تحويلات الأجانب تستنزف الموارد النقدية للسعودية

10 مايو 2015
عمالة أجنبية في السعودية (أرشيف/Getty)
+ الخط -

يهدد تنامي تحويلات العمالة الأجنبية في السعودية الاقتصاد المحلي، ويتوقع خبراء اقتصاديون أن يتجاوز في نهاية عام 2015 أكثر من 160 مليار ريال (نحو 43 مليار دولار)، محذرين من أن هذه التحويلات تمثل تهديداً حقيقياً للاقتصاد القومي مطالبين بإيجاد قوانين تضبطها، خاصة بعد أن تجاوزت التحويلات مجموع رواتب العمالة الأجنبية التي تصل إلى نحو 124 مليار ريال سنوياً (33 مليار دولار).

وبحسب تقديرات مؤسسة النقد السعودية تمثل هذه التحويلات استنزافاً سنوياً للموارد النقدية

للاقتصاد بنسبة 6% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما جعل السعودية ثاني أكبر دولة في العالم من حيث تحويلات العمال بعد الولايات المتحدة الأميركية ومتفوقة على روسيا والصين، وبحسب التقرير الشهري لمؤسسة النقد العربي السعودي ارتفع حجم تحويلات الأجانب المالية إلى مستوى قياسي جديد في الربع الأول من هذا العام إلى 41.21 مليار ريال (11 مليار دولار) بزيادة بلغت نسبتها 4 % مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، والتي سجلت تحويلات بقيمة 39.6 مليار ريال (10.5 مليارات دولار).

 وحسب "ساما" بلغت التحويلات 153.3 مليار ريال في عام 2014، (نحو 40.8 مليار دولار)، مقارنة بما تم تحويله في عام 2013 والذي بلغ 147.9 مليار ريال (363.4 مليار دولار)، كما حققت التحويلات نمواً شهرياً متواصلاً بنسبه 14% بنحو 1.72 مليار ريال (458 مليون دولار)، لتتجاوز شهرياً 14.3 مليار ريال (3.8 مليارات دولار).

وكشف مصدر في مؤسسة النقد لـ "العربي الجديد" أن هناك مشروع قانون يحد من حرية التحويلات، ويربط نسب ما يتم تحويله للعامل بدخله الشهري، ومنع تحويل أكثر من ذلك، وأكد مصدر آخر في مجلس الشورى السعودي أن هناك مشروع قانون بهذا الخصوص تتم دراسته في اللجنة المالية في المجلس، وهو ما سيحد من تنامي هذه التحويلات في حال تطبيقه.

اقرأ أيضاً: الاحتياطيات السعودية تسجل أعلى مستوياتها بـ 738 مليار دولار

ويرفض أستاذ الاقتصاد الدكتور بشر العتيبي، أن يكون سبب تنامي التحويلات هو العمليات العسكرية، مستدلاً بأن الأرقام ترتفع منذ سنوات وبشكل مطّرد، ويقول لـ "العربي الجديد": "إن سبب ارتفاع التحويلات في الربع الأول من عام 2015 هو خوف العمالة من الحرب في اليمن غير دقيق، فنسبة نمو التحويلات ظل ثابتاً منذ عام 2012 على مستوى 4%، وبالتالي لا رابط بين الاثنين".

ويضيف: "هناك ارتفاع نعم، هل هو بسبب عاصفة الحزم؟ بالتأكيد لا، هناك الكثير من الأسباب، أهمها تنامي تدفق العمالة الأجنبية في السعودية حتى جاوزت عشرة ملايين"، ويستغرب الدكتور العتيبي هذا التنامي الكبير بعد حملة الداخلية لأبعاد العمالة المخالفة، والتي كان يجب أن تكون سبباً في تقلص أعدادها لا زيادتها، ويضيف: "هناك مخاطر كبيرة من جراء هذه التحويلات، ليس فقط على الاقتصاد الوطني، بل أيضاً على الأمن، فكثير من هذه

الأموال لا يعرف من أين تم اكتسابها".

