تحديات مؤتمر الرياض اليمني
يمثل مؤتمر الرياض اليمني، والمزمع عقده في الأيام القليلة المقبلة، نقطة تحول مركزية وفارقة في مسار الأحداث والتطورات على الساحة اليمنية، منذ سقوط العاصمة صنعاء بيد المليشيات الحوثية المتحالفة مع نظام الرئيس السابق، علي عبد الله صالح، والمدعومة إيرانياً في 21 سبتمبر/أيلول 2014. ويُعد هذا المؤتمر الذي دعا إليه الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، ووافقت القيادة السعودية على نقله إلى عاصمتها الرياض، خطوة إيجابية سياسياً بالنسبة لليمن الذي يمر، كالمنطقة كلها، بمنعطفات خطرة في هذه المرحلة الحرجة للغاية في تاريخ اليمن والمنطقة. ولكن الحديث عن هذا الحوار، بعيداً عن القراءة الموضوعية والمتأنية لمساراته وآلياته، ونقاط الضعف والقوة فيه، لن يتعدى نوعاً من استهلاك إعلامي سيسطح الأمر أشد مما كان عليه الحال في مؤتمر الحوار الوطني الأول، والذي كنت قد أشرت في مقال سابق عنه إلى اعتبار أن جماعة الحوثي تمثل أهم تحد وعائق رئيسي أمام نجاح مؤتمر الحوار الوطني، لا باعتبارها قوى ضاربة، ولكن، باعتبارها ورقة تم استغلالها محلياً وإقليمياً ودولياً ضمن أجندة الثورات المضادة للربيع العربي.
وبالتالي، صحيح أن مؤتمر حوار الرياض يمثل نقطة مهمة لاستعادة الدولة اليمنية أولاً وأخيراً والدور السعودي الإيجابي في اليمن ثانياً، والذي يجب أن يستند ويقوم على رؤية إستراتيجية جديدة منقطعة الصلة عن الدور التكتيكي الذي كانت تلعبه المملكة طوال العقود الماضية في اليمن. الدور الذي أثبتت التجربة فشله الذريع، في استناده إلى علاقات فردية مع البنى والأنساق الطائفية والقبلية المتناقضة مع مشروع الدولة الحقيقية التي يجب أن يتم العمل على بنائها وتعزيزها، ضامناً لعدم انزلاق اليمن نحو مربعات الفوضى والاقتتال، والاستقطابين الخارجي والإقليمي.
وأعتقد جازماً، هنا، أن أي دور سعودي لا يتمحور حول استراتيجية وجود دولة حقيقية في اليمن، تحت سقف النظام الجمهوري والوحدة اليمنية والمواطنة المتساوية والشراكة الوطنية، فإن أي حوار لن يكون مصيره سوى الفشل، ومصير اليمن معه إلى الاحتراب الأهلي الذي لا أحد يمكنه أن يضمن عدم تطاير نيرانه إلى ما وراء الحدود، وخصوصاً في ظل وضع إقليمي ومحلي مأزوم وقابل للانفجار.
من هنا، أعتقد أن أمام مؤتمر الرياض تحديات كبيرة وفارقة على المستوى الداخلي، يمنياً وسعودياً أيضاً، عدا عن التداخلات الإقليمية والدولية في اليمن، والمنطقة كلها.
وأعتقد أن مضي السعودية في إدارة حوار يمني في المملكة ينبغي أن يرتكز، بدرجة رئيسية، على الأسباب التي أدت إلى فشل مؤتمر الحوار الوطني السابق وانهياره، وتلافيها في مؤتمرها الحالي في الرياض.
