تبيّن وعمران: علامات استفهام عربية

29 يناير 2015
علي حسن / قطر
+ الخط -

يخوض عددا شتاء 2015 من فصليتيْ "تبيّن" (للدراسات الفكرية والثقافية) وعُمران" (للدراسات الاجتماعية والإنسانية) الصادرتين عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، في أبرز الملفات الساخنة في منطقتنا، من خلال منظور عروبي ديموقراطي تحرّري.

في "تبيّن"، يرى الباحث المغربي محمد سبيلا، في دراسته "مسألة الحداثة في فكر هايدغر: بين تمجيد العالم ورثائه"، أنّ تشخيص الفيلسوف الألماني للحداثة يميّز ضمنياً بين مظاهرها أو تجلّياتها، وجوهرها الفكري. ويستعرض سبيلا مجموعة من مظاهر الحداثة المميزة التي تطال مستويات اجتماعية مختلفة، ملاحظاً أساساً مشتركاً وجامعاً خلف السمات المختلفة للحداثة عند هايدغر؛ ومشيراً إلى أن "خلف كلّ هذه المظاهر (العلم، والتقنية، والفن، والدين، والثقافة) تنتصب الذات الإنسانية كأساس ومبدأ ومرجع".

وفي دراسته "الأسس الفلسفية لمفهوم العدالة الانتقالية: مقاربة أولية"، ينصبّ اهتمام الباحث مولاي أحمد مولاي عبد الكريم على سؤال العدالة، من خلال التساؤل عن ماهيتها ومدى ارتباطها بالأخلاق والسياسة والقانون، وذلك بكيفيةٍ نظرية تبحث في أسسها الأنطولوجية وتجلّياتها الاجتماعية. إلا أنّ طرح سؤالها اليوم من خلال مفهوم العدالة الانتقالية يأتي في إطار جديد، نظراً إلى ارتباطه بسياقات النظر العملي والإجرائي الذي يتمّ ضمن ما بات يُعرف بفكر الأخلاقيات التطبيقية.

من جهته، يقدّم مصطفى بوقدور دراسة بعنوان "سلطة الخطاب في الفضاء المعلوماتي: قراءة في منطق السلطة الافتراضية"، هي محاولة لفهم الآليات التي يشتغل بها الفضاء المعلوماتي، والتعمّق في المآلات المترتبة على نمط اشتغال هذا الفضاء وتداعياته على الذات الإنسانية، وطبيعة العلاقات المجتمعية الافتراضية.

أما الباحث محمد الفتحي فيقدّم، في دراسة بعنوان "انتظام مستويات اللغة في اللسانيات البنيوية"، إجابة على أسئلة من قبيل: ما هي مكوّنات البنية اللغوية وعناصرها؟ وما هي مستوياتها؟ وكيف تنتظم وتشتغل؟ وما طبيعة العلاقات الرابطة بينها؟ وكيف تتكامل المقاربات البنيوية في تحديد معالم معمارية البناء اللساني نظرياً ومنهجياً وإجرائيًا؟ وذلك من منظور بنيوي.

ونقرأ في العدد أيضاً ورقة الباحث خالد البحري، "الخلق والقيم لدى برغسون أو ما حاجة الله إلينا"، التي يتساءل فيها عن كيفية عيش برغسون العلاقة بين الخلق والقيم، وماهية سمات اشتغال مفهوم الخلق في حقل الأخلاق والدين لديه.

وفي باب "من المكتبة"، نقرأ لزكي بيضون "باب في تسويغ الفاهمية المحضة في الطبعة الأولى من نقد العقل المحض" لإيمانويل كانط. وفي باب "المناقشات والمراجعات" نقرأ لكل من رشيد العلوي ومحمود الذوادي وأنطوني ريدينغ، إضافة إلى مراجعة وافية لكتاب "الدين والعلمانية في سياق تاريخي" للمفكر العربي عزمي بشارة، أنجزها الباحث مصطفى أيت خرواش. وفي باب "تقارير"، يقدّم الباحث إبراهيم القادري بوتشيش تقريراً موسعاً عن أعمال المؤتمر الدولي الثالث لـ"عالم الإسلام: المجتمع والتاريخ والثقافة".

أما في عدد "عمران"، فيطالعنا ملف بعنوان "المسألة الطائفية وصناعة الأقلّيات في المشرق العربي الكبير". وكتب عزمي بشارة ورقة بعنوان "مدخل لفهم المسألة الطائفية وصناعة الأقلّيات في المشرق العربي الكبير"، تناول فيها الطائفية بوصفها ظاهرةً حديثةً، في سياقٍ أصبحت فيه الطائفة جزءاً من كلٍّ، هو الكيان الوطني أو الدولة. وتقدّم الورقة مثالَي لبنان والعراق في رصد تحوُّل الطائفة الاجتماعية إلى طائفة سياسية، مشيرةً إلى التديّن السياسي الذي، إذا وقع في مجتمعات متعدّدة الطوائف، يؤُول بالضرورة إلى طائفية سياسية، وذلك ضمن رصد عملية تحويل الجماعات أو الديانات والمذاهب الأخرى وتفكيكها إلى أقلّيات قياساً بأكثرية طائفية.

