تحديات السراج: إنقاذ حكومة "الوفاق" الليبية واتفاق الصخيرات

27 يناير 2016
يعيد السراج تشكيل حكومة ليبيّة مصغّرة(فرانس برس)
+ الخط -
يشهد الملف الليبي باستمرار عقبات وتحديات تجعله يراوح مكانه، ولا سيما بعد تعثر حكومة فائز السراج التي كان الأخير يسعى إلى تقديمها إلى الليبيين على أنها حكومة وفاق وطني، متسلحاً بدعم غربي ومن قبل الأمم المتحدة، إلا أن هذا المسعى اصطدم باعتراضات واسعة من قبل أطراف ليبية عدة، قبل أن يرفض برلمان طبرق منح حكومته الثقة أول من أمس الإثنين، مانحاً إياه مهلة عشرة أيام لإدخال تعديلات عليها. وهو ما يحاول الأخير الالتزام به عبر إعادة تشكيل حكومة وفاق مصغّرة. وفي السياق، قال المستشار الإعلامي للسراج، فتحي بن عيسى، لوكالة "فرانس برس"، أمس الثلاثاء، إنّ "السراج سيقوم بإعادة تشكيل الحكومة مراعياً ملاحظات مجلس النواب القاضية بتقليص عدد الوزارات". وأكد بن عيسى، أنّنا "سنلتزم بمهلة العشرة أيام".

إلّا أنّ هذه الخطوة لا تلغي التحديات التي تنتظر السراج لإقناع الأطراف المتنازعة بالتوقيع بشكل نهائي على اتفاق الصخيرات. ولعلّ موقف برلمان طبرق من ناحية، وتحديداً في ما يتعلق بالمادة الثامنة من الاتفاق، وزيارة السراج الأخيرة إلى الجزائر من ناحية أخرى، تحيلان مباشرة إلى عقدتين أساسيتين دائمتين في هذا الملف؛ هشاشة الاتفاق السياسي الموقّع في مدينة الصخيرات المغربية، والتوازنات السياسية وحقيقتها على الأرض، بحسب مراقبين.

وكما كان متوقعاً، صوّت 89 نائباً من إجمالي 104 نواب حضروا الجلسة في مدينة طبرق، شرق ليبيا ضد دعم حكومة فايز السراج. غير أنّ المشكلة الكبرى لا تتعلق بالحكومة، فهذا أمر يسهل تنفيذه مقارنة بالإشكال الحقيقي الذي يتعلق بتصويت برلمان طبرق ضد المادة الثامنة من الاتفاق السياسي الذي ترعاه الأمم المتحدة. وتنصّ هذه المادة على شغور المناصب الأمنية والعسكرية القيادية بمجرد حصول حكومة الوفاق الوطني على ثقة المجلس النيابي، على أن تقوم هذه الحكومة في وقت لاحق باختيار الشخصيات التي ستتولى المناصب الأمنية والعسكرية.

لن يكون رفض هذه المادة من قبل نواب طبرق جديداً أو مفاجئاً، إذ شكّلت نقطة خلاف واضحة منذ البداية، باعتبار أنّها تقود مباشرة لإزاحة اللواء خليفة حفتر من منصبه. وجاء تجميد نائب برلمان طبرق علي القطراني، أخيراً، عضويته في المجلس الرئاسي لهذا السبب أساساً. وطالب القطراني ببقاء حفتر على رأس المؤسسة العسكرية الليبية، وتكليف وزير دفاع موالٍ له، في حين تم تعيين موال لطرابلس، بحسب قوله. وهو ما أدى إلى وصف الحكومة المقترحة، التي سيعاد تشكيلها، بأنّها "حكومة موالية لطرابلس".

ويصطدم مضمون المادة الثامنة الذي تطالب مناطق "الشرق" بإسقاطها أو تعديلها برفض مناطق "الغرب" للمساس بها. ورفض ممثل الحوار عن "المؤتمر الوطني العام" الموقّع على اتفاق الصخيرات، صالح المخزوم، محاولة نواب طبرق تعديل المادة الثامنة من الاتفاق السياسي المتعلقة بالمناصب العسكرية والمدنية والأمنية. ووصف المخزوم في بيان له، أخيراً، ما قام به مجلس النواب في جلسته، بـ"الانتهاك الصارخ لروح الاتفاق السياسي وأنه تهديد له وانقلاب عليه"، مشيراً إلى أنّ المادة رقم 60 من الاتفاق تمنع على أي من أطراف الحوار اتخاذ أي إجراءات تتعارض مع أي من بنود الاتفاق. وأضاف بيان المخزوم، أنّ "ما جاء في نصوص الاتفاق السياسي لا يمكن تجزئته، فإمّا التعامل معه كحزمة واحدة أو رفضه كله"، مؤكداً أن ما قام به البرلمان في طبرق "يتعارض مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2259 المرحِّب بالاتفاق السياسي الليبي".

