلنته روسيا بقطع رحلات الطيران بعد تفجير طائرتها فوق سيناء، لأن إيطاليا ترتبط بدول الاتحاد الأوروبي كاملاً".

وحول مدى إمكانية تحقق هذه المخاوف، تلفت المصادر الدبلوماسية التي عملت سابقاً في دول أوروبية عدة، إلى أن "تصريحات الجانب الإيطالي تعكس رغبة عاجلة في الحد الأدنى من حقوقهم، وهو معرفة هوية الفاعل، أو الاعتراف بأن الشرطة المصرية هي الفاعلة، ولكن التحقيقات التي تجري في مصر غير مواكبة لهذه المطالبات ووتيرتها البطيئة تثير الشكوك"، على حدّ تعبيره.

وأعلنت السلطات الإيطالية، وتالياً المصرية، الأربعاء 3 فبراير/ شباط الجاري، العثور على جثة ريجيني، على طريق القاهرة - الإسكندرية، وعليها آثار تعذيب وحروق، بعد اختفائه منذ 25 يناير/ كانون الثاني الماضي. 

اقرأ أيضاً: "ذا إندبندنت":هل قتل الطالب الإيطالي برعاية الدولة في مصر؟