تداعيات "احتواء" قطر في المحور السعودي ـ الإماراتي

05 مارس 2014
التباين الخليجي إلى أين في ظل الثورات العربية؟
+ الخط -
أثار قرار سحب سفراء السعودية والإمارات والبحرين لدى دولة قطر، صدمة في الأوساط السياسية وحالة من الترقّب القلق لما ستؤول إليه المنطقة المتأثرة بموجات الثورات منذ أكثر من ثلاثة أعوام. ومن غير المعروف إلى أي مدى ستصل إليه هزاته الارتدادية.
والتصعيد الأخير لم ينجم عن موقف خليجي موحّد، إذ رفضته الكويت وسلطنة عُمان دون الإشارة لذلك صراحة. وتشير المعلومات إلى أن القرار قد اتخذ مسبقاً، قبل انعقاد اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض بشكل طارئ أمس الثلاثاء.
وعقب صدروه، صباح الأربعاء، لم تعلّق عليه معظم الدول العربية باستثناء مصر، التي اعتبرته رداً مناسباً على السياسات القطرية، في إشارة إلى موقف الدوحة الرافض لممارسات الحكومة المؤقتة في القاهرة بعد انقلاب 3 يوليو/ تموز.
وتعدّ الأزمة الجديدة سابقة في العلاقات الخليجية البينية، وتكشف عن توجه تقود قاطرته الرياض وأبو ظبي، ليس من أجل عزل قطر فحسب، بل لقيادة الثورة المضادة في كل بلدان "الربيع العربي"، وإعادة ما يسمى بمحور الاعتدال إلى الواجهة.
وتعتبر السعودية أن اتخاذ قطر سياسات مستقلة وداعمة للثورات، مسألة تشكل تهديداً لمصالحها الاستراتيجية ولاستقرار منطقة الخليج، وترى أن الهامش الذي سمحت به قطر عبر استضافة معارضين والسماح لهم بالظهور الإعلامي على قناة الجزيرة، يعدّ خروجاً عن خط الرياض المحافظ، الذي يعتبر أن قيماً من قبيل الحرية والمشاركة السياسية خطاً أحمر، وعدوى لا يجب أن يصاب بها المجتمع الخليجي.
ومنذ اندلاع الثورات العربية، تتخذ كل من السعودية والامارات موقفاً متحفظاً أو تجاهر برفضه، وبالذات في حالات مصر وتونس واليمن. أما في البحرين، فكان البلدان شريكين في إجهاض الثورة هناك بشكل مباشر، من خلال الزج بقوة عسكرية تحت اسم "درع الجزيرة" إلى العاصمة المنامة، لتطويق الاحتجاجات.
وساهم التباين في الموقف من الثورات والسياسات الواجب انتهاجها في التعامل مع موجة التغيير، في توتير العلاقات بشكل متسارع بين قطر من جهة والامارات والسعودية من جهة أخرى.
ولم تكن سوريا بمنأى عن هذا التوتر، وإن ظل هناك، ظاهرياً، توافق على دعم الثورة فيها، إلا أن السعودية مارست ضغوطاً كبيرة، عبر شركاء إقليميين ودوليين، للهيمنة على المعارضة السورية وتحييد الدور القطري فيها، خاصة بعد التحول الذي حدث بقدوم الرئيس الاشتراكي في فرنسا فرانسوا هولاند والذي تقرّب من الرياض أكثر من الدوحة.
وكانت لحظة الصدام بعد الانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي في مصر، لكن تعقيدات، سابقاً، شابت العلاقة بين قطر وهذين البلدين الخليجيين وسبقت ذلك التاريخ، منذ أن اتهمت أبو ظبي شخصيات سياسية كويتية بتلقي أموال قطرية لتمويل جماعات سرية تابعة للإخوان المسلمين في دولة الامارات. وتطور الاحتقان إلى حد اعتقال السلطات في دبي المواطن القطري محمود الجيدة، ومن ثم زجه في السجن بعد حكم قضائي لمدة سبع سنوات، في خطوة عدتها قطر جائرة.
وجاهدت السعودية للضغط على قطر من أجل تغيير سياستها الداعمة لجماعة الاخوان المسلمين والقوى الثورية الأخرى، ونقلت بهذا الشأن عدة رسائل إلى الدوحة وصلت حد التهديد بالطرد من مجلس التعاون الخليجي، لولا الوساطة الكويتية التي أسفرت، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي خلال قمة ثلاثية في الرياض، عن اتفاق على الالتزام بالتقاليد الخليجية الرافضة للتدخل في الشؤون الداخلية لأي بلد خليجي.
واستخدمت الرياض أسلوب الابتزاز ضد الدوحة أكثر من مرة، خاصة من خلال استخدام التسجيل المسرّب عن اتصالات معمر القذافي مع أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، والتي تحدث فيها الزعيم الليبي عن نيته قلب نظام الحكم في السعودية. ورغم أن تلك القضية تمت تسويها بين الرياض والدوحة، إلا أنها كانت محل نقاش بين العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز وبين الأمير الحالي الشيخ تميم بن حمد.
ولم تكن السعودية لتلتزم لا هي ولا الإمارات بهذا الاتفاق، حيث ضغطت الرياض على دول الخليج من أجل إقرار حزمة من الاتفاقيات الأمنية التي تمنع حرية النشاط السياسي في أي بلد خليجي إذا ما فُسّر على انه تهديد لبلد خليجي آخر.
