13 نوفمبر 2024
تحدّيات ورهانات جزائرية
تتواصل الأزمة في الجزائر، ومن فصولها أخيرا تعيين الحكومة، وهو ما يستدعي قراءةً في الموقف من كلّ الجوانب، وتأثيرات ذلك على الحراك، من ناحية، وعلى الأوضاع، في الجزائر، من ناحية أخرى. بدايةً، يجب التّذكير بأنّ الأزمة ما زالت قائمة، ذلك أنّ الانتخابات الرئاسية التّي جرت نهاية السنة الماضية لم تؤدّ إلى الإجماع، كما أنها لم تنته إلى إنهاء الانسداد، وهو ما استدعى إشارة الرئيس المنتخب، عبد المجيد تبّون، في خطاب القسم، بل في تصريحاته الصحافية الأولى، غداة الإعلان عن نتائج تلك الانتخابات، إلى أنّ ثمّة عرضا للسعي نحو الحوار مع الحراك، محاولة من السّلطة لمدّ اليد للجهة المقابلة من الجزائر التي لم يتمّ التوافق معها بشأن تلك الرّئاسيات، بل قاطعتها، أو عزفت عن المشاركة فيها، وهو ما تدلّ عليه الأرقام الرّسمية للمشاركة في الاقتراع الرّئاسي (مشاركة قرابة 40% من الهيئة النّاخبة).
من نتائج ذلك الموقف أنّه تمّ اللّجوء إلى المقاربة التكنوقراطية لرفع اللّائمة عن الرئاسة وعن الحكومة، في آن، في الابتعاد عن تسييس تسمية الوزراء، أو التعيين، وفق الانتماءات السياسية، وهي محاولةٌ من الرئاسة، للقفز على المقتضى الدستوري في تشكيل الحكومة، بناءً على الأغلبية البرلمانية، بما أنّ الحزبين، صاحبي الأغلبية في الجهاز التشريعي (جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي) في مشكلة مصداقية، بما أنهما من الموالين للرئيس المستقيل والمناصرين للعهدة (الولاية) الخامسة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، التي أسقطها الحراك في إبريل/ نيسان الماضي.
ولكن، بالرّجوع إلى تلك التّعيينات، هل توصّلت الرّئاسة إلى الخلطة السحرية التي سترفع تحديات الإشكاليات كافّة التي تعاني منها الجزائر: على المستويين، الاقتصادي، في المحور الأول،
والسياسي، في المحور الثاني؟ يحتاج الأمر، للإجابة عن هذا السّؤال، التطرّق إلى الاستراتيجيتين اللتين ستكونان، حتما، أساس خريطة طريق عمل الفريق الرئاسي والحكومي الجديدين في البلاد. وهما، أوّلا، الحوار مع الحراك، باعتباره ملفا سياسيا سيتم العمل فيه على اختيار الفاعلين، بلورة جدول أعمال الجلسات الحوارية، ثم المخارج ومقاربة تجسيدها في أرض الواقع، في حين سيكون العمل متمحورا، في الملف الآخر، الحيوي، أيضا، على الملفات الاقتصادية العاجلة، بفعل تواصل الأزمة الاقتصادية المنجرّة عن تضافر الفساد، فشل السياسة العامة الاقتصادية، واستمرار الاعتماد على الريع النفطي.
تحدّث بعضهم عن الفريق الحكومي، ووصفه بالفريق المتخصّص في ملفّات محدّدة، استجابت لضغوط عدة، منها الحراك، الظروف التي جرت فيها الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى الرّغبة في إحداث القطيعة الأولى مع السّاحة السياسية، بمعطياتٍ موروثةٍ من نظام الرّئيس السابق على أكثر من مستوى، منها النّخبة السياسية والأحزاب السياسية والأغلبية البرلمانية، وكلّها ملّفات ضاغطة، تحتاج إلى حلّ، بل حلول سريعة قد يتكفّل بها الفريق السياسي الذي سيتولى الحوار مع الحراك.
على الجانب الآخر، سيكون الفريق الحكومي على موعد حاسم ومستعجل، لرفع تحدّي الإنجاز الأوّل في المائة يوم الأولى من حكم الرّئيس عبد المجيد تبون، الذي يحتاج إلى تأكيد شرعيته، وقد يكون التّركيز، بصفة حيوية، على العملية الاتصالية التي يجب أن تتغيّر، ليبدو الفريق الحكومي مختلفا، كلّ الاختلاف، عن الممارسة السياسية وأخلاقياتها في عهد الفريق السياسي لكل المرحلة التي حكم فيها الرئيس السابق، بوتفليقة (قرابة العشرين سنة). ولعلّ الرئيس المنتخب ورئيس الحكومة تفطنا لذلك، فعينا شخصية ذات كفاءة عالية في الميدان الاتصالي لقيادة الصورة/ الشكل الذي ستكون عليه العملية الاتصالية، وهو الإعلامي ووزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، عمّار بلحيمر، مع منحه، وجوبا لتجسيد ذلك، الإمكانات والاختصاصات الكافية لقيادة تلك العملية.
