تداعيات محدودة لتعديل الدستور الروسي على سياسة موسكو الخارجية

12 يوليو 2020
أقر الدستور المعدل بنحو 78 بالمائة من الأصوات (Getty)
+ الخط -

مع دخول الدستور الروسي المعدل حيّز التنفيذ بعد إقراره في الاستفتاء الذي اختتم مطلع يوليو/تموز الحالي بأغلبية نحو 78 في المائة من الأصوات، لم تطرأ التعديلات على النظام السياسي الداخلي و"تصفير" عدد ولايات الرئيس الحالي فلاديمير بوتين، فحسب، بل شملت أيضاً بعض التغييرات في علاقات روسيا الخارجية. وتتعلق هذه التغييرات بإعلاء القانون والدستور الروسيين فوق قرارات المحاكم الدولية، ومنع التنازل عن أي شبر من الأراضي الروسية وغيرهما من الإجراءات.

وتنص الفقرة 2.1 من المادة 67 من الدستور الروسي المعدل على حماية سيادة روسيا ووحدة أراضيها، وتستبعد التنازل عن أراضيها إلا في إطار ترسيم الحدود مع الدول المجاورة. أما المادة 79، فتبطل مفعول قرارات الجهات الدولية في حال كان تفسيرها يتعارض مع الدستور الروسي.


اعتماد التعديلات الدستورية لا يعني عزوف روسيا عن الالتزام بقرارات الجهات والمحاكم الدولية تلقائياً

ومع ذلك، أشار أستاذ العلوم السياسية في معهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية، كيريل كوكتيش، إلى أنّ اعتماد التعديلات الدستورية لا يعني عزوف روسيا عن الالتزام بقرارات الجهات والمحاكم الدولية تلقائياً، مرجحاً ألا يؤدي تعديل الدستور الروسي إلى أي تغيير يذكر في علاقات روسيا الخارجية. وقال كوكتيش في حديث لـ"العربي الجديد": "لن تتغيّر علاقات روسيا الخارجية كون الأخيرة كانت فعلياً تعلي قانونها فوق القانون الدولي حتى قبل تعديل الدستور، ولكنها ستستمر في الالتزام بقرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وغيرها من الجهات، طالما لم تنسحب من عضويتها".

كما استبعد كوكتيش احتمال تأثير تعديل الدستور الروسي على العلاقات مع الغرب، قائلاً: "لن تتوقف العلاقة مع الغرب بالمفهوم الواسع، هي علاقة عمل بلا اختراقات كبرى، كون روسيا والولايات المتحدة، أكبر قوتين نوويتين، تحددان قواعد اللعبة على الساحة الدولية بصرف النظر عن تطوراتهما السياسية الداخلية، على الرغم من أن العالم يتابعها عن كثب".

وحول تأثير التعديلات على موقف موسكو من نزاعاتها الحدودية مثل الخلاف مع اليابان بسبب جزر الكوريل، قال: "يتلخص الموقف من الخلاف مع طوكيو في أنّ موسكو لن تقبل بتفعيل بيان الزعيم السوفييتي الراحل، نيكيتا خروتشوف، إلا في حال انسحبت اليابان من الاتفاق مع الولايات المتحدة الذي يتيح نشر القوات الأميركية على الأراضي اليابانية بموجب إخطار". وكانت الحكومتان السوفييتية واليابانية قد وقّعتا عام 1956 على بيان مشترك نص على إنهاء حالة الحرب، واستعادة العلاقات الدبلوماسية بشكل كامل، وتسليم جزيرتين من أصل جزر الكوريل الأربع المتنازع عليها لليابان بعد التوقيع على اتفاقية السلام، وهو الأمر الذي لم يتم حتى اليوم.

من جهته، توقّع الخبير في العلاقات الدولية، فلاديمير فرولوف، أنّ التعديل الخاص بـ"تصفير" عدد ولايات بوتين سيكون هو الأكثر أهمية بالنسبة للسياسة الخارجية، حتى مقارنة مع إعلاء القانون الروسي ومنع إبعاد الأراضي الروسية. وفي مقال بعنوان "سنبقى أطول منكم جميعاً. ماذا تكشف التعديلات الدستورية عن السياسة الخارجية للكرملين"، نشر في صحيفة "ريبابليك" الإلكترونية، لفت فرولوف إلى أنّ التعديل الرمزي المانع للتنازل عن الأراضي الروسية يتعلق بالدرجة الأولى بشبه جزيرة القرم وجزر الكوريل، ولكن هذه المشكلة غير قائمة في الواقع، إذ إنه حتى زعماء المعارضة "غير النظامية" لا يطرحون مسألة التخلي عن شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014.


التعديل الخاص بـ"تصفير" عدد ولايات بوتين سيكون هو الأكثر أهمية بالنسبة للسياسة الخارجية

أمّا بالنسبة لجزر الكوريل، فتوقع الخبير الروسي أنّ موسكو قد تسلمها لليابان في إطار ترسيم الحدود فوراً، في حال قبلت طوكيو بدفع ثمن عادل مثل التخلي عن التحالف العسكري مع الولايات المتحدة والانتقال إلى سياسة الحياد، والارتقاء بمستوى العلاقات مع روسيا.

وفي ما يتعلق بإعلاء الدستور الروسي فوق القوانين الدولية، لم ير كاتب المقال في هذا الشق أي تداعيات هامة على السياسة الخارجية الروسية، باستثناء "تعزيز إضافي للتوجه نحو عزلة البلاد عن المؤسسات الغربية القادرة على التأثير على الوضع الداخلي في روسيا الاتحادية"، مرجحاً "استمرار سريان مفعول الاتفاقيات الدولية في البلاد طالما أنها لا تخلق تهديدات جديدة للسلطة".

إلا أنّ مادة إعفاء بوتين من احتساب ولاياته السابقة ترجع أهميتها، وفق فرولوف، إلى أنها لا تعني "تصفير" عدد ولايات بوتين بقدر ما هي "تصفير" لأي لاعبين آخرين من أصحاب الطموحات الرئاسية، وآمال الشركاء الغربيين في تجدد القيادة الروسية بعد عام 2024.

وتابع أنّ وضع بوتين كـ"بطة عرجاء" كان يخلق للغرب حوافز لمجرد انتظار خروجه أملاً في مجيء رئيس جديد قد يكون شريكاً أنسب للحوار، على غرار الرئيس السابق دميتري مدفيديف، ولكنه تمّ الإعلان رسمياً عن أنه "بعد بوتين سيكون هناك بوتين". وخلص فرولوف إلى أنه يتعين على الغرب التخلي عن الآمال في "فكر جديد" في موسكو.