وحاولت السعودية طرح الاتحاد الخليجي مجدداً في قمة الكويت العام الماضي من أجل فرض وصاية على الإقليم، لكنها وجدت ممانعة قوية من سلطنة عمان.
ولم تكتفِ لا الرياض ولا أبو ظبي بالعمل على مستوى دول الخليج، حيث بيّنت حقائق عدة، لاحقاً، عن دور "تخريبي" لإجهاض الثورات إما بالمال أو باستضافة مسؤولين في الأنظمة المخلوعة وشخصيات أمنية مشبوهة. وتستضيف أبو ظبي مرشح الرئاسة المصري السابق أحمد شفيق المقرّب من مبارك، كما تموّل الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح ونجله أحمد فضلاً عن تمويلها شبكة معقدة من السياسيين ووسائل الاعلام في مصر.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن الامارات عملت على دعم انقلابين في ليبيا نهاية 2013 وفي الشهر الماضي، وضخت الكثير من الأموال في تونس من أجل إفشال المسار الانتقالي والدستور الجديد هناك.
ويؤكد ذلك، المطلعون على بواطن الخلاف الحقيقي بين قطر وبين السعودية والامارات، والذين يشددون على أن المسألة لا تتصل بالعلاقات البينية الخليجية.
وتكشف المصادر من داخل السعودية، عن أن خطوة تسليم الحكم من حمد إلى تميم بحد ذاتها كانت مثار تحفظ كبير، لأنها فُسّرت على أنها خروج عن التقاليد الخليجية وأنظمة الحكم الوراثية، وخاصة أن العارفين بتفاصيل أسرة آل سعود يعلمون أنهم يواجهون أزمة توريث ناجمة عن الصراع بين أحفاد الملك المؤسس على العرش.
وتقول المصادر إن وقوف الامارات والسعودية والبحرين بشكل موحّد ضد قطر، لن ينتهي إلى حد سحب السفراء فحسب، فالتسريبات تؤكد ما كشفت عنه مصادر إعلامية تابعة لأبو ظبي سابقاً بأن التصعيد قد يصل إلى إغلاق الحدود البرية وفرض حظر على الطيران المدني القطري، وقد يمتد إلى الحظر البحري.
وتطالب تلك البلدان قطر، بإغلاق قناة الجزيرة، كوسيلة ضغط، والراجح، بحسب مراقبين هو تغيير خط الجزيرة التحريري ليس أكثر والكف عن دعم الثورة المصرية. وتصل المطالب أيضاً إلى طرد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، يوسف القرضاوي، من الدوحة، خصوصاً بعدما أثار بتصريحاته غضب الامارات لاتهامها بأنها تقف ضد كل حكم مسلم.
ويرى متابعون للشأن الخليجي، أن التوجه الذي تقوده السعودية هنا بهدف الضغط على قطر، لن يقف عن حدود "قصر الوجبة"، بل سيتعداه إلى مصادرة الثورة السورية واجهاض الثورات العربية عموماً، بما فيها تحييد تركيا، بزعامة رجب طيب أردوغان، واضعاف حركة حماس، والضغط على السلطة الفلسطينية لإعادة مسؤول الامن السابق المرتبط بإسرائيل، مستشار ولي عهد أبو ظبي، محمد دحلان، إلى رام الله، وتالياً القبول بخطة كيري.
ويؤيد أكثر من مراقب هذا الاتجاه، باعتبار أن القضية ليست في تحجيم الدور الخارجي لقطر بزعم أن سياستها الخارجية تضر بأمن الخليج، حسب ما جاء في البيان الثلاثي، وهي بذلك تتعداها إلى إعادة تشكيل محور أكثر ارتباطاً بإسرائيل لمواجهة القوى المطالبة بالديموقراطية في المنطقة. ولا يوجد لدى الرياض أي تصور لمواجهة المحور الإيراني، بل إنها لم تستطع منع أقرب حلفائها، الامارات، من زيارة طهران عقب الإعلان عن اتفاق بين الولايات المتحدة وايران في جنيف العام الماضي.
وما يدلّل على نوايا المحور الجديد، دعم الامارات لأطراف مناهضة لحزب العدالة والتنمية في تركيا، من أجل إفشال تجربة الحكم الإسلامية هناك. وكشفت وسائل إعلام تركية، في وقت سابق، دور أبو ظبي في تقديم رشاوى مالية لمدعي عام إسطنبول لتضخيم قضايا فساد لا تزال محل نظر القضاء.
وتترقب المنطقة الخطوة التالية التي سيقدم عليها التحالف الثنائي والذي، ضمناً، يشمل البحرين، تجاه قطر التي لا تزال تلتزم الصمت وترفض التصعيد. لكن أي فرض للسياسة السعودية هنا يعني انتكاسة كبيرة لكل دول الثورات العربية، وعودة للأنظمة السابقة، بدءاً من مصر، وهو ما يجري فيها من اضطرابات، فضلاً عن تطويق الثورة السورية واخراجها عن خطها الرئيسي وقت انطلاقتها بتأسيس دولة ديموقراطية لكل مواطنيها، وانتهاءً بقبول تسوية للصراع العربي ـ الإسرائيلي، مستفيدة من المزاج العام المتأثر سلباً بالفوضى وتردي الحالة الاقتصادية وانعدام الأمن في أكثر من بلد، وهو ما يوضح أن المسألة أبعد من ضغوط على قطر.