تحركات السفير الأميركي في بغداد: منافسة إيران ومحاولات لاحتواء تداعيات التظاهرات

22 نوفمبر 2019
واشنطن حريصة على عدم فشل المسار السياسي بالعراق (يوتوب)
+ الخط -
أنهى السفير الأميركي في بغداد، ماثيو تولر، ما يمكن اعتباره "أسبوعا غير عادي" بسبب تحركاته واجتماعاته المعلنة على أقل تقدير مع المسؤولين العراقيين، أبرزهم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ورئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان. 

وكان هذا الحراك لافتا لانتباه مراقبين وسياسيين، قالوا إنه يأتي بعد فترة فتور واضحة للسفارة منذ تسلم عبد المهدي رئاسة الوزراء وعقب الاتفاق الذي اعتبر فيه أن قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني تفوّق على المبعوث الأميركي للعراق آنذاك بريت ماكغورك، أكتوبر/ تشرين الأول عام 2018، والذي قاد هو الآخر ضغوطا كبيرة في مشاورات تشكيل الحكومة، حيث انتهى المطاف بالرئاسات الثلاث العراقية، الجمهورية والحكومة والبرلمان، إلى شخصيات غير بعيدة عن إيران.

ووفقا لمصادر سياسية، أحدهم نائب في البرلمان العراقي، فإن مختلف الأطراف السياسية تراقب تحركات السفير تولر، صاحب الأثر الواضح في اليمن خلال عمله هناك كسفير لواشنطن، والقادم أخيرا إلى العراق.

وقال نائب، هو قيادي في تحالف "النصر" برئاسة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي، إن النشاط الأخير للسفارة الأميركية قد يكون متناغما مع التحرك الإيراني لدعم حكومة عبد المهدي، أو لأن هناك توجها أميركيا ما بالنسبة للعراق، معتبرا أن "وجود قاسم سليماني في بغداد وتحركاته الأخيرة يجعل الجميع أمام رفض تحرك الطرفين أو السكوت".  

وبيّن أن "التحرك الأميركي يبدو أكثر وضوحا، فاللقاءات معلنة، على عكس الإيرانية التي بالتأكيد هي أقوى وذات مفعول أسرع على المشهد العراقي".

فيما أوضح سياسي عراقي أن تحركات السفير الأميركي حاليا "تنحو منحى إيقاف القمع والتضييق على الحريات الصحافية"، معتبرا أن "الأميركيين لا يريدون للعملية السياسية العراقية الحالية فشلا كاملا أو تغييرا، فهم بُناتها الأساسيون، وكل تحركاتهم الحالية والمستقبلية هي لإعادتهم إلى دائرة التأثير".

إلى ذلك، قال القيادي في جبهة الإنقاذ العراقية أثيل النجيفي، لـ"العربي الجديد"، إن "الولايات المتحدة لديها مصالح استراتيجية في المنطقة ككل، وبالتالي فهي تراقب ما يجري من أوضاع، وتتحسب لعواقب الأمور من البداية"، مبينا أن "الحراك الأميركي جاء بعد استشعار الخطر من عواقب الأمور، ولهذا يجب أن يكون لها دور قبل وقوع كارثة تضر بمصالحها، وتضر مصالح العراق أيضا".


وبيّن النجيفي أن "التحرك الأميركي أمر طبيعي بالنسبة لدولة مثل الولايات المتحدة، خصوصا مع وجود الاتفاقية الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن، التي تتعلق بالأمن، ولهذا لا بد أن يبقى هذا الاتصال والتواصل موجودا".

وأضاف أن "الحراك الأميركي سوف يكون له تأثير على الشارع، كما سيؤثر على الأحزاب والكتل السياسية المقربة من طهران، فأميركا تتحكم بمفاصل الاقتصاد العالمي، ولهذا هي تستطيع التأثير على أي قوة سياسية تجدها متعارضة مع سياستها الاستراتيجية".

بدوره، أكد حيدر الملا، القيادي في تحالف القوى العراقية بزعامة رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي، في اتصال مع "العربي الجديد"، أنه مع بدء التظاهرات في العراق مطلع أكتوبر/ تشرين الأول، كان موقف الولايات المتحدة "خجولا".

ورجح الملا أن تكون "مفاجأة الولايات المتحدة من الحراك الشعبي الذي حصل هي سبب ذلك السكوت أول أيام التظاهرات"، وأوضح أنه "بعدما أخذت التظاهرات العراقية الشرعية بعد اعتراف المجتمع الدولي بها، والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وكذلك الرئاسات في العراق والقوى السياسية، ومرجعية النجف، بدأت أميركا تتحرك لمحاولة حفظ ماء الوجه، ومن أجل إيجاد مخرج".

واعتبر المتحدث ذاته أن "التحركات الأميركية محاولة لإقحام نفسها في هذا الحراك من أجل إيصال رسالة أنها حريصة على الديمقراطية وحريصة على حرية الرأي في العراق والمنطقة، ولهذا بدأ السفير تولر تحركات مكوكية في بغداد".

وحذر من أن "دخول أي عامل خارجي من أي جهة كانت على خط التظاهرات سوف يضعف هذه التظاهرات، فهذه التظاهرات بدأت بإرادة داخلية دون أن تكون مسيسة أو محسوبة لجهة سياسية، ولهذا دخول أي جهة سياسية أو عامل خارجي عليها سوف يضعفها".

في المقابل، قال رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري، لـ"العربي الجديد"، إن "الحراك الأميركي لا يختلف عن الحراك الإيراني مع الأطراف (الشيعية، السنية، الكردية)، لكن واشنطن الآن انخرطت بشكل رسمي وواضح لحل الأزمة الحالية، فهي تدرك أن هناك واجبا لا بد أن تمضي به لإيجاد الحلول".

وبين أن أميركا ترى أن "ترتيب الوضع القادم يجب ألا يكون خارج إطار الاستراتيجية الأميركية، فهي لا تريد أن تكون إيران متحكمة في الداخل العراقي، ولهذا بدأت تحركات السفير الأميركي".

وأضاف الشمري أن "قضية الانتفاضة الشعبية، وكذلك استقالة عادل عبد المهدي، وإجراء انتخابات مبكرة، دفعت بالحراك الأميركي حتى تكون لواشنطن مساحة في الترتيبات القادمة".