من جهته، رحّب المبعوث الأممي إلى ليبيا، مارتن كوبلر، بإقرار مجلس النواب الاتفاق السياسي الليبي بشكل مبدئي. ويبدو كوبلر داعماً للمخزوم في هذا الشأن، إذ ذكر في بيان له، إثر موقف برلمان طبرق، أنّه أحيط علماً بتحفظ مجلس نواب طبرق على المادة الثامنة. وقال المبعوث الأممي، إنّه "يذكّر جميع الأطراف أن أي تعديل للاتفاق السياسي الليبي يجب أن يكون متماشياً مع الآلية التي وضعها الاتفاق"، مشدداً على "استمرار المشاورات مع جميع الأطراف لإيجاد حل توافقي لجميع القضايا العالقة".

اقرأ أيضاً: ليبيا:السراج يبحث عن الشرعية بالجزائر بعد خسارة ثقة طبرق

وبحسب المعطيات، قد يقوم كوبلر بزيارة إلى الجزائر قريباً، لاستكمال المراحل الأساسية لما بعد تشكيل حكومة وفاق وطني. وتقول مصادر جزائرية لـ"العربي الجديد"، إن المستشار المكلّف بالأمن ضمن البعثة الأممية، الجنرال باولو سيرا، سيرافق كوبلر إلى الجزائر، وسيجري محادثات مع وزير الشؤون المغاربية والاتحاد الإفريقي عبد القادر مساهل، إذ من المقرر أن تتمحور اللقاءات حول أهم المراحل الرئيسية المحققة في إطار استكمال المسار السياسي بين الأطراف الليبية.

ويبدو أنّ كوبلر يحاول ما بدأه السراج، يوم الاثنين، في إقناع الجزائر بالقيام بدور أكثر فاعلية على مسارات متعددة، ومنها؛ دخول حكومة الوفاق الوطني إلى طرابلس، ودعم الحكومة الجديدة بوضوح أكثر، وربما السعي إلى تليين موقفها الصارم والمتشدد تجاه أي تدخل عسكري في ليبيا، وهو ما سعت إليه إيطاليا مراراً مع الجزائر لكنها لم تفلح، بحسب بعض المراقبين.

في هذا السياق، أعلنت وزارة الدفاع الإيطالية، أمس الأوّل الاثنين، أن ليس لديها أي نية للتدخل العسكري في ليبيا "ما لم تطلب ذلك حكومة الوفاق"، وفقاً لما نقلته تقارير ليبية عن وكالة "آكي" الإيطالية للأنباء. وتأتي هذه التوضيحات بعدما نقلت مصادر إعلامية إيطالية، يوم الإثنين، عن مصادر مقرّبة من رئاسة الوزراء الإيطالية، قولها إنّ "إيطاليا مستعدة للتحرك العسكري، وإذا لزم الأمر فإننا سنعمل مع حلفائنا بناء على طلب من حكومة الوفاق، وفي الإطار الذي تمليه قرارات الأمم المتحدة". وأشارت مصادر وزارة الدفاع الإيطالية إلى أنه "على الرغم من ذلك، فإن التدخل العسكري لن يكون إيطالياً فقط، بل "من قبل التحالف الدولي، الذي تشكل إيطاليا جزءاً منه، لكن لم يُقرر أي شيء في الوقت الراهن".

من جهتها، نقلت محطة "سي أن أن" الأميركية عن مصادر أنّ الجنرال جوزيف دانفورد، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، المستشار العسكري للرئيس الأميركي باراك أوباما، دعا إلى تصعيد عمليات الولايات المتحدة العسكرية ضد "داعش" في ليبيا وتدريب القوات الليبية لمحاربة التنظيم. وأخبر الجنرال الأميركي الصحافيين أثناء سفره في أوروبا، أنّ الولايات المتحدة تريد "اتخاذ إجراءات عسكرية حاسمة لوقف داعش في ليبيا، بالتزامن مع مواصلة دعم العملية السياسية لتشكيل حكومة فعالة"، بحسب المصادر. 

لكن الجنرال الأميركي والسراج وكوبلر والإيطاليين يدركون أن "هذه الحكومة القوية والفعّالة" مسألة في غاية الصعوبة بهذه المقاربة الفوقية، ومن دون إشراك جميع الفرقاء الليبيين، وأنّ الإقصاءات المتلاحقة وخصوصاً استبعاد القوى في طرابلس بشكل غير مباشر، لن تقود إلى ولادة الحكومة.

يذكر أن بيان السراج، عقب زيارته إلى الجزائر، قد أشار إلى أنه تباحث مع الجزائريين "للاستفادة من المصالحة الوطنية الجزائرية"، في تلميح مباشر إلى قوى نظام العقيد الراحل معمّر القذافي الموجودين بقوة على الأرض، والمتقاربين مع الجزائر (بعض تياراتهم). غير أن هذا الملف لم يفتح بعد في ليبيا، وسيكون بالتأكيد من أصعب الملفات. لكن في انتظار تحقيق ذلك، يعود السراج إلى تونس، ويبدأ رحلة البحث من جديد عن حكومة مصغرة ذات تمثيل عال، ومقتدرة حكومياً ومن دون شخصيات مثيرة للجدل، ما يعيد الأحداث إلى المربّع الأول.

اقرأ أيضاً الإدارة الأميركية والتدخل في ليبيا: انعدام شهية واكتفاء بالغارات