الاعتماد على الأجنبي

يؤكد المحلل الاقتصادي منير بوبشيت على أن ارتفاع تحويلات المقيمين ناتج عن المبالغة في توظيف العمالة الأجنبية وبرواتب أعلى من تلك التي يتقاضها الموظف السعودي، ويقول لـ "العربي الجديد": "نحن ندفع اليوم ثمن اعتماد سوق العمل على العمالة الأجنبية متدنية الدخل والمهارة، وما لم يتم رفع تكلفة توظيف العمالة الأجنبية بشكل كبير، وقصر التوظيف في بعض الوظائف على العمالة المواطنة فقط ، فإن المشكلة ستتواصل وستتضاعف التحويلات الأجنبية حتى تصل إلى مائتي مليار ريال".

ويطالب بوبشيت بوضع خطط لاستثمار أموال العمالة الأجنبية في الداخل، بدلاً من تصديرها إلى الخارج عن طريق فتح باب الاستثمار للعمالة بشكل أوسع، ويضيف: "لم تستفد سوق الأسهم من فتح باب الاستثمار للعمالة الأجنبية، فظلت التحويلات تزيد وترتفع، وهنا يجب أن نسأل مؤسسة النقد من أين تأتي هذه الأموال التي تصدّر للخارج، والتي كانت في عام 2014 قرابة 153 مليار (40.8 مليار دولار) بينما لا تتجاوز مجموع رواتب العمالة الأجنبية في السعودية الـ 124 مليارا"، ويتابع :"هذا الفارق بالتأكيد يأتي من خلال أعمال أخرى، مثل التستر التجاري أو العمل للآخرين، لا بد من وضع قانون يمنع العامل من تحويل أكثر من راتبه المدون في بطاقة عمله".

ويدعو بوبشيت إلى وضع أنظمة تحد من التحويلات غير الشرعية، ويضيف: "للأسف الأنظمة الحالية غير قادرة على ضبط الأموال غير الشرعية، فما دام العامل لا يحول أكثر من 10 آلاف ريال، لا تتم مساءلته، ولكن لا بد من وضع نظام يربط بين جهات التحويل ومؤسسة النقد ووزارة الداخلية، بحيث يتم تحديد راتب كل موظف، ولا يسمح له بتحويل أكثر من 50 % من هذا الراتب، لأنه سيحتاج أن يأكل ويشرب ويلبس، وعندما يكون دخل الموظف أكبر من

راتبه الشهري، فهذا يعني أنه حصل على هذه الزيادة بطريقة غير قانونية، لأنه من غير المسموح لأي موظف أن يعمل في غير الجهة التي تعاقدت معه".

من جانبه، يؤكد المحلل المالي مازن العمري أنه من الضروري وضع قوانين تحد من هذه التحويلات التي تهدد الاقتصاد السعودي، معتبراً أن خروج 160 مليار ريال سنوياً من البلاد أمر غير منطقي، وهو مبلغ يشكل نحو 19% من الميزانية العامة للدولة، ويقول لـ "العربي الجديد": "لماذا لا نفتح باب الاستثمار لهذه الأموال داخلياً؟".

 ويضيف: "صحيح أن الاقتصاد السعودي مفتوح وحر، وهو يعطي العامل حرية نقل أمواله إلى بلاده، ولكن لا بد من معرفة هل هذه الأموال التي يتم تحويلها شرعية أم لا، فمن غير المعقول أن يكون الدخل السنوي لأحد العمال 18 ألف ريال، ويحوّل 22 ألفاً، هذا غير ممكن، وبالتأكيد هناك طرق غير قانونية يجمع بها المال، ومن حق الدولة أن تسأله من أين لك هذا"، ويشدد العمري على أن قيمة تلك التحويلات باتت تمثل رقماً مخيفاً، وتستنزف الاقتصاد السعودي.


اقرأ أيضاً: ارتفاع قياسي لتحويلات الأجانب بالسعودية

المساهمون