ويحضر أحمد بيضون بورقة بعنوان "للطائفية تاريخ.. في تَشكُّل الطوائف وَحَداتٍ سياسيّة"، تركّز على الجانب المتغير أو المتحوّل في المسألة الطائفية، وتبحث في الحبكات الطائفية القائمة في أقطار مختلفة من المشرق العربي، مع تأكيد الاختلاف بينها، وتعالج سبل التنازع والتضامن والتكوين الطائفي الخاص للمجتمعات في المشرق العربي، منتقلًةً بين لبنان والعراق وسوريا ومصر.

ويركّز بحث أشرف عثمان، "الدولة النيوباتريمونيالية في المشرق العربي: في المنطق العصبوي وإعادة إنتاج الطائفية"، على غياب/ تغييب الدولة الوطنية الحديثة في المشرق العربي لمصلحة نمط آخر من الدولة هو الدولة النيوباتريمونيالية؛ إذ تجري إعادة إنتاج متواصلة للبنى التقليدية وتحويلها إلى شبكات باتريمونيالية. وعوضاً عن تنظيم علاقة دولة - مواطن على أساس مبدأ المواطنة، جرى/ يجري تنظيمها على أساس زبوني وعبر أساليب وقنوات غير رسمية.

ويسعى بحث أحمد سعد غازي العوفي "الهوية الشيعية في صيرورة سياسية: تطور مجال القوة وإعادة إنتاج الهوية الشيعية في السعودية"، من خلال الدراسة التاريخية الاجتماعية للحالة الشيعية في السعودية؛ إلى تقديم قراءة علائقية للهوية في مقابل النزعتين الثقافية والبنيوية. وهي قراءة تفضي إلى تعاطٍ أكثر تركيباً للظاهرة.

وفي دراسة بعنوان "التعددية الإثنية واللغوية والدينية في عُمان وعلاقتها بالاستقرار السياسي"، يحاول أحمد الإسماعيلي مقاربة مسألة التعددية وأثرها في التوازنات السياسية والدينية للمجتمع العُماني، سواء أكانت تعددية لغوية أم تعددية دينية، أم مذهبية أم إثنية، إلى جانب التعددية الثقافية الجغرافية. وتضع الدراسة إشكالية التعددية في سياقاتها الظرفية والمرحلية، سواء التاريخية أو الجغرافية، وتقدم كشفاً أنثروبولوجياً لأنساق البنى في دولة خليجية قلّما اشتغلت الدراسات المعرفية بها.

ويُختتم محور العدد ببحث لمحجوب الزويري، "المذهبية في المشرق العربي الحديث: الحالة العثمانية – الصفوية"، يسعى إلى دراسة تأثير الاختلاف المذهبي في العلاقة بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية، فيركّز على سلوك الدولتين بعضهما تجاه بعض، والنحو الذي تطورت فيه علاقاتهما، متسائلاً إن تأسست الخصومة أو العداوة على أساس التباين المذهبي، أم أنّ هناك عوامل أخرى كانت تتفاعل مثل البُعد القومي والتنافس على الجغرافيا.

وفي باب "مقالات ومناقشات"، نقرأ مقالاً لإميل بدارين بعنوان "فرص بناء أفق سياسي تعددي في دول الثورات العربية"، وآخر لفوزي بوخريص بعنوان "حصيلة السوسيولوجيا في المغرب وسؤال النوع: رصد لأهم التحولات".

وفي باب "مراجعات الكتب" يتوقف خضر زكريا عند كتاب "الظواهر القبلية والجهوية في المجتمع العربي المعاصر" الصادر عن "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" للكاتب محمد نجيب بوطالب، ويراجع يحيى بولحية كتاب "أصول التحديث في اليابان 1568- 1868" للكاتب محمد أعفيف، وتناول أحمد عبد الموجود الشناوي كتاب "المعوقات الثقافية للتنمية بالمجتمعات الصحراوية في مصر".

ويختتم العدد بمجموعة من عروض الكتب، منها "العدالة الاجتماعية والنماذج التنموية، مع اهتمام خاص بحالة مصر وثورتها" لإبراهيم العيسوي، و"العيش والموت رجلاً، ديناميات النوع الاجتماعي في مدن مصر".

المساهمون