كما ستكون الحكومة على موعدٍ لا يقلّ أهمّية عن العملية الاتّصالية، وهي استرجاع الثقة التي تعتبر الخطوة الأولى في مسار بناء الشرعية الجديدة التي تحتاجها السّلطة لإعادة ترميم العلاقة المشروخة والمأزومة، في آن، مع الشّعب والسّعي إلى رسم معالم ورشتي العقد الاجتماعي والسياسة العامة على المستوى الشكلي - السلوكي، بداية، في انتظار أن يمتد إلى الجانب العملي، في إطار ما تمّ إقراره مع بعث عملية مراجعة الدستور.
وقد تكون المهمّة التي أسداها الرئيس المنتخب لرئيس الحكومة، لتحضير مشروع قانونٍ يحظر
الكراهية، العنصرية والجهوية، من بين الورشات الحيوية، بالنظر إلى استفحال الأمر، في الآونة الأخيرة، وارتباط ذلك بالحراك والإشكالات التي طرحها، والتي تمّ تحويرها وتغيير وجهتها، لتصبح قضايا خطيرة، لها صلة بالهوية، حيث حاول بعضهم القفز، من خلالها، إلى إستراتيجية الإلهاء عن المسائل الكبرى المجمع عليها بين الجزائريين، وهي مسائل التغيير، الإصلاح وإحداث الانطلاقة اللائقة بإمكانات البلاد وكفاءات الجزائريين الكبيرة، سعيا نحو بناء الجزائر الجديدة، حقّا.
إذا عرفت الرّئاسة والحكومة كيف تتعامل مع الاستراتيجيات الثلاث: الاقتصادية، الحوار مع الحراك وإعادة اللحمة بين الجزائريين، فإنّها تكون قد أعادت بناء جسور الشرعية والثقة بينها وبين الشعب، في انتظار أن يتمم ذلك بعقد اجتماعي، الدستور المعدل، واقتراعات تشمل إعادة بناء المؤسسات، مرّة أخرى، بصفةٍ شرعيةٍ، في إطار النزاهة والنظافة والشفافية، وكلها ورشات حقيقية تستحق الاهتمام، وتحتاج لإعطائها المكانة التي تليق بها تجديدا للنّخبة السياسية بإعادة بناء المجتمع المدني، تشكيل المعارضة، والتركيز، من خلالهما، على الوعي الذي يحول دون التطرّق، مستقبلا، بل على الدوام، إلى مسائل مجمع عليها بين أبناء الجزائر باعتبارها ثوابت: الروحي، الإسلام، اللغوي: العربية والأمازيغية، إضافة إلى العلم الوطني، النشيد، بيان أول نوفمبر ومكانة الشهداء من 1830 إلى 1962.
يؤدّي رفع هذه التحدّيات، حتما، إلى بروز إمكانية لبناء مشروع القوة الجوارية، مع دول المغرب
الكبير، والإقليمية في غرب المتوسط والمنطقة الساحلية – الصحراوية، وهي الإمكانية المتوفّرة إذا تم تحقيق الانسجام الاجتماعي الداخلي، باعتبارها مقاربة قبلية محتومة، ثم البناء عليها لتمرير المشعل إلى تصفير المنطقة من نزاعاتٍ يمكنها أن تؤرّق أمننا الداخلي، الجواري والإقليمي، وربما يكون ذلك قد برز، ولو مواربة، من خلال التدخل في الأزمة الليبية، لحلها بالمقاربة الجزائرية المتضمنة لإعمال ثقلها، النظري الآن، والعملي، دبلوماسيا، على المستوى المنظور.
تلك تحدّيات المستقبل المنظور التي نحتاج إلى التركيز عليها، حتما، في انتظار التغلّب، بالإدارة الحكيمة، استراتيجيا، على الرهانات الطاقوية، على خلفية الصراع المحموم على غاز المتوسط ونفطه، إضافة إلى تحويل الفشل الفرنسي في الساحل إلى فرصة إستراتيجية، رفقة بلدان المغرب الكبير، بعد حل المعضلة الليبية وفق الرؤية المغاربية، مع إبعاد التدخلات/ الاختراقات الإقليمية والدولية.
تلك هي البرمجة الحقيقية لتحدّيات المؤسّستين الجديدتين في الجزائر ورهاناتهما، مؤسستي الرئاسة ورئاسة الحكومة، وتحتاج إلى جهود كل الجزائريين وسواعدهم، لتصبح أداة صنع التغيير، على الرّغم من نقائص لوحظت، هنا وهناك، لكن بالحوار والإدراك الجماعي المجتمعي لكل تلك التحدّيات والرهانات، سنتمكّن من عبور المرحلة المحورية، وصنع الغد المأمول والمنشود.
