تحديّات أمنيّة خارجيّة وداخليّة تهدّد الأمن والاستقرار في باكستان

13 نوفمبر 2014
تزداد حدّة التوتر على الحدود الهندية الباكستانية (ميتين اكتاس/الأناضول)
+ الخط -

تمرّ باكستان حالياً بمرحلة أمنية حرجة وحساسة، وتواجه تحديات خارجية وداخلية جسيمة تهدد أمنها واستقرارها. ففي حين تسود حالة من التوتر على الحدود مع كل من الهند وإيران وأفغانستان، تواجه باكستان أزمة أمنية داخلية حادّة، متمثلة في أنشطة حركة "طالبان باكستان" في المناطق القبلية، والتدهور الأمني في مدينتي كراتشي وكويتا، وأنشطة الحركات الانفصالية البلوشية، بالإضافة إلى محاولات لإشعال حرب طائفية، كما يزعم بعض السياسيين.

وتزداد حدّة التوتر على الحدود الهندية ـ الباكستانية يوماً بعد آخر، كما يدّعي مستشار رئيس الوزراء للأمن القومي والشؤون الخارجية، سرتاج عزيز. وأكد عزيز أن "القوات الهندية المرابطة على الحدود بين الدولتين قامت بانتهاك الحدود الباكستانية منذ بداية العام الحالي حتى الآن 224 مرة، وأنها تهاجم الأراضي الباكستانية بشكل يومي"، لكنه شدد على أن "باكستان لن تقبل المساومة على سيادتها وسترد بالمثل على أي إعتداء، كما أنها تتابع الملف على كافة الأصعدة الدبلوماسية".

وفي مؤشر على تصاعد الأزمة الحدودية بين الدولتين، أكدت الخارجية الباكستانية أن "الهند تسعى إلى بناء نقاط عسكرية جديدة على الشطر الفاصل بين إقليمي كشمير، المتنازع عليه بين البلدين، لاستهداف المناطق الباكستانية، وأن باكستان لن تسمح بذلك أبداً لأنها تجعل المناطق السكنية الباكستانية في خطر".

وأشارت إلى أن "الاتفاقية الأمنية المبرمة بين الدولتين عام 2003، لا تسمح لكلا البلدين ببناء المواقع العسكرية على الخط الفاصل، بل تكون المواقع العسكرية على بعد 500 متر من الخط".

ولكن في المقابل، تتهم الهند القوات الحدودية الباكستانية بانتهاك حدودها، وتحذّر باكستان من نتائج وخيمة إذا ما واصلت إطلاق النار على الجانب الهندي. وقد أدى تبادل إطلاق النار بين الطرفين إلى مقتل أكثر من 20 مدنياً على مدى الأسابيع الماضية.

وفي موازاة الأزمة الحدودية بين الهند وباكستان، خيّمت حالة من التوتر والتصعيد على الحدود الإيرانية ـ الباكستانية. ففي 17 من الشهر الحالي وبعد يوم واحد من تصريحات نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، التي لمّح فيها بالتدخل العسكري في الأراضي الباكستانية لتأمين الحدود الإيرانية، أعلنت القوات شبه العسكرية الباكستانية أن القوات الإيرانية هاجمت دورية للقوات شبه العسكرية، ما أدى إلى مقتل جندي وإصابة أربعة آخرين بجروح، كما تعرضت مناطق باكستانية واسعة لهجمات صاروخية من قبل القوات الحدودية الإيرانية أكثر من مرة.

وفي حين تحدثت المصادر الأمنية عن تعرّض جنود القوات شبه العسكرية لهجوم مسلّح من قبل القوات الحدودية الإيرانية، وهجمات صاروخية متكررة على الأراضي الباكستانية، تحدثت القبائل المحلية عن دخول عدد كبير من عناصر الحرس الحدودي الإيراني إلى باكستان، والقيام بتمشيط بعض القرى الحدودية الباكستانية.

وذكرت مصادر قبلية أن "حوالي 30 من عناصر القوات الحدودية الإيرانية دخلوا إلى قرية نوكندي الحدودية بين الدولتين، في 18 من الشهر الحالي، وعادوا بعد حملة تمشيط في القرية استمرت ساعات عدة، أعقبه هجوم صاروخي على المناطق الباكستانية استمر أكثر من ست ساعات تقريباً".

واستدعت الخارجية الباكستانية السفير الإيراني لدى باكستان، علي رضا حقيقيان، وسلمته رسالة احتجاج على الانتهاكات الحدودية، وتوعدت القوات المسلحة الباكستانية بالرد العنيف إذا واصلت القوات الإيرانية انتهاكاتها للحدود الباكستانية.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، عقد قائد القوات شبه العسكرية الباكستانية، الجنرال إعجاز شاهد، اجتماعاً مع قائد القوات الحدودية الإيرانية، الجنرال قاسم الرضا، في طهران، وأعلن الطرفان عقب الاجتماع اتفاقهما على التعاون لإنهاء حالة التوتر التي تسود الحدود الإيرانية ـ الباكستانية منذ أيام.