عدا عن التحديات الموضوعية الأخرى داخلياً وخارجياً أمام نجاح مؤتمر الرياض اليمني، والتي كانت، وما زالت، تحديات أفشلت الحوار الأول في صنعاء، وما زالت ماثلة، بل وتعاظم خطرها، الآن، بشكل كبير، وفي مقدمتها سلاح المليشيات الذي زاد تعاظمه. ومن هذه التحديات، داخلياً، وهو الأخطر، أن أي معالجة للموضوع اليمني، بعيداً عن قراءة موضوعية لخارطة القوى السياسية والاجتماعية فيه، بحيث يطغى الحضور المسلح للمليشيات على أي قراءة موضوعية، وذلك لن يؤدي سوى إلى الفشل، أي أن القراءة الموضوعية يجب أن تأخذ، في حسبانها، التمثيل المتكافئ والمتوازن لخارطة الديمغرافية اليمنية التي يمثل فهم خارطتها أحد مفاتيح الحل في اليمن.
وضمن التحديات الراهنة لمؤتمر الرياض مخافة الاستعجال في السير نحوه، وعدم التأني في دراسة الموضوع، وإيجاد تصور واضح حول القضايا والآليات التي ينبغي العمل وفقها، وإنجازها كمصفوفة متكاملة بقائمة ضمانات حقيقية، لتنفيذ المخرجات التي سينتهي إليها المؤتمر. ومن التحديات أمام نجاح مؤتمر الحوار، بعد مسألة السلاح، تحديد الكيان الوطني القادر على تمثيل كل الفعاليات الثورية، وفي مقدمتها التيار الشبابي، مفجر ثورة فبراير الذي تم الانقلاب عليه مبكراً، باستبعاد شباب الثورة منه حينها. فقد تم في مؤتمر مبعوث الأمم المتحدة، جمال بن عمر، الذي استبدل شباب الثورة بوجوه شبابية لا علاقة لها بالثورة من قريب أو بعيد، وكانت وجوهاً معبرة عن سفارات القوى الدولية في صنعاء، والتي أوصلت اليمن إلى ما وصل إليه، بتسليم عاصمتها للمليشيات الحوثية الإيرانية.
التحديات الخارجية، إقليمياً ودولياً، متداخلة مع تحدي المليشيات في الداخل، ممثلاً بالدور الكبير للمشروع الإيراني في المنطقة، والذي غدا مؤثراً بشكل كبير، بالنظر إلى أن هذه المليشيات ليست سوى أداة من أدواته، ولا يمكنها أن تصنع قراراً بمعزل عنه، وهذا ما بدا واضحاً في إعلان هذه المليشيات عدم حضورها مؤتمر الرياض الذي ترى فيه، مع ذلك، أنه لا يمكنها تجاهله، بالنظر إلى ما للدور السعودي من حضور كبير في اليمن.
وفيما يتعلق بالجانب الخليجي، والسعودي تحديداً، أعتقد أن أهم تحدٍ هو عدم وجود رؤية سعودية خليجية واضحة المعالم تجاه الوضع في اليمن، عدا عن وجود أطراف خليجية كدول أو كأطراف داخلية في المملكة، لا تتفق مع الموقف الراهن للنظام السعودي بقيادة الملك سلمان، وهذا ما يبدو جلياً في تصريحات وكتابات بعضهم هنا أو هناك. وأعتقد أن هذا التباين الخليجي يعد تحدياً كبيراً لإدارة الملك سلمان، باعتبار أن الوضع في اليمن بعد 21 سبتمبر/أيلول، في جزء كبير منه، نتاج طبيعي لسياسات وتوجهات خليجية سعودية.
بعد ذلك ثمة البعد الدولي وتحدياته، من خلال الموقف الغربي الأوروبي أو الأميركي الغامض من الانقلاب الحوثي في صنعاء، والذي يزداد غموضه وضوحاً كل يوم من خلال عدم نقل السفارات الغربية إلى عدن، على الرغم من إغلاقها في صنعاء، في دلالة على موقف موارب غربياً. والأهم والأخطر من هذا كله هو حقيقة الموقف الدولي من الوحدة اليمنية التي سيمثل أي مساس بها توفير فرصة تاريخية للانقلاب والانقلابيين، لشرعنة انقلابهم ثم تسهيل مهمة انقضاضهم على هياكل الشرعية السياسية المتبقية للرئيس هادي في عدن.