ولكن، بالرّجوع إلى تلك التّعيينات، هل توصّلت الرّئاسة إلى الخلطة السحرية التي سترفع تحديات الإشكاليات كافّة التي تعاني منها الجزائر: على المستويين، الاقتصادي، في المحور الأول،
تحدّث بعضهم عن الفريق الحكومي، ووصفه بالفريق المتخصّص في ملفّات محدّدة، استجابت لضغوط عدة، منها الحراك، الظروف التي جرت فيها الانتخابات الرئاسية، إضافة إلى الرّغبة في إحداث القطيعة الأولى مع السّاحة السياسية، بمعطياتٍ موروثةٍ من نظام الرّئيس السابق على أكثر من مستوى، منها النّخبة السياسية والأحزاب السياسية والأغلبية البرلمانية، وكلّها ملّفات ضاغطة، تحتاج إلى حلّ، بل حلول سريعة قد يتكفّل بها الفريق السياسي الذي سيتولى الحوار مع الحراك.
على الجانب الآخر، سيكون الفريق الحكومي على موعد حاسم ومستعجل، لرفع تحدّي الإنجاز الأوّل في المائة يوم الأولى من حكم الرّئيس عبد المجيد تبون، الذي يحتاج إلى تأكيد شرعيته، وقد يكون التّركيز، بصفة حيوية، على العملية الاتصالية التي يجب أن تتغيّر، ليبدو الفريق الحكومي مختلفا، كلّ الاختلاف، عن الممارسة السياسية وأخلاقياتها في عهد الفريق السياسي لكل المرحلة التي حكم فيها الرئيس السابق، بوتفليقة (قرابة العشرين سنة). ولعلّ الرئيس المنتخب ورئيس الحكومة تفطنا لذلك، فعينا شخصية ذات كفاءة عالية في الميدان الاتصالي لقيادة الصورة/ الشكل الذي ستكون عليه العملية الاتصالية، وهو الإعلامي ووزير الاتصال والناطق الرسمي باسم الحكومة، عمّار بلحيمر، مع منحه، وجوبا لتجسيد ذلك، الإمكانات والاختصاصات الكافية لقيادة تلك العملية.
كما ستكون الحكومة على موعدٍ لا يقلّ أهمّية عن العملية الاتّصالية، وهي استرجاع الثقة التي تعتبر الخطوة الأولى في مسار بناء الشرعية الجديدة التي تحتاجها السّلطة لإعادة ترميم العلاقة المشروخة والمأزومة، في آن، مع الشّعب والسّعي إلى رسم معالم ورشتي العقد الاجتماعي والسياسة العامة على المستوى الشكلي - السلوكي، بداية، في انتظار أن يمتد إلى الجانب العملي، في إطار ما تمّ إقراره مع بعث عملية مراجعة الدستور.
وقد تكون المهمّة التي أسداها الرئيس المنتخب لرئيس الحكومة، لتحضير مشروع قانونٍ يحظر
إذا عرفت الرّئاسة والحكومة كيف تتعامل مع الاستراتيجيات الثلاث: الاقتصادية، الحوار مع الحراك وإعادة اللحمة بين الجزائريين، فإنّها تكون قد أعادت بناء جسور الشرعية والثقة بينها وبين الشعب، في انتظار أن يتمم ذلك بعقد اجتماعي، الدستور المعدل، واقتراعات تشمل إعادة بناء المؤسسات، مرّة أخرى، بصفةٍ شرعيةٍ، في إطار النزاهة والنظافة والشفافية، وكلها ورشات حقيقية تستحق الاهتمام، وتحتاج لإعطائها المكانة التي تليق بها تجديدا للنّخبة السياسية بإعادة بناء المجتمع المدني، تشكيل المعارضة، والتركيز، من خلالهما، على الوعي الذي يحول دون التطرّق، مستقبلا، بل على الدوام، إلى مسائل مجمع عليها بين أبناء الجزائر باعتبارها ثوابت: الروحي، الإسلام، اللغوي: العربية والأمازيغية، إضافة إلى العلم الوطني، النشيد، بيان أول نوفمبر ومكانة الشهداء من 1830 إلى 1962.
يؤدّي رفع هذه التحدّيات، حتما، إلى بروز إمكانية لبناء مشروع القوة الجوارية، مع دول المغرب
تلك تحدّيات المستقبل المنظور التي نحتاج إلى التركيز عليها، حتما، في انتظار التغلّب، بالإدارة الحكيمة، استراتيجيا، على الرهانات الطاقوية، على خلفية الصراع المحموم على غاز المتوسط ونفطه، إضافة إلى تحويل الفشل الفرنسي في الساحل إلى فرصة إستراتيجية، رفقة بلدان المغرب الكبير، بعد حل المعضلة الليبية وفق الرؤية المغاربية، مع إبعاد التدخلات/ الاختراقات الإقليمية والدولية.
تلك هي البرمجة الحقيقية لتحدّيات المؤسّستين الجديدتين في الجزائر ورهاناتهما، مؤسستي الرئاسة ورئاسة الحكومة، وتحتاج إلى جهود كل الجزائريين وسواعدهم، لتصبح أداة صنع التغيير، على الرّغم من نقائص لوحظت، هنا وهناك، لكن بالحوار والإدراك الجماعي المجتمعي لكل تلك التحدّيات والرهانات، سنتمكّن من عبور المرحلة المحورية، وصنع الغد المأمول والمنشود.