وأصدرت القوات شبه العسكرية الباكستانية، في 22 من الشهر الجاري، بياناً صحافياً جاء فيه أن "الجانبين اتفقا على تبادل المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالحدود، وعلى ضرورة التعاون بينهما لمواجهة ظاهرة التطرف والإرهاب".

لكن في 24 أكتوبر الجاري، وبعد يومين فقط من إعلان اتفاق الدولتين على التعاون لإنهاء الأزمة، أعلنت القوات المسلحة الباكستانية أن القوات الإيرانية قصفت بالصواريخ منطقة خاران بمديرية ماشوخيل في إقليم بلوشستان.

وأوضحت القوات الباكستانية أنها ردت بالمثل ولجأت إلى قصف الأراضي الإيرانية، ما يشير إلى مزيد من التصعيد على الحدود، ولا سيما أن الأخيرة تزعم أن المسلحين الذين يستهدفون قوات بلادها يفرون إلى الأراضي الباكستانية بعد تنفيذ الهجمات، وتهدد بالتدخل العسكري.

وترفض باكستان الاتهامات الإيرانية، وترى المتحدثة باسم الخارجية الباكستانية، تسنيم أسلم، أن الملف الأمني الإيراني ملف داخلي لإيران لا علاقة له بباكستان، وتشدد على أن القوات الباكستانية تدافع عن أراضيها ولن تقبل أي مساومة على سيادة بلادها.

في غضون ذلك، يستمر تبادل الاتهامات بين باكستان وأفغانستان بالتدخل والانتهاكات الحدودية، حيث أعلنت القوات الباكستانية في 22 أكتوبر عن مقتل مدني وإصابة عدد من جنود الجيش إثر سقوط صواريخ على مقاطعة باجور القبلية الباكستانية. وحسب المصادر العسكرية، فإن الصواريخ أطلقت من الجانب الأفغاني.

من جهتها، تتهم السلطات الأفغانية الجيش الباكستاني بإطلاق الصواريخ على إقليم كنر الحدودي الأفغاني. وليس هذا فحسب، بل اتهم وزير الداخلية الأفغاني، عمر داود زاي، باكستان بدعم الارهاب في المنطقة برمتها، وأكد أن "الارهاب في أفغانستان ودول آسيا الوسطى مصدره باكستان".

وإلى جانب التحديات الأمنية الخارجية، المتمثلة في التوتر على الحدود مع كل من الهند وإيران وأفغانستان، تواجه باكستان أزمة أمنية داخلية حادة. ففي حين يقوم الجيش الباكستاني بعمليات عسكرية ضد مسلحي "طالبان" والجماعات المسلحة في المناطق القبلية، تعود موجة جديدة من العنف إلى المدن الباكستانية، لا سيما مدينة كويته، التي شهدت عمليات تفجير وعنف متتالية آخرها استهداف الزعيم الديني والسياسي، المولوي فضل الرحمن، بعملية انتحارية، الخميس الماضي.

كما أن أعمال العنف والاغتيالات المتعمّدة متواصلة في مدينة كراتشي، العاصمة الاقتصادية لباكستان، وقد فشلت الأجهزة الباكستانية في الوصول إلى العصابات المسلحة التي تعبث بأمن المدينة.

يذكر أن هناك محاولات لإشعال فتيل حرب طائفية في البلاد، لا سيما في إقليم بلوشستان، جنوب غربي باكستان، كما يزعم زعيم جمعية "علماء الإسلام"، المولوي فضل الرحمن، في تعليق له على حادث استهداف حافلة جماعية لأبناء قومية هزاره، الخميس الماضي، والذي أدى إلى مقتل ثمانية أشخاص.

وإضافة إلى ما سبق، تواجه القوات المسلحة الباكستانية وأجهزة الأمن تحدياً أمنياً آخر، وهو التعامل مع الحركات الانفصالية البلوشية التي تتخذ من إقليم بلوشستان مقراً، وتنفذ عمليات عنف في الإقليم، كان آخرها اختطاف ثمانية عمال ينتمون إلى إقليم البنجاب، وقاموا بإعدامهم، الأسبوع الماضي. وتتهم باكستان إيران وأفغانستان بدعم الحركات الانفصالية البلوشية.

وممّا لا شك فيه أن الوضع الأمني الداخلي يؤثر سلباً على موقف باكستان إزاء التحديات الأمنية الخارجية، وهو ما لمّح إليه وزير الدفاع الباكستاني، خواجه آصف، لدى اتهامه الهند باستغلال الوضع الأمني والسياسي داخل بلاده.

المساهمون